عادل حمودة يكتب: أنا ومرشد الرئيس 5

مقالات الرأي



المكالمة الوحيدة بين مبارك وهيكل عن متاعب جراحة العمود الفقرى

■ عشاء من «اللب الأبيض» فى القرية النوبية للتخلص من قانون «اغتيال الصحافة» الذى رفض مبارك تعديله قائلا: «احنا ما بنبيعش ترمس» ■ الباز: الرئيس يعتقد أنك شريك

فى تنظيم أسسه هيكل فى الصحافة المصرية

كانت هدية مبارك للإعلاميين فى عيدهم الأول هدية ثمينة.. إقرار قانون يسمح بحبسهم.. وعندما طالبوه بإلغائه قال: «إحنا ما بنبيعش ترمس».

حمل ذلك القانون الذى طبخ ليلا فى مجلس الشعب رقم (93) لسنة 1995.. ووصفته فى «روز اليوسف» بقانون «اغتيال الصحافة».. وأشيع الوصف حتى التصق بالقانون المشبوه.

عقدت جمعية عامة غير عادية لنقابة الصحفيين أعلنت أنها لن تنفض إلا بتغيير القانون.. وبعث محمد حسنين هيكل برسالة إليها تتفجر شدة.. وتتجاوز أزمة الصحافة الساخطة إلى أزمة السلطة القائمة.. وجد إبراهيم نافع نفسه بصفته نقيب الصحفيين مضطرا لقراءتها وإلا طرد من المكان.

فى تلك الرسالة قال هيكل: «إن هذا القانون فى ظنى يعكس أزمة سلطة شاخت فى مواقعها وهى تشعر بأن الأحداث تجاوزتها».. دون أن يتصور أنها ستمكث فى الحكم أكثر من 15 سنة أخرى.

فى المقابل سعى أسامة الباز لإخراج النظام من الحفرة التى أوقع نفسه فيها.. فطلب أن نلتقى أنا وهو ووحيد حامد ليلا فى «القرية النوبية».. المطلة على النيل.. عند فندق ميرديان.. وطالت المناقشة متجاوزة منتصف الليل.. دون أن يقترب أحد من طبق المشويات الذى وضع أمامنا.. وإن رحنا نلتهم «اللب الأبيض».. وجبة العشاء المفضلة للباز فى كل السهرات والدعوات المسائية.

وكان هدف الباز إيقاف الهجوم على مبارك لمنحه فرصة مناسبة للتراجع.. دون عناد اشتهر به.. فقد نسب الباز لمبارك «أن القانون الذى وضع بليل لن يطبق».. ولم يكن ذلك صحيحا.. فمبارك كان مصرا على تنفيذ القانون.. ولولا محاولة اغتياله فى أديس أبابا التى وقعت بعد شهور قليلة لما تراجع عنه.. فلم يشأ أن يقابل دعم غالبية الصحفيين الهائل الذى ناله بعد الحادث بتقديم «الكلابشات» إليهم.

وفتحت صفحات «روز اليوسف» إلى هيكل فى وقت أغلقت فيه كل منافذ التعبير أمامه ليتحدث بصراحة عما يحدث فى مصر.. وكان العمود الفقرى للحوار سؤال أصبح مانشيت المجلة «ماذا لو اغتيل مبارك فى أديس أبابا؟».. مانشيت وصفته وكالة رويترز بأنه أجرأ مانشيت نشر فى الصحافة المصرية منذ تأميمها.

استنكر هيكل أن يقوم وزير الإعلام (صفوت الشريف) بذبح عجول على بوابات ماسبيرو.. وطالب بأن يستفيد الرئيس من حالة التأييد الشعبى التى زادت بعد الحادث فى إعادة بناء مؤسسات الدولة.. خاصة مؤسسة الرئاسة.. واعترض على الدعوات التى تطالب بإعلان الحرب على السودان انتقاما مما تعرض له الرئيس.

نشر الحوار على أسبوعين.. وبهدوء.. رد مبارك على ما قال هيكل فى حوار مضاد استدعى إبراهيم نافع ليجريه على عجل فى برج العرب.. ونشرته الأهرام فى عدد الجمعة.. الأكثر توزيعا.

وطلبت هيئة الكتاب من الدكتور عبدالعظيم رمضان جمع مقالات «هيكل والكهف الناصرى» التى ينشرها على صفحات «اكتوبر» فى كتاب.. ولصغر حجم الكتاب طلبوا منه زيادته بمقالات إضافية.. وعندما اعتذر لسفره إلى لندن.. هددوه بأنهم سيتولون هذه المهمة نيابة عنه.. فاستسلم الرجل الذى يصف نفسه بالمؤرخ لما شاءوا.

وبسبب حوارهيكل تعرضت إلى هجوم حاد من سمير رجب.. عصا النظام الغليظة فى الصحافة.. لكن.. الأخطر من ذلك ما سمعت من أسامة الباز تعليقا عما يجرى.

طلبنى الباز تليفونيا مبكرا يوم صدرت «روز اليوسف» بالجزء الثانى من الحوار طالبا منى المرور عليه فى مكتبه لشرب فنجان قهوة.. وفهمت من الدعوة أن هناك رسالة يحملها من الرئيس.. كما تعودت كثيرا.

قبل أن يأتى فنجان القهوة «السادة» سارع الباز كعادته فى عدم إضاعة الوقت فى مقدمات فارغة: «الرئيس يعتقد أن هناك تنظيماً فى الصحافة يدعم هيكل ويروج له».. وبعد لحظات من الصمت أضاف: «الرئيس متصور أنك مشارك رئيسى فى هذا التنظيم».. وأمام ما اعترانى من ذهول سكت.. احتجت وقتا للرد.

