عادل حمودة يكتب: مفاجأة سياسية فجرتها قبل سبع سنوات على هذه الصفحة

مقالات الرأي



الخرائط الإسرائيلية للدولة الفلسطينية فى شمال سيناء

■ وضعت تلك الخرائط على أساس تبادل الأراضى.. مصر تتنازل عن الشريط الممتد من غزة إلى العريش مقابل منطقة فى صحراء النقب تتركها إسرائيل

■ صفقة الولايات المتحدة والإخوان: حكم مصر مقابل التنازل عن الأرض المطلوبة لسيناء ■ التنظيمات الإرهابية المسلحة تصورت أنها ستقضى على الجيش المصرى كما فعلت مع الجيش العراقى فى ثلاثة أيام متناسية أن هناك فرقا بين جيش متعدد المذاهب والطوائف وجيش متوحد وطنيا

«لن أقص عليكم حلما.. لن أعرض عليكم مسلسلا تليفزيونيا.. لن أدعوكم لمشاهدة فيلم من أفلام الخيال السياسى.. وإنما أقدم إليكم حقيقة على طبق من لحم المصريين الحى».

«لو كانت سيناء أرضا بلا شعب والفلسطينيون شعب بلا أرض فلما لا نعقد زواجا استراتيجيا بينهما ونريح رءوسنا من صداع قضية مزمنة وضع العالم أصابعه فى الشق يأسا من حلها؟».

«ومصر؟.. ماذا نفعل معها؟».

« الإجابة سهلة: نمنح رئيسها جائزة نوبل للسلام ونعوضها بمليارات من الدولارات تطعم شعبها الجائع وتقوى نظامها الضعيف وتساند مجتمعها المتعب المفكك.. الأرض مقابل رغيف العيش «!.

« لا أعانى من هلاوس عقلية.. ولا أدخن البانجو.. ولا أمشى وأنا نائم.. ولا أعيش كابوسا فى اليقظة.. وإنما أروى بالوثائق الدامغة مؤامرة إسرائيلية تدعمها أجهزة أمريكية وتباركها جهود دولية».

هذه السطور نشرتها على الصفحة الثالثة من «الفجر» فى العدد (138) يوم 4 فبراير عام 2008 كاشفا ربما لأول مرة خطة إعلان دولة فلسطينية تضم غزة وشمال سيناء وربما تصبح عاصمتها العريش.

لم يكن من الصعب الحصول على تفاصيل الخطة وخرائطها فقد تكفل بذلك مركز «هرتزيا» للدراسات السياسية الذى أسسه عام 1994 «أوريئل رايخمان» ويضم خبراء فى العلوم الاستراتيجية كانوا يشرفون على رسائل الماجستير والدكتوراه لنحو 3600 طالب دراسات عليا فى ذلك الوقت.

فى بداية كل عام يعقد المركز مؤتمرا عاما يبحث فيما يهم إسرائيل.. وما يخفف من متاعبها.. ويكتب تصوره على لفائف تشبه لفائف التوراة القديمة.. ويقدمها فى علبة من القطيفة الحمراء للجهات المؤثرة.. الحكومة.. الكنيست.. والموساد.

عقد المركز مؤتمره ذلك العام (2008) لمدة ثلاثة أيام (20/23 يناير) وتناولت الأبحاث المقدمة إليه: تمزق الشيعة.. إصلاح نظام التعليم.. اليهودية العلمانية.. الجيل الجديد من يهود الشتات.. لكن.. البحث الأخطر كان عن «خيارات تبادل أراض عربية فى إطار التسويات السلمية» عوزى أراد وراحيل ماكتجر.

طرحت الفكرة عقب فشل مفاوضات التسوية بين إسرائيل وسوريا.. فقد طلبت إسرائيل إنشاء مراكز للإنذار المبكر تحذر من الهجوم عليها قبل وقوعه.. لكن.. بسبب ضيق المساحة وجدت سوريا أن هذه المراكز ستكون فى دمشق نفسها.. لكنها.. رفضت.. فطرحت إسرائيل فكرة تبادل الأراضى لتوسيع مناطق المناورة حتى لا تفشل التسوية.

