أحمد فايق يواصل كشف مصير 41 عالماً نووياً مصرياً فى الشتات
«الفجر» فى ضيافة حسن سويلم المهندس الذى بنى 21 مفاعلا فى ألمانيا وفرنسا وإسبانيا
أصبح كبيرا للمهندسين فى شركة سيمنز الألمانية لبناء المفاعلات
تدرب على يديه عبدالقدير خان الأب الروحى للبرنامج النووى الباكستانى
عمل مستشارا للبرنامج النووى الإيرانى ورفض السفر للعراق
حينما عاد إلى القاهرة قال له مسئول كبير: أنا لا أعرفك ولم أرك
1- دار مشتات ألمانيا فبراير 2014
لقد بدأت شفرات هذا الرجل العظيم تتضح، فنحن أمام حالة فريدة تستحق أن نترك بسببها حلم زيارة قبر رأفت الهجان!
د حسن سويلم ولد فى مركز أشمون محافظة المنوفية، وبعدما تخرج فى كلية العلوم جامعة عين شمس سافر فى بعثة إلى ألمانيا، وحصل على الدكتوراه من جامعة «بران شباينخ»، ثم التحق للعمل فى شركة سمينز لبناء المفاعلات النووية، إلى أن أصبح كبيرا للمهندسين فيها.
تخصص الدكتور حسن فى تصميم المفاعلات النووية فى البداية، وساهم فى تصميم 12 مفاعلا فى ألمانيا وفرنسا والهند.
لقد عمل هذا الرجل مستشارا للبرنامج النووى الإيرانى ثم مستشارا للبرنامج النووى البرازيلى ومستشارا للبرنامج النووى الإسبانى.
له 30 بحثاً علمياً فى مجالات الطاقة النووية وتخصص فى السنوات الأخيرة فى التخلص من النفايات النووية، ووصل إلى معادلة لتوفير تكلفة التخلص من النفايات الذرية، يتم تطبيقها فى ألمانيا وأمريكا وفرنسا.
نظر لى بابتسامة منتظرا عشرات من أسئلة لا تتوقف، وكأنه كان ينتظر هذه اللحظة، فقد ظل طوال عمره مجهولا فى وطنه لا يعرف عنه أحد شيئا، ومن يعرف يحاول أن يتجاهله أو يتجنبه، فقد كان يمتلك معلومات عن ملف يهرب الكثيرون منه بمجرد السماع.
تحدث عن مستوى التعليم فى جامعة عين شمس عام 1959 قائلا كانت العلاقة بين الأساتذة والطلبة علاقة شخصية.. كان الشرح والتوضيح مكثفاً جدا خاصة فى الفيزياء الخاصة التى هى مجال تخصصى، فهناك فرق كبير بين جامعة عين شمس وجامعة القاهرة من حيث مستوى التعليم فى الكلية.. فكان الطالب يحصل على المعلومات من المكتبة والأساتذة بطريقة طيبة جدا وذلك عكس الوضع الراهن من حيث وجود وسائل كثيرة للحصول على المعلومات مثل الإنترنت وغيره.
هنا لا يستطيع العالم النووى حسن سويلم أن ينسى مشهد تكريم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر له قائلا: كان هناك 4 جامعات هى القاهرة.. عين شمس.. اسكندرية.. والأزهر.. ولكل قسم شهادات يستلم الأوائل منهم شهادات من الرئيس فى صالة جامعة القاهرة.. وهو مشهد تكريمى لا أستطيع أن أنساه، رئيس الجمهورية بنفسه يكرم أوائل الجامعات.
وانتقل عالمنا النووى إلى ألمانيا، فى إطار البعثات التعليمية العادية، كان يحلم أن يحصل على الدكتوراه فى ألمانيا ثم يعود إلى مصر لتحقيق أحلامه لكن الواقع أكثر مرارة وقتلا من تسريب إشعاع نووى، قال لى «لقد تخصّصت فى المجال الهندسى وتلقّيت عروضاً من شركات للبناء وشاركت فى بناء 12 مفاعلاً نووياً.. وقدّمت استشارات لدول كثيرة مثل الهند وغيرها، والأساس فى عمل القنبلة النووية ليس المفاعل لكن القدرة على فصل اليورانيوم 235.
لقد كان يعمل عالمنا النووى حسن سويلم فى نفس الشركة بجوار عبد القدير خان الأب الروحى للبرنامج النووى الباكستانى، بل كان يسبقه وساعده فى بدايته «ساعدته فى نفس المجال فعندما لاحظ الألمان أنه لم يأت ليشتغل بل ليسرق المعلومات تركوه وذهب لهولندا وعمل فى نفس المجال وقام بتصوير هذه الأشياء بمبلغ من المال وأخذها إلى باكستان». عبد القدير خان هو مهندس فى علم السبائك وحصل على الماجستير من جامعة برلين، وأكمل فى هولندا.
