الترامادول يغزو شوارع مصر فى العيد
دراسة تؤكد أن الأطفال يتعاطونه من سن 8 حتى 16 سنة:
على الرغم من أن تقارير المنظمات الحقوقية أكدت انخفاض معدلات التحرش الجنسى خلال أيام عيد الفطر، إلا أنها كشفت عن تعاطى صغار الأطفال لأنواع مختلفة من المخدرات، وهو ما ينذر بكارثة بحسب آراء المتخصصين الذين أكدوا أن هذه الظاهرة كفيلة بتدمير مصر، نظراً لخطورتها.
المشهد عبارة عن مجموعة من صغار الأطفال واقفين فى إحدى المناطق المهجورة، وبحوزتهم سجائر من الحشيش والبانجو، ويدخنونها، دون أى وعى منهم بخطورتها على صحتهم.. البعض يتساءل من أين يأتون بالأموال التى يشترون بها المخدرات خاصة فى ظل ارتفاع أسعارها فى الفترة الأخيرة.
هذا المشهد كان بمثابة الخيط، الذى التقطناه للبحث فى جذور ظاهرة إدمان الأطفال للمخدرات، وكانت المفاجأة أن هذه الظاهرة أكثر تشعباً وانتشاراً ليس بين أطفال الشوارع، ولا العشوائيات، وإنما تنتشر كذلك بين «أولاد الذوات والأثرياء».
هؤلاء سلكوا طريق الإدمان أو الموت – إن جاز التعبير- فى وقت مبكر، لأسباب عديدة سمعناها من بعضهم، بمجرد أن اقتربنا منهم، منها ما يتعلق بظروف أسرية قهرية دفعته للعيش فى الشوارع والطرقات، فأصبح عرضة لكل أشكال الإجرام الموجودة فى الشوارع، ومنهم من اتجه إلى هذا الطريق نتيجة « المصروف الخيالى الذى يحصل عليه من والديه عليه»، مع غياب الرقابة الأسرية، وآخرون سلكوا هذا الطريق على سبيل التجربة.
بمجرد أن اقتربنا منهم، وسألناهم: «أنتم عارفين أنتو بتشربوا إيه».. فردوا قائلين: «طبعاً ..إحنا بنظبط مزاجنا بحشيش».. كان الرد صادماً، خاصة بعدما قال أحدهم مازحاً: «إحنا بنحب العيد يجى عشان نشترى بالعيدية مخدرات». فيما مزح آخر»: البانجو والحشيش لأولاد الناس الأغنياء.. والكلة والسبرتو بتاعت الفقراء اللى زينا».
المفاجأة التى اكتشفناها أن بعضهم أدمن المخدرات، لدرجة أنه يتعاطى جرعات منها بشكل شبه يومى، حيث قال «محمود» الذى يبلغ من العمر 10 سنوات، والذى تعاطى المخدر عن طريق أحد زملائه فى ورشه الميكانيكا التى يعمل بها، إن بداية أدمانه للمخدرات بدأت عندما اشتكى من الآلام بعموده الفقرى نتيجة المجهود الذى يبذله فى الورشة، فمنحه أحدهم ترمادول، متابعاً: من وقتها اعتادت على تناوله كلما شعرت بتعب حتى وصلت لطريق الإدمان.
أما مهند، الذى يبلغ من العمر 8 سنوات، فكان والده يتعاطى الحشيش والترامادول ؛ وعندما شاهده أكثر من مرة، فحاول تقليده، فبدأ بتعاطى الحشيش عن طريق اعقاب السجائر التى يتركها والده ثم تناول الترامادول مثلما يرى والده حتى اكتشفت الأم تعاطيه للمخدرات، فتوجهت به إلى أحد مراكز ادمان الاطفال والمراهقين.
حالة رامى، 9 سنوات، هى الأغرب، حيث بدأ إدمانه للمخدرات أثناء لهوه مع أقرانه فى الشارع، عثر على شنطة ممتلئة بأنواع من المخدرات، فحملها إلى منزلهم وقام بدسها بعيدا عن الانظار وأخذ يتناول منها يوميا ومن كثرة الكمية أخذ يوزع على أقرانه حتى اكتشفه أحد تجار المخدرات الموجودين بالمنطقة واتفق معه الشراء منه.
