مى سمير تكتب: تفاصيل عملية «السعى الصامت» للجيش الأمريكى على حدود مصر
كتاب أمريكى جديد يكشف عنها
صدر حديثا فى الولايات المتحدة الأمريكية كتاب للباحث والصحفى الأمريكى نيك ترسى يحمل عنوان (أرض معركة الغد: حروب أمريكا بالوكالة والعمليات السرية فى إفريقيا» الكتاب يرصد التطورات والتحديثات الأخيرة التى شهدتها القيادة العسكرية الأمريكية فى القارة الإفريقية (افريكوم). يؤكد الكاتب فى مقدمة كتابه أن هذه العمليات العسكرية التى يتم أغلبها بشكل سرى أثرت بشكل كبير على العديد من دول القارة السمراء التى تعكس أغلب المؤشرات العسكرية الأمريكية أنها ستكون بمثابة أرض المستقبل للحروب الأمريكية. وعلى الرغم من أن أفريكوم تركز على نشاطها على كل الدول الإفريقية باستثناء مصر إلا أن هذا الكتاب يكشف عن بعض التغيرات فى سياسة أفريكوم على نحو لا يؤثر فقط على الدول الواقعة على الحدود المصرية، والتى تمثل عمقًا استراتيجيًا لمصر، ولكنه قد يؤثر أيضا على الداخل المصرى. فالتواجد الأمريكى العسكرى فى أفريقيا يمثل طوقًا بالنسبة للحدود المصرية. وهو تواجد وصل إلى شمال افريقيا وانتشر فى أكثر من 12 دولة أفريقية. هذه الدول دخلت جيوشها فى تدريبات مشتركه مع الجيش الأمريكى. الأخطر من ذلك أن الأمريكيين لا يعلنون عن حجم وشكل ومستقبل التدخل العسكرى فى القارة الافريقية.
يؤكد الكاتب أن (أفريكوم) انحرفت عن المسار الذى أسست من أجله حيث التى استهدفت فى المقام الأول من تعزيز القدرات الأمنية للدول الإفريقية مع التصدى لأى تهديد محتمل للمصالح الأمريكية فى القارة الإفريقية، وأصبحت القيادة الأمريكية تسعى لأهدافها الخاصة. الدليل على انحراف مسار (أفريكوم) أن حالة عدم الاستقرار فى إفريقيا قد تزايدت منذ تأسيس القيادة العسكرية الأمريكية. من الحرب المستمرة فى الصومال، إلى انقسام السودان إلى دولتين، والحرب الأهلية التى تشهدها دولة جنوب السودان الحديثة النشأة، مرورا بالحرب ضد الإرهاب فى نيجيريا، النيجر، مالى، كاميرون والتشاد، هذه الأوضاع عززت من الرغبة العسكرية لواشنطن فى القارة.
كما يكشف الكتاب الستار عن حقيقة أن ميزانية أفريكوم العسكرية قد تزايدت بشكل كبير فى عهد الرئيس باراك أوباما. فى نفس الوقت حرصت الإدارة الأمريكية على أبقاء عملياتها العسكرية فى إفريقيا بعيدة عن التغطية الإعلامية سواء المحلية أو الدولية ولم يكن يلقى الضوء سوى على عديد قليل من هذه العمليات التى لم تخرج عن عملية ضربات جوية بدون طيار أو عملية كوماندوز ضد بعض الأهداف الإرهابية.
1
من الأدلة التى يقدمها الكتاب أن فى بداية هذا العام تم إطلاق عملية تحمل أسم (السعى الصامت 15-1) فى قاعدة ماكديل فى فلوريدا بالولايات المتحدة. هذا العملية تخضع لقيادة قوات البنتاجون تحت رئاسة قيادة العملية الخاصة الأمريكية المعروفة بأسم (سوكوم) وتضم هذه العمليات عناصر من 12 دولة من بينهم كندا، الدانمارك، ألمانيا، النرويج وفرنسا. وتتضمن هذه العملية القيام بتدريبات عسكرية تستهدف القيام بعمليات تحمل اسم تجريبى ضد داعش واستمرت تدريبات تلك العملية لمدة ثلاثة أيام من 13 إلى 15 يناير 2015، واستهدفت التدريبات التخطيط لعملية عسكرية خاصة تستمر لسنوات وتعد العملية (السعى الصامت15-1) حلقة من سلسلة عمليات مشابهة. بدأت أولى هذه العمليات فى مارس 2013 والتى استهدفت التدريب على القيام بعمليات خاصة على مدار السنوات العشر القادمة.