لم تكن الفكرة جديدة.. فقد تبادلت إسرائيل والأردن أرضا قبل توقيع معاهدة الصلح بينهما.. وفى مفاوضات كامب ديفيد التى رعاها بيل كلينتون عام 2000 بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية أصبحت الفكرة أكثر استقرارا.. وفى خطاب الرئيس جورج بوش إلى أرييل شارون (فى 14 إبريل 2005) وافق على تبادل أراض فى الضفة الغربية لوجود مستوطنين يهود على أرض فلسطينية.. يصعب -على حد قوله- انتزاعهم منها.

والمؤكد أن هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى الأسبق الذى وضع أسس التسويات السياسية فى المنطقة بعد حرب أكتوبر هو أول من تبنى سياسة تبادل الأراضى.. وقال فى مقال شهير: إنه «يعتقد أن فكرة تبادل الأراضى فكرة عبقرية خارقة تسهل فك الخيوط المعقدة التى فرضها تقادم المشكلة الفلسطينية».

لكن.. إسرائيل لا تكتفى بطرح تبادل الأرض لحل المشكلة الفلسطينية وإنما تطرحها للتسوية مع الدول العربية.. وقد رسمت خرائط جديدة تجسد ما تريد.

فى إحدى الخرائط تحتفظ إسرائيل بـ (250) كيلومتراً من هضبة الجولان (20 % من مساحتها) غرب المنطقة الحدودية مع سوريا مقابل أن يمنح لبنان المساحة نفسها لسوريا من أرض منطقة البقاع على أن تتنازل إسرائيل للبنان عن منطقة الحرمون المشتركة مع حدودها بجانب مزارع شبعا وقرية الفجر وهى تحت سيطرتها.

وفى خريطة أخرى تتنازل مصر عن منطقة ما على محور رفح العريش لتلتحم تلك المنطقة بقطاع غزة الذى تريد إسرائيل التخلص منه مقابل أن تحصل مصر على أرض من صحراء النقب فى وادى فيران تسمح بالعبور الحر بين مصر والأردن.

يعنى ذلك كما كتبت منذ أكثر من سبع سنوات أن الدولة الفلسطينية ستكون فى غزة وبعضا من سيناء.. لتصبح عاصمتها العريش أو رفح.. وربما تبادلت السفراء بينها وبين القاهرة.

ولم تكن صدفة أن تنشر تلك الخرائط فى الوقت الذى كسر فيها فلسطينيو غزة الحدود مع مصر.. ورفع مقاتلو حماس السلاح فى وجه الجنود المصريين الذين ردوا عليهم بالحجارة.. كان ما حدث بروفة لفرض أمر واقع على مصر.

وفى الوقت نفسه أيضا.. نشرت مجلة «نيوزويك» تقريرا وصفت فيه غزة بأنها «محور خطة أمريكية سرية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين فى سيناء تمهيدا لإعلان دولة لهم هناك».

وسبق أن طرحت الفكرة ذاتها فى مباحثات كامب ديفيد التى سبقت توقيع معاهدة الصلح بين مصر وإسرائيل ولكن السادات رفضها.

وفى مباحثاتهما الأخيرة (تكساس 2005) كرر مبارك الرفض بحدة ما سبب فى توتر العلاقات بين القاهرة وواشنطن عدة سنوات.. وربما.. كانت أحد أسباب تخلى الولايات المتحدة عن مبارك فيما بعد.

ولابد أن الفشل فى تنفيذ تلك الخطة بالتفاهم عبر المسارات السياسية الهادئة ومقابل مساعدات مالية هائلة لم يصب واضعوها باليأس وإنما جعلهم يبحثون عن وسائل أخرى أكثر شراسة لتحقيقها.. وكانت جماعة «الإخوان» جاهزة للصفقة.. الأرض مقابل الحكم.. أرض سيناء مقابل حكم مصر.. وبرر الخيانة أن «الإخوان» يرون أن أرض المسلمين للمسلمين دون حدود وطنية تقيد وتفرق.. وسهل المؤامرة وجود حماس فى السلطة بانتخابات أصرت الولايات المتحدة عليها.. لتفتح الحدود من جانبها دون اعتراض من جانب الإخوان وهم فى الحكم.. وبفرض أمر واقع يمكن أن تتنازل مصر عن أجزاء من شمال سيناء.. دون أن تحصل على مقابل لها من إسرائيل.

