د.نصار عبدالله يكتب: برز الثعلب يوما
من أكثر ما يعجبنى فى أشعار أمير الشعراء: «أحمد شوقى» (1868ـ 1932)، هى تلك القصائد التى كتبها للأطفال، ربما من موقع تأثره بالشاعر الفرنسى لافونتين الذى أتيح له أن يطلع اطلاعا وافيا على أعماله خاصة فى الفترة التى عاش فيها أمير الشعراء فى فرنسا (1890ـ 1893)، وربما أيضا امتدادا متطورا لكليلة ودمنة التى ترجمها عبدالله بن المقفع من السنسكريتية إلى العربية فى القرن الثامن الميلادى،.. وقصائد شوقى للأطفال تتخذ غالبا شكل حكاية طريفة ذات دلالة بالغة العمق، أبطالها من الطيور والحيوانات.. القصائد فى حقيقة الأمر، ليست مكتوبة للأطفال وحدهم ولكنها مكتوبة للكبار أولا.. بل إنها فى الواقع مكتوبة عنهم ولهم!، أو على الأقل مكتوبة عن نماذج معينة منهم هم فى الحقيقة أبطالها الحقيقيون! من أجمل تلك القصائد، ومن أشهرها أيضا قصيدة: «برز الثعـــلب يوما»، التى أقدم فيما يأتى نصها الكامل لقراء الفجر الذين أظن أن بعضهم لم تتح له قراءة القصيدة كاملة من قبل رغم أنها واحدة من القصائد التى كثر الاستشهاد بها فى مناسبات معينة فى السنوات الأخيرة بوجه خاص، ولا أظن أن قارئ الفجر سوف يعجز عن مقارنة بطل القصيدة بالكثيرين من ممثلى نماذج بشرية معينة ازدحمت بهم حياتنا المعاصرة فى كل مكان تقريبا، المحزن حقا فى الأمر أن بعض السذج قد صدقوهم قبل أن يكتشفوا أنهم ليسوا دعاة تقوى ولكنهم مجرد باحثين عن فرائس، وأن الضحايا قد أوقعهم حظهم العاثر فى براثنهم لكى يكونوا فريسة لهم.
برز الثعـــلب يوما.. فى ثيــاب الواعــــــــظينا
فمشى فى الأرض يهــدى.ويسب المـــــاكرينا
ويقول الحــــــــــمد للـــه.إلــــــــه العـــــالمينا
ياعباد الله توبوا.. فهــــو كهف التائــــــــبينا
وازهدوا فى الطير، إن العيش عيش الزاهدينا
واطلبوا الديك يؤذن.. لـــــصلاة الصبح فيــــنا
فأتى الديك رســـــول..من إمـــــام الناسكـــينا
عـرض الأمر عليــه.. وهو يـــرجو أن يلــينا
فأجاب الديك عــــذرا.. يا أضـــل المهــــتدينا
بلغ الثعلب عــنى، عــن جدودى الصالحـــينا
عن ذوى التيجان..ممن دخل البطن اللعــــينا
أنهم قالوا، وخــــــير..القول قول العارفـــينا
مخطئ من ظن يوما..أن للثـعلب ديـــــــــنا