زاد الأسبوع
تحذِّر سورة الكهف القارئ مِن المعصية والحيدة عن الطريق الذي رسمه المُرسلون وكذلك مصير السابقين.
وردَت عدَّة أحاديث صحيحة في الترغيب في قراءة سورة الكهف وفضلها؛ وذلك أقلُّه مرة في الأسبوع في يوم الجمعة، ونظرًا لمجيء الترغيب بهذا التحديد الدقيق، فلا بدَّ أنَّ وراءه حكمة تَحمِل الخير للقارئ خلال هذه الفترة، وفي الإعراض تفويت لذلك الخير.
وقد جاءت النصوص التي تؤكِّد أنها نور لقارئها، تُضيء له الطريق وتَرسم له المسالك، وتَهديه إلى سبيل الله المُستقيم، الذي فيه نجاته في الدنيا قبل الآخرة، وروى الحاكم في المستدرك مرفوعًا أنَّ: «مَن قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له مِن النور ما بين الجمعتين»؛ وصحَّحه الألباني، وفي رواية عند الحاكم أنه صلى الله عليه وسلم قال: «مَن قرأ سورة الكهف كما أُنزلت، كانت له نورًا يوم القيامة من مقامه إلى مكة، ومَن قرَأ عشر آياتٍ من آخرها ثم خرج الدجال، لم يسلَّط عليه..»، وهذه الزيادة التي وردَت في هذه الرِّواية أخرجها مسلم في صحيحه وأبو داود والترمذي في سننهما وأحمد في مسنده.
وقد ذُكر في بعض النصوص أنها عصمة لقارئها مِن فتنة الفِتَن وأعظَمِ المِحَن، التي ما مِن نبي إلا استعاذ بالله منها، وحذَّر قومه منها؛ ففي صحيح مسلم مرفوعًا: "مَن حَفِظَ عشر آيات من أول سورة الكهف، عُصم مِن الدجَّال"، فقد جاءت السورة ترسُم للقارئ الطريقَ المُستقيم، وتهديه الجادة، وتحذِّرُه من الفِتَن والآفات التي تعترض طريقة لتَحول دون وصوله إلى هدفِه، وتؤثِّر على سعادتِه في الدارَين.
وفي سبيل تلك الحكمة تنوَّعت الأساليب التربوية في السورة؛ فقد اشتملت على أسلوب الوعظ والإرشاد، والقصة، والقُدْوة، والحوار والإلقاء، ووجَّهت خطابها إلى كل الفئات ومُختلف الأعمار.
- ذكرت قصة أصحاب الكهف وفتنة العقيدة؛ لتبيِّن للقارئ أنَّ الهجرة والفرار بالدين سبيل النَّجاة، لا سيَّما إذا ضيق عليه في العبادة، وأن صُحبة الصالحين تُعينه على النَّصر والتمسُّك بالدِّين.
- وروتْ قصة صاحب الجنتَين، وما فيها من مغبَّة كُفران النِّعم، وأنَّ المال والولد فتنة، وأنَّ النِّعَم تَستقر بالشكر وتزول بالجُحود، وأنَّ الدنيا هيِّنة كماءٍ هطَل من السماء فاختلط به نبات الأرض الذي صار هشيمًا تطايرت به الرياح، فمَن أدرك تلك الحقيقة، تحرَّى الحلال الطيِّب، وما ضرَّته فتنةُ المال قطُّ.
- ثم تُذكِّر القارئ بأخطر فتنتين على الإنسان، الذي جُبلَ خلقًا وأُمر شرعًا على تحصيلهما؛ المال والبنون، وتقرُّ السورة بالحاجة إليهما في دنيا الناس، ثم تَدعو إلى الاقتصاد في طلبِهما وتوقِّي فتنتهما.
إنَّ ما بقي عند الله هو خير ثوابًا، وخيرُ ما يُؤمَّل وما يُطلب، فيَنبغي الحد من المبالغة في طلبهما.
- وتَنتقل إلى قصَّة آدم المُكرم وإبليس المتكبِّر، وتقرِّر عداوة الشيطان لبني الإنسان، وأنه هو أعدى أعداء الإنسان.
- وتفصِّل السورة في خاصية من خصائص الإنسان التي لو لم تُضبط لصدَّت صاحبها عن الحق؛ (الجدال) الذي انفرَد به الإنسان، والذي ضلَّ ملايين البشر عن الجادة بسببه.
- وتنقلنا السورة إلى قضية طلب العلم التي أمر بها المسلم؛ فهي من أخطر القضايا؛ لأنَّ ضلال العالم فيه ضلال وانحراف للمُجتمع، فتناولت قصة موسى عليه السلام مع الخضر، ومِن ثَمَّ فطلب العلم لا يَعرف سنًّا ولا نسبًا؛ فموسى كليم الله يَستسمِح الخضر في أن يَخدمه ويُتابعه مقابل تعليمِه إياه، وهنا يضع الخضر ضوابط طلب العلم المتمثِّلة في التواضُع والصبر، وقهر النفس في الطلب، وفي إطار هذه القصة يتعلَّم القارئ أنَّ الضعيف يقيِّض الله له مَن يَنصره بعلمِه أو بغير عِلمه، وأنَّ التعلُّق الشديد بأحد الأبناء قد يُفسد ويفتن الأبوين، وأنَّ العمل الصالح يتعدى نفعه إلى الذريَّة.
- وتَنتقل السورة إلى قصة ذي القرنين بما تَحمله مِن مضامين تربوية للساسة والرعية، وأنَّ الإخلاص في العمل السياسي والرحمة والقوة مِن أسباب اتِّساع المُلْك والسيطرة وبسط الأمن، وأنَّ الطغيان والظلم مصيره الحبس والقهر.
- وختامًا تحذِّر السورة القارئ مِن المعصية والحيدة عن الطريق الذي رسمه المُرسلون وكذلك مصير السابقين.