وسجلت حماس ظاهرة سياسية جديدة.. مؤلمة.. ظاهرة وجود منظمة مسلحة فى السلطة.. لتدير شئون الحكم فى الداخل والخارج بأسلوب العصابات.

وفيما بعد.. تكررت الظاهرة لتصبح معتادة.. فقد وصلت منظمة «الإخوان» إلى الحكم.. ومشت على دربها منظمات أخرى مثل داعش وأخواتها سيطرت على أرض فى سوريا والعراق وأزالت الحدود بينهما.. ووصفت نفسها بالدولة.. وأصبح لها علما وإعلاما وتمويلا.

لم يتغير الهدف (إقامة دولة فلسطينية فى غزة وشمال سيناء) وإنما تغيرت وسائل تحقيقه.. لم يعد المعروض تبادل أراض بالتفاهم.. وإنما الاستيلاء على أراض بالقوة.. وتحت شعارات إسلامية.. تحلم بإقامة إمارة للمجاهدين فى شمال سيناء.

والمثير للسخرية أن تلك المنظمات حملت أسماء انفصلت عن تصرفاتها.. مثل «أنصار بيت المقدس» التى أصيبت عن عمد بـ «حول قتالى».. فقد وجهت أسلحتها ناحية مصر بينما كان عليها توجيهها إلى الاتجاه الآخر.. حيث القدس التى تحمل اسمها وتتغنى بها.

لم يصدق أحد ما نشرت وقتها.. فنحن لا نستوعب ما نقرأ إلا إذا احرقتنا النار.. وأغرقنا الطوفان.. وأعمتنا العاصفة بالغبار.

وما ساند تلك الخطة الشيطانية عرضا أمريكيا حملته فى نفس السنة (2008) وزيرة الخارجية كونداليزا رايس بتسريح الجيش المصرى وتحويله من جيش نظامى مقاتل إلى فرق متخصصة لمكافحة الإرهاب.. وكانت الحجة أن الحرب مع إسرائيل لم يعد لها فى ظل المعاهدة القائمة ما يبررها.. ومن ثم.. فلا حاجة للتشكيلات المقاتلة.. والأسلحة الثقيلة.. لكن.. مصر رفضت ما سمعت.. وتجاهلت إغراء زيادة المعونات إليها.

وكان الهدف من تسريح الجيش انهيار القوة الحامية للأمن القومى فى مصر بما يسهل العبث بأرضها وحدودها تنفيذا للمؤامرات التى وضعت ضدها وأهمها إعلان دولة فلسطينية فى شمال سيناء.. ولتكن إمارة إسلامية.. إرهابية.. لا يهم.. ما دامت بعيدة عن الدول الغربية.

واستغلت الإدارة الأمريكية الفراغ الأمنى الذى ساد مصر فى أعقاب ثورة 25 يناير فى إجبار القيادة المؤقتة التى حكمت البلاد على رفع ثلاثة آلاف إرهابى تدربوا فى معسكرات القاعدة فى باكستان وأفغانستان واليمن والصومال والسودان من قوائم ترقب الوصول.. وما أن هبطت بهم الطائرات التجارية التى حملتهم بتمويل من دول عربية مطار القاهرة حتى وجدوا من يدعوهم للسفر إلى شمال سيناء.. وهناك.. بدأت السيطرة على شباب تجرأ على شيوخ قبائلهم بسبب المال.. أو انتقاما من ضعفهم فى التعامل مع السلطة المركزية التى وصفوها بـ «المتعسفة».

وبوصول الإخوان إلى الحكم وجدت كل المنظمات الإرهابية المهاجرة (فى الخارج) والمخفية (فى الداخل) فرصتها الذهبية للسيطرة على سيناء.. فقد جاء المقاتلون إليها من جميع أنحاء العالم.. وكانت الأسلحة الثقيلة فى انتظارهم مهربة من دول تفككت قريبة مثل ليبيا أو دول مجاورة استخدمت مثل السودان.

وبدأت العمليات متعددة الجنسيات «مالتى ناشيونال» بأول تفجير لخط الغاز.. خبير من إيران.. وصل سيناء بدليل من السودان.. ونفذ المهمة مجموعة من مصر وفلسطين.. وتكرر تعدد الجنسيات فى اقتحام السجون.. وقتل الجنود المصريين.. لنصل إلى ما حدث مؤخرا.. فى 3 يوليو الجارى.. بهدف إعلان ما يسمى بـ «الإمارة الإسلامية فى سيناء».

