عادل حمودة يكتب: شيوخ وشباب سيناء يتحدثون الإرهاب ينحصر فى 5 قرى هى توما واللفيتات والمجاطعة والمهدية والجميعى

مقالات الرأي



■ فى عام 1968 أعلنت إسرائيل أنها مستعدة للاعتراف بدولة سيناء المجاورة لها ■ العمليات الإرهابية تحدث بعد 3 أيام من التفتيش الذى تقوم به قوات حفظ السلام ■ 750 مسجل خطر هربوا من الأحكام وانضموا للتنظيمات المسلحة التى تكونت بعد ثورة يناير ■ الحكومة المصرية خزنت السلاح على الحدود لاستخدامه لو أعلنت إسرائيل الحرب

كل مدينة محررة دخلتها فى سيناء رسمت على وجهى انفعالات الدهشة والفرحة التى يشعر بها الأطفال عندما يفتحون علب الهدايا.

كنت مراسلا عسكريا أغطى مهام اللجنة العسكرية المكلفة بتسلم سيناء من المحتل الإسرائيلى ورأسها العميد صفى الدين أبوشناف بعد العميد بحرى محسن حمدى.

سبقت غيرى فى رؤية مضاربها.. والشرب من آبارها.. والحوار مع أهلها.. والسير فى طرق أنبيائها.

عرفت باستردادها كيف يعود النهر إلى منبعه.. والشجرة إلى جذورها.. والسمكة إلى بحرها.. والأرض المسروقة إلى خريطتها.. ورمالها.. وأصحابها ؟.

لكن.. تلك الصحراء التى تحمى اللؤلؤة المصرية مثل قوقعة أصبحت مهددة بسطو مسلح مرة أخرى.. على أن اللصوص هذه المرة يدعون أنهم أهل الله.. وظله على الوطن.. دون أن يستوعبوا أن لعبة الشيطان التى يحترفونها لم تعد تخدع أحداً.

والشيطان يريد قطعة شهية من شمال سيناء ليقيم عليها دولة فلسطينية بعد ضمها إلى غزة.. وعندما فشلت الصفقة سياسيا اشتعلت العمليات الحربية.

والمؤامرة قديمة جدا.

فى عام 1968 دعا وزير الدفاع الإسرائيلى موشى ديان شيوخ سيناء إلى مؤتمر عاجل فى الحسنة أعلن فيه:

إنهم مستعدون لمساعدة شعب سيناء لإعلان دولة مجاورة ترعاها إسرائيل حتى تقف على قدميها ونثبت استقلالها!.

اختار الشيوخ كبيرهم سالم الهندى ليتحدث نيابة عنهم فقال :

إننا مصريون.. وسيناء أرض مصرية.. وجمال عبد الناصر رئيسنا.. من لديه مقترحات بشأننا فليذهب إليه ويناقشه.

لم يحتمل ديان ما سمع.. ونزل من المنصة وهو يتعثر فى خطواته.. ودون أن يصافح أحداً ركب طائرته.. واختفى.

سمعت هذه الرواية من شاهد عيان عاشها هو الشيخ عيسى الخرافيين «قبيلة الرميلات» قبل الجلوس على مائدة إفطار فى بيت الدكتور ممدوح حمزة دعا إليها شيوخا وشبابا من سيناء ليرسموا لنا خريطة الحقائق الغائبة عنا.

ورحنا أنا وعبد الله السناوى والدكتور أسامة الغزالى حرب والدكتور عمار على حسن نلاحقهم بأسئلة لا تتوقف.. وعلامات استفهام نبحث لها عن تفسير.. وحملت الإجابة التى قدمها عودة البياض وفتحى أبو رياش وسعيد صباح وحسن المأذون وعبد القادر سعيد ومحمود رفاعى مفاجآت غير متوقعة.

سمعنا اتهاما صارخا لقوات حفظ السلام «أو القوات متعددة الجنسيات» التى أنشئت عام 1982 لمراقبة الجبهة بين مصر وإسرائيل بعد إقرار معاهدة الصلح بينهما.. ويقدر عددها بنحو 1700 جندى.. أغلبهم يهود وإن حملوا جنسيات غير الجنسية الإسرائيلية.. بالإضافة إلى 15 مراقبا أمريكيا مدنيا.. وتمركزها الرئيسى فى الجورة.. ولها مطار خاص يمنحها حرية تصرف فى دخول وخروج ما تشاء.

يتهمون تلك القوات بأنها تأوى الإرهابيين وتحميهم وتدعمهم وربما تمدهم بمعلومات خطيرة بحكم عملها.. أو تستخدم حصانتها فى تهريب ما يحتاج الإرهابيون.. أحيانا.

وحسب ما سمعنا فإنه لوحظ.. أن العمليات الإرهابية تحدث عادة بعد ثلاثة أيام من قيام تلك القوات بالتفتيش وحصر الأفراد والأسلحة حسب المعاهدة.. وكأنها تجمع معلومات عسكرية وتقدمها لمنفذى الهجمات.. كما لوحظ أن أكمنتها لا تتعرض إلى هجمات إرهابية بما فيها الأكمنة المجاورة للأكمنة الأمنية والعسكرية المصرية.