لم أجد ما أقول سوى أسئلة لابد أن تصيب مبارك بالحرج: «هل الرئيس بكل أجهزة معلوماته التى تسمع دبيب النمل لا يعرف حقيقة علاقتى بهيكل؟».. هل هو جاد فيما يقول أم أنه يرى أن هذه التهمة الوسيلة الوحيدة للتفرقة بيننا؟.

قال الباز: «عندك حق.. وقد قلت للرئيس إن هيكل هو شيخ الصحفيين وكبيرهم مثله مثل شيخ التجار.. يلجأ إليه الصحفيون ويستمعون إليه.. ويأخذون بنصائحه المهنية.. ولو كانت «روز اليوسف» قد فتحت له نافذة للتعبير عن نفسه فإنها من جانب آخر وجدت فيه فرصة مناسبة للانتشار».

والمؤكد.. أن علاقة الباز بهيكل لم تكن على ما يرام رغم أن الباز عمل فى مكتب هيكل عندما كان وزيرا للإعلام بعد هزيمة يونيو.. ولفت نظر هيكل: أن الباز يعيش حياته بطريقة غير تقليدية.. إلى حد أنه عندما تزوج من دبلوماسية شابة عاش كل منهما بمفرده.. ليلتقيان حين يشاءان.. ولم يقف فى طريق مستقبلها.. ولم يعترض على عملها فى سفارات خارجية حرصا على مستقبلها المهنى.

تغيرت علاقة الباز بهيكل بتغير مواقعهما من النظام السياسى.. فما أن أصبح الباز مستشارا للرئيس حتى حمل منه رسائل إلى هيكل.. منها طلب بعدم نشر مقالات بدأ إبراهيم سعدة كتابتها فى أخبار اليوم.. والمثير للدهشة أن هيكل وافق على طلب الرئيس.

والحقيقة أن مبارك جمد علاقته بهيكل.. لا سمح أن يكون قريبا.. ولا دخل فى معركة ما معه.. أما الذين هاجموا هيكل من كتاب الحكومة فقد فعلوا ذلك نفاقا وتقربا.

وقد التقى مبارك بهيكل فور خروجه من السجن بعد اغتيال السادات.. والمرة الوحيدة التى تكلم مع هيكل تليفونيا كانت لسؤاله عن جراحة العمود الفقرى التى أجراها أحمد هيكل ليعرف ما الذى سيحدث عند دخول علاء مبارك المستشفى لإجراء الجراحة نفسها.

ومن جانبه وافق مبارك على مبادرة من وزير الثقافة فاروق حسنى لعلاج هكيل ولكن هيكل شكره مؤكدا أنه قادر على ذلك بنفسه.

ويؤمن هيكل أن الحوارات التى أجريتها معه ونشرتها فى «روز اليوسف» أحد أسباب الإطاحة بى ونقلى إلى الأهرام كاتبا متفرغا.. وعاجزا عن التعبير عن رأيى بحرية وسط قيود لم أعهدها من قبل.

كانت السحب السوداء قد تراكمت فوق رأسى بسبب تكاثر الأعداء وتحالفهم ضدى بعد أن شعروا أن حرية الصحافة التى فرضتها روز اليوسف تهدد وجودهم الفاشل فى السلطة ومثلهم كمال الجنزورى أو تهدد نمو ثرواتهم نموا سرطانيا بما يثير علامات الاستفهام ومثلهم نجيب ساويرس.. ولم يكن من الصعب أن يتحالف الطرفان معا للقضاء على الضوء الضعيف الذى خرج من الدستور وروز اليوسف.

وجهت الضربة الأولى للدستور ومنعت طباعتها فى مصر مما جمد رخصتها القبرصية.. وبعد أيام قليلة خرجت «روز اليوسف» تتساءل عما حدث للصحيفة الجريئة فتقرر عقابى وكان ما كان.

والحقيقة.. أن الباز نقل لى رسالة من مبارك قال فيها: «إن مصر لن تنسى لك موقفك الشجاع من محاربة الإرهاب فى وقت جبن فيه آخرون وما حدث لك ليس سوى حادث مؤقت سرعان ما سيزول».

ورغم أن مبارك طلب عدم المساس بمستحقاتى المالية التى اتقاضاها من «روز اليوسف» فإن إبراهيم نافع لم ينفذ تعليماته ومن جانبى لم أشأ أن أشكوه إليه.. فعندما نفتقد حرية الصحافة فلا قيمة للصرافة.

وفيما بعد.. أدرك مبارك أن الجنزورى ضلله.. وسمح لنجيب ساويرس بإرسال فاكس إلى الرئاسة من مكتبه يهدد فيه بانسحاب استثمارات رجال الأعمال المسيحيين لتتضاعف الأزمة التى تعيشها البلاد بعد الإرهاب الذى ضرب السياحة فى أعقاب حادث الأقصر.

وأصر الباز على أن يحتفل بى ليؤكد للجميع أن خروجى من «روز اليوسف» لا يعنى شيئا سلبيا لى.. وحرص على أن يكون موعد الاحتفال بعد عودته من الخارج.. وأغلق مطعم البكباجى على ضيوف الاحتفال الذى حضره رموز المجتمع من كافة المجالات.. وكانت هناك يسرا وهالة سرحان وإيناس الدغيدى.

لقد أعاد الاحتفال جسور الصداقة بينى وبين الباز بعد أن تعرضت لبعض المطبات.. لكن.. شيئاً ما حدث حدث له وضعنا معا فى أزمة أخذنا وقتا للنجاة منها؟.. انتظر الإجابة فى العدد القادم.