وقد نفذت العملية بعد 36 ساعة من اغتيال النائب العام.. لكن.. لابد من التفرقة بين العمليات الإرهابية فى سيناء والعمليات الإرهابية فى الوادى.

فى الوادى نتعرض لمخطط يستهدف زعزعة الاستقرار وتعطيل الإنماء.. بما يهدد النظام.. وإن صعب سقوطه.

لكن.. فى سيناء نجد أنفسنا أمام مؤامرة تشارك فيها دول وتتابعها أجهزة مخابرات وتمول بمليارات الدولارات وتستخدم اسلحة متطورة وثقيلة (ربما لا توجد فى جيوش نظامية عربية) وينفذها مقاتلون مدربون محترفون يجيدون الهجوم والتلغيم والإخلاء.. مثلهم مثل الجيوش النظامية.

ولا أحد يجد مبررا لما يحدث فى سيناء سوى تنفيذ مخطط الدولة الفلسطينية الممتدة من غزة إلى العريش.. ولو تحت رايات إسلامية.

ولا مبرر للتورط فى تصنيف التنظيمات الإرهابية التى نواجهها.. أو التفرقة بينها.. فكلها فى الغالب توكيلات متنوعة لجهات مشابهة.. ومشبوهة.. كما أن بينها وصلات تجمعها وحدة الأهداف.. تفكيك المنطقة بدعوى إعادة تجميعها تحت راية الخلافة.. ولو كان المستفيد الوحيد من جرائمهم.. إسرائيل.

وترى تلك التنظيمات أن العقبة الوحيدة أمامها.. الجيش المصرى.. ويفسر ذلك الهجمات التى تشنها ضده.. وقد استهدفت فى البداية بث الرعب فى جنوده ليفروا من الخدمة.. وتعمدت نشر فيديوهات الذبح والحرق لمزيد من التأثير فى الحالة النفسية.. لكنها.. فشلت.

وتنفيذا لنفس الخطة الإسرائيلية (فى حربى 1956 و1967) هاجمت تلك المنظمات عدداً من النقاط الأمنية فى وقت واحد بعدد مكثف من المقاتلين متوقعة أن ينسحبوا أو يقتلوا فتستولى على المساحات الشاسعة بين الأكمنة بسهولة وتفرض سيطرتها عليها وترفع علمها فوقها.. وبتكرار العملية يمكن بسبب خلو الأرض من البشر اجتياح سيناء كما فعلت إسرائيل.

والخطأ الأكبر الذى وقعت فيه تلك المنظمات أنها تصورت أنها ستجد جيشا فى سيناء مثل الذى تعاملت معه فى العراق.

لقد تكون الجيش العراقى من 350 ألف جندى وأنفق عليه نحو 42 مليار دولار خلال ثلاث سنوات منذ عام 2011.. لكنه.. تلاشى دون مقاومة تذكر فى ثلاثة أيام.. «وعثر على معدات وبذلات عسكرية مرمية ومتناثرة على امتداد الطرق المؤدية من الموصل إلى كردستان».

كان ذلك فى 10 يونيو 2014.. حين سيطر داعش على الموصل بما لا يزيد على 1300 مقاتل.. محققة بالجيش العراقى «إحدى أكبر الهزائم العسكرية فى التاريخ».. وكان ذلك متوقعا من دولة منقسمة بحدة بين طوائف ومذاهب متعددة وفرضت تلك الانقسامات نفسها على الجيش هناك فقد تماسكه قبل أن يفقد وطنه.. بخلاف التجانس الوطنى والبشرى الذى يسود الجيش المصرى.. فكل جنوده ينظرون فى نفس الاتجاه حيث العدو.. ولا ينظرون إلى بعضهم البعض خشية غدر ما بسبب ما يعانون من تفرقة وتفتت كما فى جيوش عربية أخرى.

وربما.. كان مشهد وزير الدفاع وهو يقبل رأس مقاتل.. بطل.. أكبر دليل على أن لا فرق بين جندى وجندى إلا بتقوى التضحية.

والمؤكد.. أن كل سطور البطولات التى تكتب على أرض سيناء ستحمى مصر من كل ما يدبر لها.. كما حدث فيما قبل.. وما سيحدث فيما بعد.