منال لاشين تكتب: أسرار وحكايات أزمة حكومة على صفيح ساخن
■ نساء المجلس الاقتصادى للرئيس يُطحن بثلاثة وزراء وكارت البنزين
■ خناقة بين مكرم محمد أحمد وشادى الغزالى حرب تنهى جلسة إنقاذ أحمد موسى من السجن
■ وزير يفاجأ بترشيح صديق له فى وزارته دون أن يخبره أحد برحيله عن الوزارة
■ محلب اتصل بوزير الداخلية لسحب البلاغات ضد الصحفيين بعد تليفون من الرئاسة
■ آخر خلاف فى الحكومة: تطبيق الزيادة فى أسعار الكهرباء على ثلاثة أعوام بدلاً من خمسة
انتهت يوم الاثنين الماضى الفصل الأول من أزمة الصحفيين مع الدولة. وذلك عن طريق تنازل وزارة الداخلية عن كل البلاغات التى قدمتها ضد صحفيين وصحف وكان آخرها اليوم السابع، التنازل جاء وسط اجتماع لمجلس نقابة الصحفيين مع رؤساء التحرير لمناقشة الهجمة الجديدة على الصحافة. ولذلك لم يتغير مسار الاجتماع لأن بلاغات الداخلية كانت إحدى حلقات مسلسل الهجوم والعداء للصحافة والإعلام. كان رئيس الحكومة المهندس إبراهيم محلب قد طلب من وزير الداخلية التنازل عن البلاغات وأقنعه أن العداء مع الصحافة لا يفيد أى أحد. وتدخل محلب جاء بناء على إشارة رئاسية بضرورة حل الأزمة بين الصحافة ووزارة الداخلية.
محلب يؤدى عمله كالمعتاد رغم الحديث المتكرر وبعضه صحيح عن أن التعديل الوزارى قد يصل إلى تغيير رأس الحكومة، وتجرى الآن ومنذ أسبوعين اتصالات ببعض الشخصيات العامة وأساتذة الجامعات وشخصيات اقتصادية لعرض بعض الحقائب الوزارية عليهم. وقد وقع حادث مثير جدا خلال هذه المفاوضات. فقد جرى الاتصال بأحد الشخصيات لعرض إحدى الوزارات فى المجموعة الاقتصادية.. ولم يدر المتصل أن هذا الشخص صديق شخصى جداً للوزير الذى يعرضون عليه الوزارة. ولم يكتف الرجل بالاعتذار ولكنه حذر صديقه الوزير من احتمال رحيله.
وأنا لا أروى هذه القصة من باب النميمة السياسية. ولكن لأن هناك أسلوباً وطريقة تحفظ كرامة الوزراء حتى ولو اختلفت معهم. إن ما جرى مع الدكتور حازم الببلاوى لا يجب أن يتكرر مع محلب. والطريقة الصادمة التى جرى بها التعديل الوزارى الأخير يجب أن تنتهى إلى الأبد. لأن هذا وذاك يضعف فرص العثور على رئيس حكومة أو وزراء. فمن حق الشاغرين لهذه الوظائف أن يضمنوا خروجاً آمناً ومشرفاً ما داموا بذلوا كل جهدهم. وفى العالم كله هناك طريقة وحيدة لتغيير الحكومات. هذه الطريقة أن يتم الإعلان عن رحيل الحكومة إما بالإقالة أو بالاستقالة. ويتم تكليف نفس الحكومة بالاستمرار كحكومة (تسيير أعمال) وبعد الإعلان تبدأ مشاورات البحث عن رئيس حكومة وعن تشكيله الوزارى. ولكن أن يفاجأ وزير أو رئيس حكومة بخروجه وأنه تم الاتفاق مع خلفه وهو يعمل ودون أن يدرى.. فبصراحة هذه طريقة مهينة ولا يجب أن تكون الأسلوب المتبع فى مصر الجديدة.
