د. رشا سمير تكتب: ثقافة التغيير أم تغيير الثقافة؟
أثناء مرورى بسيارتى على كورنيش النيل فى ثانى أيام العيد، وقفت لدقائق أتفرس فى الوجوه، وأراقب أمناء الشُرطة والضباط وهم يحاولون السيطرة على الوضع المخيف من متحرشين ومتجاوزين ومتطاولين..
الشباب تجمعهم على اختلاف أعمارهم موضة شعر واحدة وهى تسريحة فنان الأكشن عبده موتة الشهير بمحمد رمضان!.. والفتيات يرتدين ملابس تكشف أكثر مما تستر، وموضات شعر عجيبة، فلا فرق بين المحجبة والمتبرجة اللهم إلا غطاء رأس لا لزوم له!.. حالة عامة من الاستهتار والتسكع غير المنطقى..
وكأنهم يريدون أن يصرخوا فى وجه المجتمع قائلين: (إحنا موجودين)!..
تذمرت وبدا علّى الإستياء..فبادرتنى ابنتى البالغة من العمر خمسة عشر عاما قائلة:
"يا أمى إنهم لا يمتلكون ثقافة التغيير"..
تعجبت.. وعدت أسألها: "وما ثقافة التغيير؟"..
قالت: "هما بيتولدوا فقراء وباباهم بيبقى عايزهم يبقوا زيه، وباشوفهم فى الأفلام كل واحد بيجبر ابنه يشتغل زيه..وفوق كده ما بيتعلموش تعليم كويس، ومابيبقاش بالتالى عندهم حلم إنهم يغيروا حياتهم أو يطلعوا من الشارع اللى اتربوا فيه، وساعات بيبقوا كمان عيانين ومش عارفين يتعالجوا، فبيبقى فقر ومرض وهو ده اللى بيخلى شكلهم غريب وكل اللى بيدوروا عليه الفلوس بالطريقة السهلة، علشان كده ساعات باحس إن الشحاتين اللى ماليين الشوارع كان ممكن يدوروا على شغل بس هما دوروا على الحاجة الأسهل علشان يعيشوا وخلاص، مش فارق معاهم يعملوا إيه أو يبقوا إيه.. بس بصراحة البلد لازم يعلمهم ويعالجهم لو عايزينهم يتغيروا بدل ما تقعدوا تنتقدوهم فيهم"!.
أُسقط فى يدى، من أين أتت بهذا الكلام الكبير جدا؟!.. لقد أبهرتنى برأيها.. إن هجومنا عليهم طول الوقت صنع منهم جيلا له مفهوم مختلف..
الحقيقة أن ثقافة التغيير أو الإرادة فى التطوير والارتقاء من إيجابيات التعليم المحترم، والدولة بكل أسف لا تُقدم تعليما محترما..إذا جاز لنا أن نقول على ما تقدمه فى المدارس تعليما فى الأصل..
الثقافة فى تعريفها البسيط هى الإلمام بنواحى الحياة المختلفة.. فحتى خريجى الجامعات تنقطع صلتهم بالكُتب فور تخرجهم فتضيق آفاقهم..
الثقافة ببساطة هى مجتمع يتذوق الفنون.. الرسم والقراءة والشعر والموسيقى.. ونحن مجتمع يُحرم كل شىء.. لأن حكمنا على الأشياء يأتى من منظور الدين، فلازالت طبقة كبيرة لا يستهان بها تنظر للثقافة على أنها انحلال!..
ووجود مريدين للتيار السلفى حتى اليوم يؤكد تلك النظرية، وإستعانة وزارة التعليم بالقيادات السلفية لتطوير المناهج كارثة تدعم نظرية تخلف المجتمع..
وكيف نحاسب شبابا يعيشون فى مجتمع تكتسح إيرادات أفلام المقاولات فيه كل عيد؟..
وكيف نُحاسب شبابا أصبحت أغلب قراءاته تدور حول قصص الخيال العلمى المسروق من الخارج، وروايات تدعى الواقعية فتكتظ صفحاتها بالسباب والألفاظ الخارجة والمشاهد الجنسية؟
فكيف إذن نستطيع تغيير الارتباط الوثيق بين العيد والتحرش فى حين أن الشباب الذى خرج ليتحرش هو نفسه الذى صام وصلى فى رمضان.. ازدواج أخلاقى!..
إن الفتيات اللاتى رأيتهن تحتل المساحيق وجوههن ويرتدين الملابس المبتذلة، لم يعد لديهن طريقة للهروب من الواقع سوى بمحاكاة المسلسلات التى تكتظ بالراقصات ويفوح منها رائحة التدنى الأخلاقى..
يا سادة.. يا صُناع السينما وكُتاب الروايات..إن الفن لا ينصاع للمجتمع بحجة الواقعية، بل يجب على الفن أن يقود المجتمع للتغيير للأفضل..
لقد وقع المجتمع فى المنطقة الرمادية بين شباب مثقف ولكن للأسف بلا هوية، شباب يرتدى ملابس الدول الأمريكية والأوروبية، ويتشدق بأفكارهم ويتوه فى أوهامهم.. وشباب قتله الفقر وأعيته قلة الحيلة وتمكن المرض والجهل من مفاصله، فباتت السينما المصرية هى ملاذه الوحيد..
حتى لا ألتحف بالتشاؤم..لن أنكر وجود فئة محترمة جدا من الشباب الواعى الجاد الواثق..ولكن ماهى نسبة هؤلاء للباقين؟..
التغيير المجتمعى لن يكون إلا من خلال دولة تؤمن بدور الثقافة، وحكومات تدرك أن ثقافة التغيير لن تكون إلا بتغيير نوع الثقافة التى نقدمها للأجيال القادمة..