محمد مسعود يكتب: «بين السرايات» انهيار العلم فى زمن العوالم!

مقالات الرأي



المسلسل وجّه صفعة لوزارة التعليم العالى

فى ظل الزخم الدرامى الذى شهده الشهر الكريم، حرص المشاهد على اختيار عمل أو اثنين أو ربما - على الأكثر - ثلاثة أعمال لمتابعتها ضمن منافسات الموسم الدرامى الرمضانى، وهو الموسم الذى يقدم فيه صناع الدراما أفضل ما لديهم من أعمال بعيدا عن محاولات واجتهادات بعض المنتجين فى خلق موسم درامى مواز فى منتصف العام.

لكن الحقيقة أن الدراما الرمضانية فى كل مرة تثبت أنها الأهم والأجدر، والأقدر على التعبير عن الواقع المصرى، بعد أن أصبحت هناك أسماء محددة لنجوم ومؤلفين ومخرجين، يكفى وضع اسمهم على تتر العمل لضمان حصوله على فرصة المشاهدة فى الحلقات الأولى التى يكون فيها المشاهد حائرا بين الجميع.

المؤكد أن عادل إمام ومحمود عبدالعزيز ويحيى الفخرانى ونور الشريف، هم أصحاب الأسماء الأهم التى تكفى لضمان الجودة الفنية، ومع مرض نور وغياب الفخرانى وعبدالعزيز، وسقوط عادل إمام فى هوة الأعمال التجارية منزوعة الفكر أو الهدف التى يقدمها له الكاتب يوسف معاطى، كانت الفرص متساوية بين جميع المسلسلات فى بداية السباق، غير أن النجاح الذى حققته نيللى كريم فى عاميها الأخيرين (ذات وسجن النسا) وضعاها فى مكانة مميزة، بجوار غادة عبدالرازق وهيفاء وهبى رغم أن الأخيرتين لم تثبتا جدارة المنافسة هذا العام، خاصة هيفاء وهبى.

هيفاء، أضر بها المنتج محمد فوزى بطرح مسلسل «عجوز» مولد وصاحبه غايب أحداثه مستلهمة من فيلم تمر حنة، وكان سيئا على جميع المستويات، من الورق إلى الصورة ومن التمثيل إلى الإخراج، حتى إن مسلسلها الثانى «مريم» الذى كان من المفترض أن يتم بيعه حصريات لقناة osn رفضته القناة بسبب طرح محمد فوزى لمسلسل مولد وصاحبه غايب، ما تسبب فى عثرة مالية لجهة الإنتاج أثناء تصوير الأسابيع الأخيرة من مسلسل «مريم» نتج عنها أن تقدم هيفاء سلفة مالية لمنتجه لاستكماله أثناء التصوير خارج مصر!.

وعُرض « مريم ومولد وصاحبه غايب»، ولم تحقق هيفاء منهما أى نجاح، غير أن المسلسل الأخير أجهز على البقية الباقية من نجومية فيفى عبده التى قدمت عملا آخر « يا أنا يا أنتى» واصلت من خلاله خرق شرف الحفاظ على حوار كتبه مؤلف مجتهد وأضافت من عندها جملا طويلة وعريضة، وافتكاسات ولى عهدها، أضاعتها وأضاعت المسلسل وسمية الخشاب معها!.

قائمة «الماركات المسجلة» التى تضمن لك جودة العمل حتى قبل أن تشاهده، انضم إليها الكاتب أحمد عبد الله والمخرج سامح عبدالعزيز، فصاحبا فيلمى «كباريه والفرح»، ومسلسل «الحارة»، لا يجيدان فن النحت - خاصة بعد التحول المدهش لأعمال أحمد عبد الله وخوفه على اسمه وسمعته كمؤلف عرف أخيرا قدر نفسه، واجتهاد سامح وموهبته الكبيرة عندما يقدم أعمالا تشبهه.

وهل تشبه الأعمال مخرجيها؟، نعم، ففى العهد الذهبى للدراما - بعد مرحلة ليالى الحلمية - كان المخرج إسماعيل عبدالحافظ رحمه الله، هو المرشح الأول لأى مسلسل يدور فى واقع الريف، وكان عم إسماعيل هو ملك «الفلاحى»، غير أنه كان يقدم أعمالا أخرى لكن ليس بجودة وكفاءة أعمال الريف.

أما منطقة سامح عبدالعزيز التى خلقها لنفسه ونجح من خلالها مع أحمد عبدالله، هى «دراما المكان»، التى نجح فى تقديمها فى «كباريه والفرح ومسلسل الحارة»، بقدر يفوق أضعاف ما حققه من نجاح مع النجم محمد هنيدى فى مسلسل « مسيو رمضان مبروك»، فالأعمال السابقة تشبه سامح أما «مسيو رمضان» فهو عمل عليه صبغة وبصمة هنيدى، ويشبه هنيدى ولا يشبه مخرجه!.