دليل آخر يستند إليه الكاتب الأمريكى وهو جلسة استماع فى الكونجرس الأمريكى أمام لجنة الخدمات المسلحة والتى تحدث فيها قائد أفريكوم ديفيد رودريجرز حول استراتيجية مفتوحة للتدخلات العسكرية الأمريكية فى القارة الإفريقية. أشار رودريجرز إلى أن تنفيذ مثل هذه الاستراتيجية يحتاج لميزانية مفتوحة وغير محددة.
2
أسلوب عمل
يكشف الكتاب أن على أرض الواقع هناك تغيرات عديدة فى أسلوب عمل الجيش الأمريكى داخل القارة الإفريقية، تعد هذه التغيرات بمثابة بداية فعلية لأسلوب عمل جديد للجيش الأمريكى داخل إفريقيا باعتبارها مركزًا جديدًا لعملياته العسكرية فى المستقبل. يشير الكتاب أن المعسكر الرئيسى لأفريكوم فى إفريقيا وهو معسكر ليموننير فى جيبوتى قد قام بالتوسع بشكل كبير وذلك لتعزير العمليات فى الصومال وكذلك للتحضير لعمليات محتملة فى مصر وعدد آخر من الدول هى ليبيا، السودان، وكينيا. فى السنوات الماضية، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالفعل بعدد من التدخلات فى القارة الإفريقية. واستعداد أفريكوم للقيام بعمليات خاصة داخل مصر، بحسب الكتاب، يعكس تغيرًا كبيرًا فى أسلوب عمل القيادة العسكرية الأمريكية فى إفريقيا والتى يفترض أنها خاصة بكل الدول الأفريقية باستثناء مصر التى تتبع القيادة العسكرية الأمريكية المركزية والمعنية بالشرق الأوسط فى المقام الأول.
بحسب الصحفى الأمريكى فإن أسلوب العمل الأمريكى فى القارة الإفريقية يجمع بين السر والعلنية للحفاظ على قدرة أكبر فى التحرك وتحقيق الأهداف دون إلقاء الضوء على حقيقة ما يفعله الجيش الأمريكى. تعد الحرب على ليبيا هى أفضل مثال على أسلوب عمل أمريكا فى أفريقيا، إلى جانب مشاركة أمريكا العلنية عام 2011 فى الحملة الدولية التى استهدفت إسقاط نظام القذافى بقيادة فرنسا، كانت أمريكا تشارك سرا فى عمليات عسكرية خاصة بها ولم يعلن عنها. لقد أنفق الجيش الأمريكى ما يقرب من مليار دولار هناك وشارك فى ضربات حلف الناتو بشكل يفوق كثير المعلن عنه، كما قام الجيش سرا بدعم الثوار وتهريب أسلحة للميليشيات المسلحة هناك حتى قبل إسقاط نظام القذافى. كما يقدم الجيش الأمريكى دعماً كبيرًا للقوات الفرنسية المتواجدة سواء فى جمهورية أفريقيا الوسطى أو فى مالى. على ناحية أخرى يقوم الجيش الأمريكى بعمليات خاصة ضد عدد من التنظيمات الإرهابية سواء بوكو حرام فى نيجيريا، الشباب فى الصومال، أو تنظيم أنصار الدين فى مالى.
3
مهمة مريبة
لسنوات ظل الجيش الأمريكى يؤكد أن عملياته العسكرية فى إفريقيا لا تتجاوز كونها بصمة بسيطة فى القارة. وحرص البنتاجون على التأكيد أنه لا يملك سوى قاعدة عسكرية وحيدة وهى معسكر ليموننير فى جيبوتى، ولم يكن يلقى الضوء سواء على التدريبات العسكرية المشتركة التى يقوم بها دون أى إشارة إلى العمليات الخاصة أو التدخلات السرية التى يقوم بها.