لا نستطيع أن نجزم بصحة ما سمعنا.. لكننا.. خشية أن يكون صحيحا نعلنه وننشره.. على الأقل لنحذر منه.

ويعتقد شيوخ وشباب سيناء أن إسرائيل المستفيد المباشر مما يجرى على أرضهم.. فالحرب الدائرة بالقرب منها تبعد الجيش المصرى عن التفكير فيها.. كما أنها تصفى التنظيمات الإرهابية التى تخشاها.. وربما.. لذلك السبب.. تلعب على الطرفين.. وتبث الفتنة بينهما.

والأهم.. أنها بمباركة الغرب خاصة الولايات المتحدة تريد بجنون دولة فلسطينية تعلن فى منطقة العمليات بعد أن تهدأ الأنفاس.. وتسكت الأسلحة.

وتجند المخابرات الإسرائيلية عملاء من أهالى سيناء لمعرفة كل صغيرة وكبيرة عن القوات المسلحة والتنظيمات الإرهابية.. إنها اللاعب الخفى المؤثر عن بعد.

ويصر شيوخ وشباب سيناء أن الأجهزة تعرف التكفيريين الذين يقدر عددهم بنحو 12 ألف شخص بـ الاسم والعنوان والرقم القومى على حد تعبيرهم.

قبل ثورة يناير هرب 750 مجرما من تنفيذ أحكام قضائية صدرت ضدهم إلى الجبال ليختبئوا فيها من عيون الأمن.. وما أن سادت الفوضى المنطقة حتى انضموا إلى التكفيريين وصاروا منهم وتعاونوا معهم.. أما التكفيريون فقد جاءوا إلى سيناء بعد أن رفعت أسماؤهم من قوائم ترقب الوصول بضغوط أمريكية فور سقوط نظام مبارك.. وتضاعف تواجدهم هناك عندما أصبح الإخوان فى الحكم.. وبسبب مساحات سيناء الشاسعة.. وطبيعة أرضها الصعبة.. وحدودها العريضة.. تسللت عناصر أخرى منهم برا أو بحرا.. حسب الطلب.

ولأن أهل سيناء أدرى بشعابها وشعبها فإن الحرب على الإرهاب لن تحقق فى اعتقادهم نصرا عاجلا دون أن يشاركوا الجيش والشرطة فيها.. القوات النظامية وحدها.. لا تكفى.. خاصة أنها تشكيلات منضبطة تواجه نوعا متطورا من حرب العصابات.

وهم يحددون تمركز الإرهابيين فى خمس قرى هى توما واللفيتات والمجاطعة والمهدية والجميعى.. والقرية الأخيرة تحولت إلى مركز تدريب.. وتلك القرى هجرها أهلها وتركوها للتكفيريين.. مما يسهل ضربهم دون خسائر فى المدنيين.

وأضافوا : إن السلاح فى منطقة ج الحدودية جرى تخزينه بعلم السلطات المصرية.. متصورة أنها ستحتاج إليه إذا ما اشتعلت حرب بينها وبين إسرائيل.. ولابد أن جهات ما رسمية تعرف مكانه.. وعليها وضعه تحت نظرها قبل أن يصل إلى الإرهابيين.. كما أن إسرائيل تريد تصفيته.. وتدميره.

وأهم ما سمعت.. إن الثلاثين سيناويا الذين دخلوا السجون بعد أن اتهموا فى تفجيرات طابا «عام 2004» خرجوا منها قادة تنظيمات تكفيرية بعد أن تدربوا فى الزنازين على يد شخصيات مؤثرة مثل عبود الزمر ومحمد الظواهرى.. ونجحوا بسهولة فى تجنيد نحو خمسة آلاف شاب تفرغوا لتنفيذ ما جندوا من أجله.

وضاعف من جنوحهم أن الداخلية تحت سلطة حبيب العادلى أهانت شيوخ القبائل.. وأفقدتهم هيبتهم ومكانتهم وكلمتهم.. بل.. أكثر من ذلك نزعت منهم المشيخة التى دانت لهم طبقا للأصول والأعراف ومنحتها لمخبرين يتبعونها وينفذون تعليماتها.. مهددة بذلك نظاما اجتماعيا مستقرا.. كان ظهير القوات المسلحة فى حرب أكتوبر.. حين تكونت منظمة محلية قدمت كل ما يلزم من معلومات مخابراتية عن العدو.

وربما.. لهذا السبب هناك خلاف حاد عن من يمثل سيناء فى اللقاءات الرسمية.. الذين أفطروا معنا يؤكدون أنهم يمثلون قبائلهم بينما غالبية الذين حضروا اللقاء الأخير مع الرئيس لا يمثلون سوى أنفسهم ومصالحهم ولا يتجاوز معظمهم حدود مدينة الإسماعيلية.

