قراءة القرآن بلا تدبر
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}. [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عليكُمْ رَقِيبًا}.. [النساء : 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.. [الأحزاب: 70 - 71].
من الأخطاء في رمضان؛ قراءة القرآن بلا تدبُّر:
تجد أحدهم يقرأ القرآن في رمضان ويكثر من قراءته، والغرض من ذلك هو أن يختم القرآن أكثر من ختمة، وهذا خير كبير وأجره عظيم، ولكن تجد أن البعض يختم أكثر من ختمة ولا يتدبر في آية من آيات المصحف، وهذا خطأ كبير مخالف لقول رب العالمين: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}.. [ص: 29].
يقول الإمام القرطبي - رحمه الله -: قال العلماء:
يجب على القارئ إحضار قلبه، والتفكر عند قراءته، لأنه يقرأ خطاب الله الذي خاطب به عباده، فمَن قرأ ولم يتفكر فيه - وهو من أهل أن يدركه بالتذكر والتفكر - كان كمن لم يقرأه، ولم يصل إلى غرض القراءة من قراءته، فإن القرآن يشتمل على آيات مختلفة الحقوق، فإذا ترك التفكر والتدبر فيما يقرأه استوت الآيات كلها عنده، فلم يدع لواحدة منها حقها، فثبت أن التفكر شرط في القراءة، يتوصل به إلى إدراك أغراضه ومعانيه، وما يحتوى عليه من عجائبه. (التذكار في أفضل الأذكار ص-195).
ويقول الحافظ جلال الدين السيوطي في كتاب "الإتقان في علوم القرآن" (1/ 106):
وتسن القراءة بالتدبر والتفهم، فهو المقصود الأعظم، والمطلوب الأهم، وبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب....وصفة ذلك أن يشغل قلبه بالتفكر في معنى ما يلفظه به، فيعرف معنى كل آية، ويتأمل الأوامر والنواهي ويعتقد قبول ذلك، فإن كان قصَّر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مر بآية رحمة استبشر وسأل، أو عذاب أشفق وتعوَّذ، أو تنزيه نزَّه وعظَّم، أو دعاء تضرَّع وطلب.
فعلى الإنسان أن يحدد له وقت زمني يقرأ فيه ورد من القرآن، بغض النظر عن الكم الذي قرأه، لكن عليه أن يتفكر فيما يقرأ، ولو لم يخرج من هذه الجلسة إلا بجزء بسيط من القرآن لكن قراءة بتفكر وتدبر، فيكون هذا أفضل وأنفع له.
ويقول الإمام أبو حامد الغزالي - رحمه الله - في كتاب "إحياء علوم الدين" (3/516):
فتأثر العبد بالتلاوة أن يصير بصفة الآية المتلوة، فعند الوعيد وتقييد المغفرة بالشروط، يتضاءل من خيفته كأنه يكاد يموت، وعند التوسع ووعد المغفرة يستبشر كأنه يطير من الفرح، وعند ذكر الله وصفاته وأسمائه يتطأطأ خضوعًا لجلاله، واستشعارًا لعظمته، وعند ذكر الكفار ما يستحيل على الله - عز وجل - ، كذكرهم لله - عز وجل - ولدًا وصاحبة يغض صوته، وينكسر في باطنه حياء من قبح مقالتهم، وعند وصف الجنة ينبعث بباطنه شوقًا إليها، وعند وصف النار ترتعد فرائصه خوفًا منها.
ويقول محمد بن كعب القرظي - رحمه الله -:
مَن بلغه القرآن فكأنما كلَّمه الله، وإذا قدَّر ذلك لم يتخذ دراسة القرآن عمله، بل يقرؤه كما يقرأ العبد كتاب مولاه الذي كتبه إليه ليتأمله، ويعمل بمقتضاه. (إحياء علوم الدين -1/516).
وذكر الغزالي - رحمه الله - عن بعض العلماء أنه قال:
هذا القرآن رسائل أتتنا من قِبل ربنا - عز وجل - بعهوده، نتدبَّرها في الصلوات، ونقف عليها في الخلوات، وننفذها في الطاعات والسنن المتَّبَعات. (نفس المصدر).
ويقول وهيب بن الورد - رحمه الله -:
نظرنا في هذه الأحاديث فلم نجد شيئًا أرق للقلوب، ولا أشد استجلابًا للحزن، من قراءة القرآن وتفهمه وتدبره.
فكان السلف يؤكد على أن تدبر القرآن وتفهمه - إلى جانب كونه مطلبًا دينيًا - فهو وسيلة تربوية ناجحة لشفاء القلوب من قسوتها، والأعين من جمودها.