لكن خلف الأبواب المغلقة، بحسب الكتاب، لا يوجد حديث فى أروقة البنتاجون سوى عن أن القارة الإفريقية سوف تكون المركز الرئيسى لحروب الولايات المتحدة فى المستقبل، ليس هذا فقط، بل إن الكثير من قادة البنتاجون يتعاملون مع إفريقيا باعتبارها أرض معركة فعلية. يشير الكتاب إلى أن تصاعد الاهتمام الأمريكى بقارة إفريقيا كأرض معركة مستقبلية بدأ مع عام 2014. لقد كشفت تقارير الأفريكوم عن توسع حجم العمليات التى قامت بها القيادة العسكرية الأمريكية فى إفريقيا. فى عام 2013، وصل حجم أنشطة أفريكوم إلى 546 عملية أى ما يعادل أكثر من عملية يوميا. وفى العام الماضى 2014 وصل حجم أنشطة وعمليات أفريكوم إلى 674 عملية أى أن الجنود الأمريكان فى إفريقيا كانوا يقومون يوميا بما يعادل اثنيين من العمليات، أو التدرييات أو الأنشطة العسكرية مثل ضربات بدون طيار أو أنشطة استخباراتية داخل إفريقيا. ويشكل هذا الرقم زيادة كبيرة فى حجم نشاط أفريكوم التى بدأت عملياتها فى إفريقيا عام 2008 ووصل حجم الأنشطة التى تقوم بها إلى 172 عملية سنويا فقط، أى أن حجم نشاط أفريكوم زاد بما يعادل 300%. مع العلم أن أفريكوم عندما بدأت عملياتها فى القارة الإفريقية لم يكن هناك تقريبا أى تنظيمات إرهابية فى القارة الإفريقية، اليوم وفى ظل انتشار التواجد العسكرى الأمريكى فى القارة السمراء اتسع حجم نفوذ التنظيمات الإرهابية.
يرصد الكتاب عددًا من العمليات التى قامت بها أفريكوم فى الفترة الأخيرة بما فى ذلك عمليات عسكرية، لوجيستية أو استخباراتية. فى عام 2014 وصل حجم العمليات العسكرية فقط إلى 68 عملية عسكرية فى ماقبل 55 عملية فى 2013.
كما اتسع نطاق التدريبات العسكرية المشتركة بين الجيش الأمريكى وعدد من الدول الإفريقية من أجل زيادة خبرة الجنود الأمريكان فى التعامل مع الظروف الجغرافية والمناخية فى القارة الإفريقية. وصلت حجم هذه التدريبات إلى 11 تدريبًا مشتركًا فى 2014 ووصل عدد عمليات التعاون الأمنى المشترك بين الجيش الأمريكى والدول الإفريقية إلى 595 عملية فى عام 2014.
ومن المتوقع أن يتوسع نشاط أفريكوم فى المستقبل القريب على نحو غير مسبوق. فى مايو 2014، توصلت الإدارة الأمريكية إلى اتفاق مع حكومة جيبوتى يضمن استمرار القاعدة العسكرية الأمريكية هناك إلى عام 2044. كما أشار عدد من ضباط أفريكوم إلى استعداد القيادة العسكرية الأمريكية فى إفريقيا إلى بناء مراكز مراقبة فى شمال القارة الإفريقية، والجدير بالذكر أن على مدار السنوات القليلة الماضية قام الجيش الأمريكى بنشر عدد من القواعد العسكرية الصغيرة الحجم فى مختلف أنحاء القارة هذا إلى جانب قيام أفريكوم ببناء منشآت مؤقتة فى التشاد من أجل تدريبات العمليات الخاصة.
فى الماضى، كان الجيش الأمريكى يقسم القارة الإفريقية تحت إشراف ثلاث قيادات، القيادة العسكرية الأمريكية فى أوروبا، القيادة العسكرية الأمريكية المركزية، والقيادة العسكرية الأمريكية فى المحيط الهادئ، ولم يكن هناك قيادة خاصة بالقارة الإفريقية مما عكس عدم الاهتمام الأمريكى بإفريقيا. فى 2006 أصدر وزير الدفاع الأمريكى الأسبق رونالد رامسفيلد قرارًا بتشكيل لجنة للتقديم استشارات بشأن تأسيس قيادة مركزية داخل القارة الإفريقية، وبدأ النشاط بمعسكر ليموننير فى جيبوتى بتكلفة مليار دولار وحجم جنود وضباط بلغ نحو 8000 جندى وضابط.