منال لاشين تكتب: موسم توزيع الموازنة.. صدمة قرارات سبتمبر
■ الحكومة تدرس زيادة فى أسعار تذاكر المترو بنسبة 100% والزيادة تشمل القطارات ■ نظام جديد للمحاسبة على المياه وزيادة اشتراكات التأمين الصحى
■ علاوة المعاشات 10٪ ■ الرئيس قد يعدل من بعض القرارات ■ التطبيق بعد افتتاح قناة السويس وذلك للانتهاء من مد مظلة الخدمات الاجتماعية
■ الفقراء لم يتحملوا إلا توابع زيادة أسعار المواد الغذائية ولكن القرارات ستمثل عبئا كبيرا على الطبقة المتوسطة
على الرغم من السرية الضاربة فى الأرض والتاريخ المصرى والحكومات المصرية، رغم أن معظم القرارات الحكومية تختم بخاتم (سرى جدا) رغم هذا وذاك فإن موازنة الدولة المصرية متاحة لكل المصريين متاحة ككتاب ورقى، ومتاحة على موقع وزارة المالية، ولكن أتحداك لو فهمت كثيرا من أرقام الموازنة الهلامية الغامضة، فالحكومة تتعمد أن تتحول الموازنة إلى ألغاز ولوغاريتمات، بحيث يصعب على المواطن العادى ولو كان مثقفا أن يفهم الموازنة أو بالأحرى أن يتبع متاهة الموازنة،
ولكن هناك دوما طريقة لتقييم الموازنة، طريقة تجمع بين السياسة والاقتصاد، بين خدمات الغلابة وأرقام أبواب الموازنة، فكل موازنة لها أهداف اجتماعية وسياسية واقتصادية، واللعب على الأهداف يقود إلى الارقام والتقسيمات، فلو كان هدفك تحسين الرواتب والخدمات للموظفين فسوف ترتفع أرقام الباب الأول والثانى من الموازنة، وإذا كانت الحكومة عينها على الاستثمارات فسوف تتجه أموال الموزانة للباب السادس.
وفى الغالب ينظر الاقتصاديون إلى زيادة الرواتب بوصفها نظرة تحت قدميك أو اغراق فى الواقع، ولكن زيادة الاستثمارات تعد نظرة للمستقبل، وتعامل المعاشات معاملة المرتبات وزيادة المعاشات هذا العام 10٪ فقط.
بالمثل تنظر الحكومة وخبراء الاقتصاد إلى الدعم نفس النظرة للرواتب، مجرد عبء تاريخى يجب التخلص منه تدريجيا، على خمس سنوت أو أقل أو أكثر، ولذلك فإن باكورة أعمال الموازنة التى تمس المواطن مباشرة وبشكل حاد تخص دعم المواد البترولية ودعم القطاع الطبى والتأمين الصحى والنقل بأنواعه، وذلك بالإضافة إلى الكهرباء والتى أعلنت الحكومة عن الزيادة بها، ويبدأ تطبيقها فى شهر يوليو، بينما بقية الإجراءات ستتم فى شهر سبتمبر.
