أحمد فايق يكتب : أحلام في الغردقة
في اللحظات الأولى لجلسة الأصدقاء بالغردقة لم انتبه كثيرا لحديثهم المشوق، فقد كنت أستمتع بمشاهدة السياح وهم يتجولون في الفندق يعيشون أجازتهم كما يحلمون بها، رأيت العمال على وجوههم السعادة فقد حقق الفندق للمرة الأولى منذ الثورة نسبة إشغال 100%، وهي السعادة التي رأيتها على كل وجوه من يعمل في قطاع السياحة بهذه المدينة الساحرة، فالسائح الذي يأتي إليها لا يريد سوى أربعة أشياء شمس وبحر وديسكو وأمن بالإضافة إلى معاملة راقية ومتحضرة وشوارع نظيفة، هذه الأشياء تساوي بالنسبة لعمال الفنادق وسائقي التاكسي وكل المهن المرتبطة بالسياحة في الغردقة أكل عيشهم ورزقهم ورزق أبنائهم، وفرصتهم في أن يعيشوا داخل وطن يقهر كل من عليه، إختلاطهم بالأجانب غير من سلوكهم كثيرا وجعلهم أكثر إنفتاحا على الاخر.
أعود إلى الأصدقاء اللذين جمعتني بهم جلسة صدفة وهم الأستاذ حمدين صباحي والمخرج خالد يوسف والكاتب وحيد حامد والكاتب الصحفي مجدي الجلاد وعمرو سعد وماجد المصري ورجل الأعمال كامل أبو علي، كانت هي المرة الأولى التي أرى فيها حمدين صباحي، وجدته متسقا مع ذاته ويفعل مايقوله في البرامج التليفزيونية، شخص شديد التواضع ومستمع جيد لأراء وأفكار الاخرين ومحاور جيد ولديه كاريزما ومصداقية ستصل به قريبا إلى رئاسة مصر، كان لدي ماأقوله لحمدين صباحي في عطلة العيد، قلت له : الثورة تسير وراء مبادئ وأفكار وليس وراء أشخاص، وماكنا نحلم به ونريده وسيتحقق هو الخبز والحرية والعدالة الإجتماعية، إذا إلتزمت بها سنقطع أنفسنا من أجلك، وإذا خرجت عن هذه المبادئ سنبحث عن غيرك ليحقق لنا هذه المبادئ، هذه رسالة من جيل أدهم صبري والمقدم نور ومازنجر، الجيل الذي أصابه كل أمراض الدنيا قبل أن يبلغ الثلاثين، الجيل الذي تفتح وعيه في سنوات الإرهاب بالتسعينيات، الذي عاش 30 عاما مع رئيس واحد ووزراء لا يتغيرون، الجيل الذي قام بالثورة ويستطيع إحيائها في أي وقت لأنه ليس لديه مايبكي عليه.
إبتسم حمدين صباحي وهو يصغي وفي وجهه نظرة تمزج بين الإحترام والأبوية ثم قال : وأنا أيضا متفق معك وأعلم أنني إذا خرجت عن مبادئ الثورة ستبتعدون عني، طال الحديث ودلا الجميع بدلوه في كيفية الخروج من عنق الزجاجة، والبحث عن طريقة لإسعاد المصريين بعيدة عن المصالح الشخصية، إستمتعت بإنتباه لمشروع سياحي ضخم تحدث عنه رجل الأعمال كامل أبو علي، مبادرته تتلخص في إقامة 10 مدن سياحية بطول شاطئ البحر الأحمر أسفل سفاجا وحتى شلاتين، ولكل مدينة طابع مختلف تقوم كلها على السياحة الشاطئية وفيها كل الأنماط، ويمكن أن تقام مدينة للسياحة الإسلامية أيضا من ضمنهم بعمل شواطئ خاصة تفصل بين الرجال والنساء، ومدينة أخرى بطابع ال نايت لايف ، وثالثة علاجية إسترخائية، ورابعة شبابية وغيرها، هذه المدن تستطيع أن توفر لمصر 50 مليون سائح في العام، وتوفر هذه المدن 2 مليون و 100 ألف فرصة عمل، ويبلغ عدد الغرف الفندقية 30 ألف غرفة في المدينة الواحدة، وتحصل الدولة على قيمة مليار جنيه ضرائب تقريبا من كل مدينة، وستؤدي إلى منع الهجرة من الصعيد إلى القاهرة، فأهل الصعيد سينتقلون للعمل في هذه المدن، والبقية سيوفرون المواد الغذائية ومتطلبات الفنادق بداية من الحديد والأسمنت ووصولا لمعجون الأسنان .
سأل حمدين صباحي ثلاثة أسئلة، الأول كم تتكلف الدولة في بناء هذه المدن فقال كامل أبو علي لن تتكلف الدولة جنيه واحد فقط فقد تم عمل دراسة جدوى ويمكن بيع متر الأرض لرجال الأعمال ب60 دولار وهي تكلفة وصول المرافق لهم، والسعر بالمناسبة يزيد عشرة دولارات عن متر الأرض في كاليفورنيا الأمريكية وعلى البحر أيضا، وهو مشروع قومي سيشارك فيه مئات من رجال الأعمال وملايين من المواطنين، والسؤال الثاني كان عن أجور العمالة، فقال أبو علي أنه يمكن إصدار تشريع أو قرار ينص على أن الحد الأدنى للعمالة بهذه المدن يبلغ 2000 جنيه في الشهر، أي سينضم للطبقة المتوسطة في مصر 2 مليون مرة واحدة، والسؤال الثالث كان عن الضرائب التصاعدية، فقال أبو علي الضرائب التصاعيدة على الأرباح مكسب لنا في قطاع السياحة بشرط توفير الخدمات وتسهيل الإجراءات والقضاء على البيروقراطية.
تحمس الجميع لهذا المشروع الذي يمكن أن يحقق الكثير لمصر، وظلوا يحلمون بوضع قوانين لهذه المدن في طريقة البناء وأن لا يتجاوز عدد الطوابق فيها عن ثلاثة، وعمل لون موحد لكل مدينة بطابع خاص وإقامة مطار في كل مدينة، والإستفادة من الشعاب المرجانية والبيئة البكر في البحر الأحمر وتحويل مصر سياحيا إلى أسبانيا جديدة، الأحلام لم تتوقف إلا عندما طال بنا السهر وشعرنا بالإرهاق، أتمنى أن لا ننتظر حمدين صباحي حتى يحقق هذا المشروع، ولو لرئيس الجمهورية الان من ينصحه بتبني مثل هذه المشاريع عليه أن يبادر، فالجميع يجب أن يعمل من أجل مصر.