فى حياة عبد القدير خان نقطة تحول مهمة كان يمكن أن تكون نفس النقطة فى حياة د. حسن سويلم أو غيره من علماء الذرة المصريين بالخارج، لقد أرسل عبد القدير خان رسالة إلى رئيس وزراء باكستان «ذوالفقار على يوتو» كتب فيها: حتى يتسنى لباكستان البقاء كدولة مستقلة فإن عليها إنشاء برنامج نووى».
وبعد وصول الرسالة بعشرة أيام استدعاه رئيس الوزراء، وفى عام 1975 طلب منه عدم العودة من هولندا، فقد قررت باكستان أن تكون دولة مستقلة فى قراراتها، وتم إنشاء وحدة بحوث خاصة فى مدينة «كاهوتا» وتحولت لتخصيب اليورانيوم وأصبحت تحمل اسم العالم الكبير.
مصر كان لديها عشرات من الأسماء التى لا تقل عن عبد القدير خان، بل حسن سويلم فعليا سبق خان فى المجال ولديه خبرات أكبر، سألته: فى هذه الفترة كان هناك مشروع نووى مصرى.. هل تم اتصال بينك وبين القاهرة؟
ذهبت إلى القاهرة وكلمتهم عن الوضع الراهن وماذا يمكن أن نفعل وقدمت تقرير 3 صفحات.. وبعد قراءته قيل لى من شخص مسئول: أنا لم أرك ولا أعرفك..!
■ بعد موجة الاغتيالات التى تعرّض لها مجموعة من العلماء المصريين.. هل شعُرت بالقلق خاصة أنك متفوق فى تخصّص نادر جدا؟
- البعض منا تلقى دعوة من السفارة العراقية ليعمل فى العراق فكان الاحتياط أكثر فى تلك الفترة خاصة عندما بدأ صدام حسين فى بناء ايزاك.. ورفضنا أنا والزملاء رغم العروض المالية..
■ لماذا رفضت هذا العرض على الرغم من أنك نبّهت المسئولين المصريين بوجود هذا المجال الجديد؟
-لا لم أقل لمسئولين مصريين هذا الكلام.. لكن عندما ُضرب المفاعل العراقى كتبت مقالاً وأرسلته للأهرام ذكرت فيه كيف تم ضرب المفاعل وبأى طريقة ولماذا تم ضربه وكانت هذه مدّبرة.. وذلك لأنى لم أكن أريد الشهرة لكن من أجل البلد ليس إلا..
وبالطبع كل محاولات حسن سويلم للوصول إلى صناع القرار فى مصر ومحاولة توصيل وجهة نظره فشلت، فقد كان هناك من يعمل فى مصر ضد الحلم النووى، وأفقدنا الكثير من الخبرات العالمية.
■ هنا سألته: لماذا رفضت التعاون مع العراق ووافقت على التعاون مع إيران؟
- إيران لجأت لى فى المحطات الحرارية حيث كانت أيضاً مجال تخصصى «الغاز والبخار» وأرادوا أن يبنوا 18 محطة فى شمال إيران وعملت معهم لفترة.. حيث زرت إيران 7 مرات والهند 10 مرات.. ويمتاز الهنود بالدأب على العمل بصورة ممتازة وهم مهتمون جدا بالعلم..
والطاقة النووية فى المجال السلمى استخدامها الأساسى عمل محطات حرارية لإنتاج الكهرباء.. وتختلف هذه المحطات من حيث الحجم من 200 ميجا وات لـ1340 ميجا وات.. واليورانيوم هو عبارة عن مادة خام موجودة فى الطبيعة فى مصادر طبيعية مثل فى الصحراء الشرقية ومن مصادر أخرى مثل الفوسفات.. يتم وضع اليورانيم فى عواميد طاقة... وكمية اليورانيوم الـ235 الموجودة فى المفاعل وزنها حوالى 100 طن وهذه المحطات الحرارية تستطيع أن تصل لطاقة ما بين 100 – 1340 ميجا وات.
يحاول العالم النووى حسن سويلم أن يقول شيئا ما بين السطور، ربما يريد أن يلمح إلى أنه حينما عمل مستشارا للبرنامج النووى الإيرانى كانت محطات حرارية فقط ولم تتخط هذا فى البداية، لكن فى العراق الوضع مختلف، وهو لم يكن على استعداد للمخاطرة من أجل بلد آخر غير مصر.
■ نريد أن نعرف منك فكرة عن المفاعل النووى ما حجمه وعدد العاملين فيه؟
- التكاليف حاليا حوالى 5,5 مليار دولار سعر المفاعل النووى.. ويحتاج المفاعل لحوالى 2000 عامل للبناء وحوالى 600 عامل للعمل فيه بعد ذلك.