1- سر التأجيل
ربما يتصور البعض أن تنفيذ الزيادات المقترحة على دفتعتين الأولى فى شهر يوليو والأخرى فى شهر سبتمبر له علاقة بتمرير الزيادات أو الخوف من أن تحدث الزيادات دفعة واحدة غضبا شعبيا، أو ربما يخمن البعض أن تأجيل الدفعة الثانية من تخفيض الدعم لشهر سبتمبر له علاقة بافتتاح قناة السويس، ولكن تأجيل بعض الزيادات المقترحة إلى شهر سبتمبر يرجع إلى سبب آخر، فالحكومة تريد أن تنتهى من المظلة الاجتماعية للفقراء، وأن تمتد المظلة الاجتماعية إلى الصحة وبطاقات التموين ودعم نقدى مباشر للفئات الأكثر احتياجا وفقرا، برامج من نوع تكافل وكرامة، برامج تضمن أن المسنين والمرضى الفقراء ومن لاعائل لهم سيجدون الحد الأدنى من الحياة الكريمة والفرص للمشروعات متناهية الصغر. الفكرة أن الحكومة تريد أن تضمن ألا تضر إجراءات تخفيض الدعم التدريجى بهذه الفئات التى لا تحتمل بالفعل أى ضغوط أو أعباء أخرى فى الحياة. ولذلك فإن تطبيق برامج مظلة الضمان الاجتماعى يجب أن يسبق العديد من إجراءات خفض الدعم، ومن هنا تأتى أهمية العمل الحكومى الجاد والسريع فى برامج مظلة الضمان الاجتماعى، زيادة أعداد الحاصلين على معاش الضمان، وإدخال برامج جديدة، وربط العلاج المجانى لهذه الفئات بالمعاش، والحرص على أن تنال هذه الفئات حقها فى بطاقة التموين الذكية، واستكمال نظام توزيع المواد البترولية خاصة أنبوبة البوتاجاز، بحيث تضمن الحكومة أن الاسر الفقيرة ستحصل على دعم لمعظم نواحى الحياة، وذلك قبل انطلاق الحفلة الكبرى.
2- ثمن فاتورة الإصلاح
الحفلة الكبرى هى كشف الستار على الفكرة الكاملة للحكومة فى تخفيض الدعم، مانراه ونسمع عنه هو مجرد اجراءات جزئية أو أفكار مقتطعة من سياقها العام والمهم، الفكرة الكاملة ألايمكن إجراء إصلاحات مؤثرة فى مرافق مثل النقل أو الصحة أو التعليم فى ظل الوضع الحالى أو بالأحرى الأسعار الحالية، لا يمكن أن ترفع كفاءة المترو دون أن تزيد سعر التذكرة، وما ينطبق على المترو ينطبق على القطارات والنقل العام، ولا يمكن أن تقدم خدمة تعليمية أو صحية كفء بالمبالغ الهزيلة التى يدفعها المواطن الآن، فالقضية هنا ليست خفض عجز الموازنة كسبب اقتصادى، ولكن من الإنصاف القول أن بعضا من اقتصاديى الحكومة لديهم مرجعية اجتماعية، فاصحاب الدعوة إلى رفع أسعار بعض الخدمات تدريجيا لتوفير تمويل لرفع كفاءة هذه الخدمات والسلع، فى هذا المجال سوف تسمع جملا من نوع (إزاى يظل سعر المترو دون رفع منذ إطلاقه، أو عمرك شفت فى العالم تذكرة قطار بخمسة جنيهات، أو تأمين صحى بـ3 أو حتى بعشرة جنيهات).
هذه الأسئلة المنطقية من ناحية والأزمة الاقتصادية من ناحية أخرى دفعت الحكومة إلى إجابات قد تكون صادمة، إجابات من نوع تغيير نمط الدعم وحجمه، فى إطار هذه الإجابات اقترحت الحكومة زيادات فى أسعار بعض السلع والخدمات المقدمة من الحكومة، رفع سعر تذكرة المترو إلى الضعف، وزيادات متفاوتة فى أسعار تذاكر القطارات، ورسوم المياه واشتراكات التأمين الصحى أو خدمات العلاج الحكومية، هذه الزيادات لم تنه الدعم تماما ولكنها ستقلصه، وهذه الزيادات امام الرئيس ليتخذ فيها قرارا نهائيا، ومع مقترحات هذه الزيادات هناك خريطة أخرى لنظم شبكة الضمان الاجتماعى، فالطالب سيحصل على تخفيض أو (كارنيه) لاستخدام المترو أو القطار بأسعار مخفضة، وبالمثل سيحصل الفقراء على تخفيضات مماثلة، ولكن الأصل أو القاعدة الرئيسية أن الخدمات يجب أن تقدم بأسعار التكلفة، على بلاطة بدون دعم، قد تطبق هذه القاعدة خلال عامين أو ثلاث أو خمس سنوات، تحت مظلة هذه القاعدة تلتزم الحكومة بحماية الطبقة المعدمة أو أفقر فقراء المصريين، وفى مقابل هذا الالتزام تلتزم بتقديم خدمات تعليمية وصحية ونقل بمستوى عال من الكفاءة.