المسافة بين خيال الكاتب، وواقعه، ومجتمعه، مسافة تحكمها موروثات وعادات وتقاليد وأسس وقيم اجتماعية، غالبا ما يعرفها الكاتب عن ظهر قلب، وأن يقدم أحمد عبدالله عملا عن منطقته التى يعيش فيها حتى الآن «بين السرايات»، فذلك كفيل بخلق حالة من المصداقية، خاصة مع تولى سامح عبدالعزيز مسئولية إخراج المسلسل.. ولهذا السبب راهنت على «بين السرايات» وتوقعت أنه سيكون الحصان الأسود فى موسم الدراما الحالى، لأن المنطقة ثرية وتجمع بين حقائق معاشة، مزجها المؤلف بخيال خصب، ورؤية مخرج لا يجيد الاستسهال، وقضية تعليم هى أس البلاء فى كل ما نعيشه.

أشار المسلسل على القضية، وصدم من خلاله وزارة التعليم العالى، لكن الوزارة عملت أذنا من طين وأخرى من عجين، وكأن أحداث المسلسل تقع فى بلد آخر.. ليستمر الوضع على ما هو عليه من جهل الخريجين وطناش المسئولين.. وفشل منظومة التعليم بشكل كامل.

فى أغنية التتر التى كتبها الدكتور مدحت العدل ولحنها مصطفى داغر وغناها محمود الليثى، تساءل الشاعر «إحنا فى زمن العلوم .. وللا زمن العوالم»، ولهذا السبب كانت رؤية المخرج أن يختصر زمن العلوم فى صور علماء وعمداء التعليم فى مصر على رأسهم الدكتور طه حسين فى موسيقى وقورة قبل أن تتحول الموسيقى إلى شعبية ويغنى الليثى عن مجتمع زمن العوالم، المجتمع الذى جاع.. فأكل من رغيف الإثم !.

الشخصيات الرئيسية فى مسلسل «بين السرايات، شخصيات أصحاب المكتبات الذين يقدمون المناهج للطلبة فى مذكرات يكسبون منها المال ويحققون ثروات كبيرة، والثروة هنا ليست أساس الموضوع الذى أصبح شائكا بدفاع أصحاب مكتبات بين السرايات الحقيقيين عن أنفسهم من تهمة الثراء!، بينما هم فى الحقيقة يستغلون نقاط ضعف عديدة فى منظومة التعليم ويستغلون الطلبة الذين يحبون الاستسهال ويقدمون لهم المناهج والمذكرات بمبالغ مالية، والحقيقة هنا أن أصحاب المكتبات لا يلامون، على طريقة بيت الشعر الذى كتبه الشاعر السورى عمر أبو ريشة: (لا يُلام الذئب فى عدوانه إن يكُ الراعى عدو الغنم).

ولعب باسم سمرة وصبرى فواز دورى (مخلص ومحروس) صاحبى مكتبة الإخلاص، وفى النصف الأول من المسلسل يظهر باسم سمرة على أنه الأخ الظالم الذى يأكل قوت شقيقه وأولاده كون مخلص لم ينعم الله عليه بنعمة الإنجاب، قبل أن تتحول شخصية صبرى فواز إلى النقيض تماما - الحقيقة دون تقديم مبررات درامية كافية غير جملة حوار على لسان الأم إنعام الجريتلى بأنها تحب مخلص وتخاف محروس، المهم تتحول الشخصية إلى التآمر على شقيقه الذى يبدو واهنا ضعيفا لارتكابه جريمة قتل (لم يتضح إن كان هو من قام بها أم صبرى فواز حتى الحلقة 25) وتغلق المكتبات بعد أحداث ثورة 25 يناير وتصبح بين السرايات بدون المكتبات التى أغلقت أبوابها.

وحاول أحمد عبدالله من خلال مشهد رمى جثة الشاب القتيل فى ميدان التحرير لاتهام الشرطة بقتله أو الإخوان، فتح ملف قتلى لم يكونوا ثوارا.

باسم سمرة .. قدم دور مخلص بمنتهى البساطة، لدرجة تجعلنا نتوقف أمام موهبته التى اكتشفها وراهن عليها يسرى نصر الله.

صبرى فواز فى كل عام يثبت أن الممثل المصرى بخير.

سيد رجب.. ممثل يجب أن يندم على سنوات عمره التى أهدرها بعيداً عن التمثيل، فهو موهبة فريدة يقدم أدواره ببساطة دون فذلكة.

سيمون.. عملاقة فى دور الأرملة التى تدير جراجا قبل أن تكون صاحبة مكتبة وتفتح سنتر لتقديم الدروس الخصوصية لطلبة الجامعة.

سامى العدل.. لعب أفضل أدواره على الإطلاق فى مسلسل بين السرايات .. رحمة الله عليه.

أما نجوم بين السرايات الذين أجادوا وسيصبحون نجوما لامعة فى عالم الدراما التليفزيونية فهم نسرين أمين ونجلاء بدر وعمرو عابد ومحمود حافظ محمد الشرنوبى وتارا عماد وعلاء حسنى، والشاب الذى أدى دور سعيد وخلا تتر البداية من اسمه.