د.نصار عبدالله يكتب: كأنك يا «أبوزيت».. ما قليت!!
المادة 33 من مشروع قانون مكافحة الإرهاب تنص على أنه: «يعاقب بالحبس الذى لا يقل مدته عن سنتين كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أى عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة فى هذا الشأن». لن أعيد طرح الملاحظة المكررة التى لاحظها كل المعنيين بحرية الصحافة والنشر وهى أن هذه المادة تخالف نص المادة 71 من دستور 2014الذى وافق عليه الشعب المصرى بأغلبية ساحقة والتى تقضى بأنه «لا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بطريق النشر أوالعلانية»،.. أى أن سالق مشروع هذا القانون أو قاليه «من القلى» قد بلغت به العجلة والحرص على إرضاء المتربصين بحرية هذا الوطن إلى حد أنه لم يلتفت إلى أن هذه المادة متصادمة تماما مع الدستور، وأن مصيرها إن عاجلا أو آجلا هو القضاء بعدم دستوريتها!! فيذهب بذلك تعبه على فاشوش وكأنك يابو زيت ما قليت!! لن أعيد طرح الملاحظة المكررة ولكنى سوف أطرح ملاحظة مختلفة تماما..وسوف أفترض أننا رضينا بهذا النص غير الدستورى وسلمنا بأن من يتعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أى عمليات إرهابية يستحق الحبس (وهو فى رأيى لا يستحق الحبس فقط بل يستحق الإعدام لأنه سوف يكون جزءا فاعلا من عمليات إزهاق الأرواح المصرية الطاهرة مدنية كانت أو عسكرية)..لكننى فقط أتوقف عند عبارة : «بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية»، أتوقف عندها لكى أتساءل ما هى العقوبة التى سيستحقها صائغ البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، إذا ثبت أن تلك البيانات تخالف الحقيقة؟؟.. ومن هى بالضبط السلطة أو الجهة التى سيناط بها محاسبته؟، وما هى آليات تلك المحاسبة؟؟..سوف يقول لى قائل: «إننا نثق ثقة كبيرة فى قياداتنا الراهنة، وإنها عودتنا حتى الآن على أنها تقول الحقيقة، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى..وسوف أقول لهم : نعم، ولكن القانون..أى قانون لا يضع فى اعتباره أنه سوف ينطبق فى ظل وجود قيادة معينة..فقد تتعاقب القيادات والرئاسات ولكن القانون باق، ما الذى يضمن لنا ألا تجىء سلطة معينة كل بياناتها مخالفة للحقيقة؟، ومن الذى سوف يلقى على عاتقه كشف الحقيقة فى هذه الحالة غير الصحافة؟، وكيف تجرؤ الصحافة على كشفها ويدها مغلولة ورقبتها مهددة إن لم يكن بسيف الحبس، «والحبس بالنسبة للحر سيف»، فبسيف الغرامة، والغرامة بالنسبة للصحفى نظيف اليد والجيب سيف أيضا أقسى وطأة من الحبس!!، سوف يقول قائل حتى لو افترضنا أن البيانات الرسمية قد خالفت الحقيقة، فإنها لن تفعل ذلك إلا لحكمة معينة تتطلبها المصلحة العليا للبلاد..كالحرص مثلا على بث الطمأنينة فى نفوس الناس أو رفع معنوياتهم من خلال التهوين من شأن كارثة حدثت بالفعل أو خطر مقبل سوف يحيق، والرد على ذلك هو أنه لاشىء يبعث الطمأنينة والثقة إلا الحقيقة الخالصة، حتى لو أفلح الخداع على المدى القصير بعض الوقت فإن نتائج انكشافه على المدى الطويل سوف تكون مدمرة، لهذا السبب فإن المقاومة الحقيقية للإرهاب ينبغى أن تتمثل فى تجريم الكذب المتعمد سواء كان صادرا من الصحفيين أو ممن يصوغون البيانات الرسمية أنفسهم، على أن تشدد العقوبة إذا كان ثبت أن الدافع إلى الكذب هو سوء النية، أما إذا كان الدافع نبيلا كالحرص على المصلحة العامة، فإن هذا لا ينبغى أن يكون مبررا للإعفاء من العقوبة، وإن كان من الوارد أن يكون مبررا لتخفيفها فحسب! الأهم من هذا كله هو أن الصحفيين وصائغى البيانات الرسمية كليهما معا ينبغى أن ينظر إليهما باعتبارهم حسنى النية كأصل لا يحتاج إلى إثبات، وعلى من يدعى عكس ذلك يقع عبء الإثبات، وفى تصورى أن هذا ليس هو ما يفرضه الدستور، ولا هو ما تقتضيه مبادئ العدالة المجردة فحسب، ولكنه هو أيضا ما تقتضيه مصلحة الوطن وما تقتضيه أولا وقبل كل شىء حربنا ضد الإرهاب.