3- الطبقة المنسية
ربما يجد الرئيس السيسى فى قاعدة الحكومة أو توجهاتها أو أفكارها أو اقتراحاتها قدرا معقولا من الإقناع، أو بالأحرى الاقتناع، لأن الحكومة ستوفر شبكة ضمان لأفقر الفقراء والمعدمين، فإن ذلك يؤدى ظاهريا إلى العدالة الاجتماعية، والخلط بين العدالة الاجتماعية وشبكات الضمان الاجتماعى هو أكثر المخاطر التى لا ينتبه لها الكثيرون خاصة داخل نخبة الحكم، فإذا كانت افقر الطبقات لم تتأثر، فإن الطبقة المتوسطة المنهكة والمتعبة ستتأثر بقوة من خلال هذه الإجراءات أو التوجهات، وهذا التأثير يخل بفكرة ومفهوم العدالة الاجتماعية بقوة لا يجب التقليل من تداعياتها أو توابعها.
وحتى الآن لم تحصل الطبقة المتوسطة أو ماتبقى منها صامدا متماسكا على مشروعها أو جائزتها بعد ثورتين شعبيتين، لم تحصل على إجراءات موجهة لصالحها، لم يحدث تطور أو حتى خطة معلنة فى التعليم أو الصحة، لم تمطر السماء مشروعات صغيرة أو وظائف تستوعب أبناء الطبقة، وكل مشروعات الإسكان المطروحة حتى الآن فوق طاقة أو قدرة معظم أبناء هذه الطبقة، لم تحصل الطبقة المتوسطة على نقطة ضوء أو إشارة تستمد منها صبرا وطاقة لاحتمال مزيد من الإجراءات أو الأعباء، وهو أمر يؤدى لشعور بالاحباط والقلق تجاه المستقبل، ولا يجب أن نقلل من توابع وآثار هذا الشعور المحبط المقلق، فإذا كانت شعبية الرئيس من ناحية وخوف الناس على مصر من ناحية أخرى تبعد شبح الثورة أو الانتفاضة أو حتى المظاهرات، فإن تنامى الشعور بالإحباط فى حد ذاته غاية فى الخطورة، لأن هذا الشعور يحبط الهمم ويقلل من اندفاع المواطن للإصلاح أو العمل الجاد أو الحفاظ على ممتكات الدولة، هذا الشعور يقلل من العائد الإنسانى والاقتصادى والاجتماعى للمواطن المصرى المنتمى للطبقة المتوسطة، وبدون حماس هذه الطبقة سنفقد الكثير، بدون احساسها بالعدالة الاجتماعية وأن ثمة ثمارا فى انتظارها لم نستطع أن نبنى مصر الجديدة بالسرعة أو بالكفاءة التى نحلم بها، فأحلام الوطن يجب أن تمتزج بأحلام المواطن، والمواطن المحبط نادرا ما يحلم وفى الغالب تزوره الكوابيس، ولذلك ارجو من الرئيس أن يكتفى بزيادة الكهرباء والا يقر مزيدا من تخفيضات الدعم بجميع أشكالها هذا العام أو هذه الموازنة، ارجو من الرئيس ألا نختصر العدالة الاجتماعية فى برامج شبكة الضمان الاجتماعى، والا نزيد من أعباء الطبقة المتوسطة، أو بالاحرى ألا نطرد الحلم من حياة هذه الطبقة.
ياريس لا توافق على خطة إجراءات خفض الدعم مهما كانت التكلفة الاقتصادية لأن التكلفة الاجتماعية والسياسية لتكون أكثر خطورة على طبقة هى المحرك لكل الاحلام والأهداف.