■ ما العمر الافتراضى للمفاعل النووى وما النفايات النووية؟
- المفاعل عمره الافتراضى 40 سنة والنفايات النووية هى 200 متر مكعب نفايات نووية منها شديد الإشعاع ومنهم متوسط الإشعاع ولابد الأول من تخزينه ونقله إلى مكان آمن ويتم دفنه.. ولم يتم التوصل حتى الآن إلى طريقة للتخلص الآمن من النفايات النووية.
■ أين يدفن الألمان النفايات النووية؟
- فى جبل اسمه «قصر بيرك» يتم وضع النفايات فى بلالين ويتم تخزينه بطريقة معينة وكنا نظن أنها طريقة آمنة ولكن النتيجة الآن بدأت المياه تنزل والملح ينزل والمواد النووية تظهر تانى.
■ ما الفرق بين المفاعل النووى للطاقة السلمية وبين القنبلة النووية؟
- لعمل القنبلة النووية لابد من وجود شيئين أساسيين هما يورانيوم 235 بتركيز من 80-90% على الأقل يا بلوتونيوم ولابد من التعامل معه بطريقة آمنة ولعمل القنبلة النووية نحتاج منه من 30-35 كيلو فقط.. وهو موجود فى أمريكا.. روسيا.. إنجلترا.. فرنسا..
الآن الدكتور حسن سويلم يرى علاقته بمصر وألمانيا مثل العلاقة مع الزوجة والأم، فهو مازال يعيش فى دارمشتات يستمتع بمتابعة أحوال الجيل الثانى والثالث من المهاجرين المصريين، مشغول أكثر بتأصيل اللغة العربية عند الأجيال الجديدة، يرى أن مصر هى الام وألمانيا هى الزوجة، ولا تعارض بين الاثنين، يعتقد أن عمره الآن لا يسمح أن يعطى كثيرا مثلما كان فى السابق، لكنه متأكد من وجود الكفاءات العلمية الشبابية والخطط التى تستطيع عمل الكثير، قال لى وهو متأثر «لو فى 10% من الناس المخلصين فى البلد مصر هاتوصل».
العالم المصرى مازال يستمتع بصوت أم كلثوم، وكان دائما يستمع له فى مكتبه فى أكبر المفاعلات النووية فى العالم، ويستمتع بها زملاؤه من بلاد مختلفة، فهى سيدة عظيمة استطاعت بفنها أن تغزو وجدان المصريين فى أى مكان بالعالم.
2- أوتاوا.. كندا
كانت فرصة طيبة للتواصل مع هذا الرجل العظيم، يبدو مكتبه عشوائياً فيه زحام وفوضى من أوراق وطلبة من كل الجنسيات، صوته قوى جدا تستطيع أن تميزه من بين عشرات الأصوات، وراء هذه الفوضى عبقرية كبيرة وتاريخ لا يعرفه الكثير من المصريين، إنه البروفسور عبد الحليم عمر أستاذ هندسة النقل فى كندا، هذا الرجل ابتكر «هراس» أو «وابور زلط » ينافس به نفس الجيل من الشركات الأمريكية الكبرى، وستأتى فرصة للكتابة عنه تفصيليا فيما بعد.
كان ثروت مصطفى مخرج برنامج مصر تستطيع يمارس هوايته المعهودة فى اختيار مكان مناسب للتصوير، وتبدو ملامح وجهه جامدة تعطى شعورا لمن حوله أنه جاد أكثر من اللازم، ويحاول المخرج المنفذ مؤمن خاطر الحفاظ على المعدات ووضعها بالشكل السليم، هنا اقتنصت الفرصة للحديث مع العالم عبد الحليم عمر، فهو ليس واحدا من أشهر أساتذة النقل فى كندا والعالم، بل أقرب إلى عمدة المصريين فى أوتاوا العاصمة الإدارية لكندا، سألته: أين علماء الذرة المصريين فى أوتاوا، فقال يجب أن تقابل الدكتور على مرتضى هذا الرجل مهم جدا ويفهم جيدا فى الملف.
قبل أن أتحدث إليه وجدت جملة واحدة عنه على الإنترنت «مهندس بترول متقاعد».
هناك شىء غير مفهوم، البروفسور عبدالحليم دقيق ولا يعطى معلومة دون أن يكون متأكداً منها، أجريت مزيدا من البحث المتعمق، ولم أجد عنه سوى سطر واحد على الإنترنت، الدكتور على مرتضى «هيئة السلامة النووية الكندية»، ولم أجد عنه المزيد لنبدأ سويا رحلة البحث عن عالم نووى مصرى جديد فى كندا.. وفى هذا حديث آخر.