بل.. اتهم بعض الذين تناولوا الإفطار الرئاسى بأنهم تجار مخدرات ومهربو عبيد ولهم مصلحة فى استمرار الإرهاب ويخفون بمقابل ثمين عناصره.. كما أنهم لا يخفون تعاملهم مع إسرائيل.. وفتحوا طرق الوصول إلى الشيخ زويد أمام ضباط من الموساد.

هؤلاء هم بارونات سيناء.. يكسبون فى كل الظروف.. ليدفع الفقراء الثمن.. اتهامات شديدة الخطورة.. تحتاج من الجهات المعنية فحصها.. لتأكيدها.. أو نفيها.

أحد الذين قابلوا الرئيس ويثقون فى أنه يمثلهم الشيخ عيسى الخرافيين.. وصف ما حدث قائلاًً:

عندما أخذت الرئيس بالحضن أدمعت عيناى.. بررت ما فعلت بأننى أبكى فى حضن الكبير.. فى ذلك الوقت كانت المنطقة الحدودية العازلة لا تزيد على 500 متر.. طلبت منه ألا تزيد عن ذلك.. لكنه قال هات ودنك أنا أريد 500 متر أخرى عشان خاطرى وبس.

ويستطرد: لم أجد فرصة للقول إننى كنت عينا للقوات المسلحة على إسرائيل.. وسهل لنا ذلك وجودنا على الحدود.. فنحن حراسها الدائمون.

وينفعل الشيخ المخضرم مضيفا: نحن نريد المشاركة فى الحرب على الإرهاب.. لو منحنا ما نريد من سلاح وإمكانيات وسيارات مجهزة فإننا سنقضى سنكسب هذه الحرب فى شهر واحد.. وقد تعهدنا بذلك كتابة على ورقة حملت توقيعنا.

لكن.. كان للشباب على المائدة رأى آخر.. عبر عنه حسن المأذون قائلا:

نحن نرفض استخدام السلاح ضد أحد فى سيناء ولو كان تكفيريا.. هذه مهمة القوات المسلحة ونحن نتعاون معها فى حماية الحدود ومواجهة التكفيريين.. لو حملنا السلاح سيزداد الموقف تعقيدا.. وتنتقل المواجهة إلى حرب أهلية نحن فى غنى عنها.

ويضيف : ليست لدينا مشكلة أن نترك أماكنا مؤقتا لنعود إليها فيما بعد.. وإن كانت المشكلة أن من لديه إمكانيات ترك مكانه إلى مكان أكثر أمانا أما غير القادرين فقد عجزت المحافظة عن توفير ما يحتاجون حتى خيام الإيواء.

ويستطرد: أكثر من ذلك هدمت مدارس وطرق ووحدات صحية خاصة فى رفح والشيخ زويد.

كانت العبارة الأخيرة كفيلة بتحول النقاش ناحية تعمير سيناء.. لقد تعجبوا من التوقف المفاجئ للتنمية على أرضهم.. جفت ترعة السلام بعد أن توقف العمل فيها عند بئر العبد.. وخلعت قضبان السكك الحديدية بعد أن توقف العمل فيها عند نفس المنطقة.. والمذهل أنها استخدمت فى تبطين الأنفاق التى تسرى كالأفاعى تحت الأرض.

لم يفسر أحد ذلك الشلل غير المتوقع وترك سيناء على حالها والاتجاه ناحية توشكى لنلقى فيها بمليارات ضاعت علينا وتبخرت فى الهواء الساخن.

الكل يجمع على أن فى سيناء خيرات تجعل منها جنة على الأرض.. والدليل على ذلك أن إسرائيل عاشت على مواردها الذاتية طوال سنوات الاحتلال.. الكل يؤمن بأن إسرائيل تقف أمام ذلك.. فقد قال أرييل شارون ذات مرة: إن تعمير سيناء أخطر على إسرائيل من القنبلة النووية.. الكل طالب بوزارة خاصة بسيناء مثل وزارة السد العالى.. إن الأمن فى التنمية.. خاصة فى وجود حدود مضطربة مع فلسطين وإسرائيل.

وأكبر دليل على ذلك الاضطراب الأنفاق التى يحفرها الفلسطينيون.. إن هناك خمسة أنفاق أم تتفرع منها أنفاق صغيرة.. ويبدو أن إمكانياتهم قادرة على حفر أنفاق بطول 40 كيلومتراً.. والعهدة على أهالى سيناء.

وهم يقولون أيضا: إنهم يريدون جهة ما يتصلون بها وتسمعهم لو كان عندهم معلومات حساسة وعاجلة.. وبحكم وجودهم على الأرض يعرفون عن الهجمات المتوقعة قبل حدوثها.. وقد حذرونا من عملية يمكن أن تحدث يوم 27 رمضان.

وقد نقلت ما سمعت منهم إلى رئيس الحكومة إبراهيم محلب فقال لى: إنه كان هناك وسمع وشاهد على الطبيعة كل ما يعانى منه الناس هناك.. وسوف ينفذ مشروعاً كبيراً لتنمية سيناء رغم الإرهاب.. الحياة يجب أن تستمر للقضاء على تجار الموت.