رامى قال: كنت اتعاطى المخدرات بشكل يومى حتى انتهت الكمية، وقتها لم يكن بإمكانى سوى انى اشتغلت مع أحد التجار الذى قال لى: «هخليك تشرب مخدرات تانى بس تساعدنى فى توزيع البضاعة»، متابعاً: «بدأت أوزع المخدرات من خلال وضعها فى أكياس المناديل، وكنت أوزعها على شباب وابيع لأطفال مثلى».
وعندما اكتشفت الأم حالة ابنها ذهبت به إلى المستشفى وتعافى إلا انه انتكس مرة اخرى بسبب إهمال الاسرة له وتركه فى نفس البيئة المحيطة.
ولا تختلف كثيرا حالته عن حالة كريم ابن الـ15 عاما الذى تناول المخدرات عنداً فى والده، وذلك لكثرة اهتمامهم به ومعايرة اقرانه له باهتمام والديه؛ فتعاطى الترامادول حتى الادمان ثم تحول من مدمن ترامادول إلى مدمن هيروين وتعاطى «البيسه» ووصل إلى مرحله القاع وهى آخر مرحلة فى الإدمان والتى يلجأ فيها المدمن لفعل أى شىء مقابل الحصول على الجرعة المطلوبة؛ فقام بسرقة اطارات سيارة اكثر من مرة، حتى تم القبض عليه ولكنه خرج من محبسه بعد عده شهور ليعود من جديد بصورة ابشع.
فى داخل أحد مراكز استقبال مدمنى المراهقين والأطفال، التقينا روان، 13 عاماً، طالبة بإحدى المدارس الخاصة، التى قالت إنها بدأت فى تعاطى المخدرات عن طريق زميلاتها بالمدرسة اللاتى يتعاطن جميعا الحشيش والترامادول، وأن والديه عندما اكتشفوا ذلك قاموا بنقلها من المدرسة وايداعها فى إحدى المصحات لعلاج الادمان.
من جانبها، أكدت الدكتورة منى جبر، مسئولة إدارة الصحة النفسية والإدمان للأطفال والمراهقين بوزارة الصحة، انتشار الظاهرة، قائلة: 60% من مدمنى المخدرات « أطفال»، مشيرة إلى أن الظاهرة فى تزايد مستمر، لا سيما بين أطفال الشوارع، وأولاد الأثرياء على حد سواء.
وأوضحت جبر، أن بعضهم لا يكتفى بتعاطى المخدرات، بل يلجئون لـشم «الكولة» خاصة الأطفال العاملين فى محلات الأحذية والجلود، وكذلك أطفال الشوارع. وأكدت جبر أن لديهم حالات عديدة، قائلة: الأطفال الذين يأتون للعلاج والتعافى لا يخضعون لنفس طرق علاج الكبار، وذلك لانهم لا يحتاجون لمرحلة سحب المخدر، لكنهم يخضعون لبرامج تأهيل المراهقين والأطفال، واصفة الظاهرة بـ» الكارثة» التى تنذر بخراب مصر.
وطالبت بتشديد الرقابة الأسرية على الأطفال سواء ذكورا أو أناثا خاصة فى المرحلة العمرية ما بين 10 – 16 عاماً، مشيرة إلى أن البنات كذلك يتعاطين المخدرات، بل والمفاجأة أنه لا فرق بين الجنسين فى نسب التعاطى.
فيما قالت «هوانم الفقى» الاخصائية الاجتماعية بالخط الساخن لاستقبال مدمنى المخدرات، الظاهرة متغلغلة فى المجتمع، ولابد من إيجاد حلول سريعة، مشيرة إلى أنهم يستقبلون حالات كثيرة سواء كانوا ذكورا أو إناثا. وأرجعت الظاهرة إلى عدة أسباب فى مقدمتها التفكك الأسرى، وارتفاع نسب عمالة الأطفال فى المجتمع المصرى، وعدم وجود حل جذرى لمشكلة أطفال الشوارع، بالإضافة إلى غياب الرقابة الأسرية، وضعف الجانب الدينى.
واختتمت الفقى كلامها بتأكيدها على تفعيل دور مؤسسات التربية مثل وسائل الإعلام، والمدرسة، والمنزل فى مواجهة تلك الظاهرة التى وصفتها بـ» المصيبة الكبرى».