بالصور .. حكايات سكان حارة اليهود بين "الجدعنّة والبخّل"
"حارة اليهود" مكان استطاع أن يجمع بين أبناء الديانات الثلاث "الإسلامة واليهودية والمسيحية"، فاستطاعت هذه الحارة أن تجسد بجدارة اللُحمة والتماسك في وطن واحد، فتجد فيها مسجداً بجواره معبداً يهودياً، وكذلك شارعا بأكمله يطلق عليه "درب الكنيسة".
صعوبة بالغة تجدها حينما تحاول الوصول إلى حارة اليهود، فحتى تصل إليها يجب أن تدخل وتخرج من حواري كثيرة وأزقة مساحاتها تكاد أن تكون متراً واحداً، لا تستطيع أن تسير فيها في وقت الزحام، أما عن مباني الحارة وبيوتها فأغلبها أوشك على الإنهيار، ولكنها ظلت مُتمسكة ببقائها، فكأنما أرادت أن تبقى موجودة لتكون شاهدة على عصر إجتمعت فيه جميع الديانات في مكان واحد.
خلال جولة في "حارة اليهود" تحدثنا مع سكانها وبخاصة القدامى منهم، ليقصوا لنّا حكاياتهم مع من عاصروهم من اليهود في مصر، وتاريخ تلك المنطقة التاريخية.
جدعنة اليهود مع المصريين
بداية وبعد أن وصلنا إلى معبد "بار يوحاي" بشارع الصقالية، الذي وجدنا جدرانه ونوافذه متهالكين ولا يسكنه سوى الظلام والأتربة والقمامة، تحدثنا مع الحاج زكريا، 70 عاماً، والذي أكد أنه لن ينسى من اليهود الذين عاصرهم وهو في سن الطفولة الخواجة "بيح"، قائلاً وهو يمزح مع أصدقائه: "مش ها أنساه لما كان بيلبس البلطو الأصفر".
وتابع: "كنا عايشين معاهم وناس كويسة .. وهما يهود مصريين مش صهاينة"، مضيفاً أن بعضهم تركوا أملاكهم للمصريين "جدعنة"، بحسب وصفه.
الخواجة "يانو" يتنازل عن شقته لمصري
وشاركه الحديث محمد محمود، أحد أقدم سكان حارة اليهود، والذي أوضح أن عائلته تسكن في الحارة منذ عام 1913، وأكد أن الدراما شوهت صورة بعض اليهود المصريين وأن أخلاقهم كانت جيدة، قائلاً: "الصورة اللي نقلتها الدراما غير حقيقية وهما مش وحشين".
وروى محمود موقف له مع أحد جيرانه اليهود، قائلاً : "أنا كنت ساكن في مكان بعيد عن المنطقة وبشتغل في حارة اليهود والخواجة يانو يونان لما الرئيس عبد الناصر قرر ترحيلهم تركلي شقته أعيش فيها .. واستمريت أدفع إيصال النور باسمه 15 سنة".
وتابع: "كان الحريم بيصاحبوا بعض والبيوت كانت كلها عيلة واحدة مسلم ومسيحي ويهودي .. وفي 4 يهوديات فضلوا إنهم يعيشوا في مصر لحد ما ماتوا منهم "ماري" اللي رفضت تسيب مصر والحارة وكان أهل المنطقة بيحبوها وهي بتحبهم".
وتذكر أيضاً : " كان من عادت اليهود من سكان الحارة يوم السبت مفيش حد منهم بيمد إيده على أي حاجة ولا باجور ولا لمبة كانوا بينادواعلى المصريين يساعدوهم في اليوم دا وكنا بنساعدهم".
بخلاء وبيشغلوا المصريين
أما الحاج محمد سعد، فوصف اليهود في الحارة بـ"بخلا وجِلده"، موضحاً أنهم كانوا عمليين وأنهم أسسوا المنطقة فأنشأوا فيها المحال التجارية خاصة الصاغة ومحلات الطعام، وأن المصريين كانوا يسكنوا معهم وكذلك يعملون في محالهم قائلاً:"كانوا هما عمليين واللي كان مننا يشتغل عندهم وينام وهو آعد يقولوله برا معندناش شغل ليك".
وأضاف: "كنا في الحارة مع بعض في كل حاجة .. وكنا يوم السبت بنولع ليهم النور".
حكاية منزل "عبدالناصر" وجيرانه اليهود
واستكمالاً لجولتنا في الحارة وجدنا منزلاً يعلق على بابه "نجمة داوود" وهو المنزل الوحيد الذي ظل محتفظاً بهذه النجمة، والتقينا مالك هذا المنزل الذي يدعى "محمد محبوب"، وهو أحد أقدم سكان حارة اليهود، فأوضح أن هذا المنزل بني منذ 140 عام، وكان يسكن فيه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بالدور الثاني، ويسكن في الشقة المواجهة له جاره "بيرو" اليهودي، مشيراً إلى أنه ترك المنزل وهو برتبة "مُلازم" ووالده يعمل رئيس البوسطة.
وروى محبوب عن هذا البيت قائلاً: "الكل كانو إخوة مسلمين ويهود ومسيحيين .. وكان البيت لامم الناس كلها .. لما كنا في رمضان واحنا أطفال كنا نجيب الفوانيس نلعب ويدونا العادة .. وكانوا جيران محترمين مشوفناش منهم حاجة وحشة".
واستكمل روايته: "البيت كان ساكن فيه بيرو وبلاالله من اليهود .. مشوفناش منهم حاجة وحشة ومحترمين"، متذكراً وهو على وجهة ابتسامة : "يوم السبت كان عيدهم واتعودنا نولعلهم البواجير والنور ويدونا بسكوتات وشيكولاتات.. كان الفرح بيعم على الجميع والحزن .. ولما كان حد بيتعب كان كله بيتجمع .. وعلشان كده لما مشيوا من الحارة والبيت كنا زعلانين عليهم".
المعبد والجامع جنباً إلى جنب
وفى نهاية الحارة يقع معبد "موسى بن ميمون"، أحد المعابد اليهودية، وبجانبه أحد المساجد، ولا يوجد أي فاصل بينهما سوى متراً واحداً.
وقال أحد سكان الحارة أن هذا المعبد قامت الدولة بتجديده منذ سنوات وكان اليهود يأتون فيه لإقامة حفلاتهم، وكان يوجد قوات أمنية لحراسته، مشيراً إلى أنه بعد ثورة 25 يناير أغلق نهائياً وتركه الأمن دون حراسة، وأصبح سكان المنطقة هم من يحرسوه.