خاصة أن الكثير من الخبراء والشخصيات العامة أصحبت تخشى من قبول المناصب العامة. وترفض خوض عالم السياسة. وإذا استمر طريقة رحيل الحكومات بالشكل المفاجئ والذى يحمل الكثير من الإساءة فإننا سنقابل بالمزيد من الرفض لدخول الوزارة والمزيد من المعاناة فى الحصول على شخصيات محترمة تتحمل مسئولية العمل العام.
تمثل أزمة تأجيل أو إلغاء كروت البنزين مدخلاً مناسباً جداً لحكاية الصراع أو على الأقل الاختلافات الكبرى بين الحكومة والمجلس الاقتصادى الرئاسى «والمجلس ترأسه سيدة وأغلب أعضائه من السيدات». وكان المجلس الاقتصادى الرئاسى هو آخر مجلس استشارى تم إطلاقه من سلسلة المجالس الاستشارية التابعة لرئاسة الجمهورية. ومع ذلك فهو أكثر مجلس أثار جدلاً ومشاكل. فمعظم المشروعات والتوجهات الاقتصادية لحكومة محلب لا تلقى قبول المجلس. من قوانين الضرائب لقوانين الاستثمار، ولكن الحكومة وجدت نفسها فى أسوأ موقف يوم إعلان تأجيل منظومة كروت البنزين. فقبل بدء تطبيق المنظومة بـ 48 ساعة صدر بيان من الرئاسة بأن الرئيس يوجه الحكومة لتأجيل التنفيذ. وكان بعض الوزراء قد اقترحوا تأجيل التنفيذ إلى ما بعد شهر رمضان لأن الناس شعرت بالقلق وبدأت فى تخزين البنزين والسولار. وكان من رأى هؤلاء الوزراء أن الشعب المصرى يتميز بالعصبية قبل الإفطار وسوف تحدث مشاكل وخناقات كثيرة لو تم التطبيق قبل رمضان. ولكن تأجيل التنفيذ إلى ما بعد شهر رمضان ليس له علاقة بما حدث فى الاجتماع مع المجلس الرئاسى الاقتصادى. فقد وجهت انتقادات فى الاجتماع للمنظومة وأن الحكومة تعجلت فى التطبيق وذلك على الرغم من وجود قطاعات أخرى لم يشملها الكروت. وكروت البنزين تختلف عن كروت التموين، وأن التحول لكروت البنزين والسولار سيواجهه مشاكل، خلافاً للنجاح الذى صادف كروت التموين. وبعد الاجتماع صدر البيان الرئاسى بتأجيل تنفيذ منظومة الكروت. ووقعت الحكومة فى أزمة عويصة على كل المستويات وعجزت عن الرد على وسائل الإعلام.
وكان المجلس قد اشتبك فى خلافات مع وزيرى المالية والاستثمار حول قوانين الضرائب والاستثمار، وأحدث أزمة نشبت بين المجلس ووزير الإسكان الدكتور مصطفى مدبولى حول مشروع الألف مصنع. فالمجلس حمل وزير الإسكان مسئولية عدم الانتهاء من البنية الأساسية للمصانع بينما ترى وزارة الإسكان أن المشروع كان مبهماً ولم يدرس جيداً ولم تصدر تعليمات واضحة بخصوص المشروع.
الخلاف فى حد ذاته ليس مشكلة. لأن الخلافات فى الرأى من طبائع الأمور. ولكن المشكلة فى الخلافات التى ذكرتها أنها باتت تمثل ازدواجية فى العمل التنفيذى وتعطل مشروعات أنفق عليها ملايين الجنيهات.
آخر خلاف كان بين كواليس الحكومة يخص زيادة أسعار الكهرباء بعد قرار الرئيس السيسى بإلغاء زيادة الكهرباء على الثلاث شرائح الأولى وحتى استهلاك 200 كيلو. وتحميل الشرائح الأعلى استهلاكا الأموال الناتجة عن عدم تحميل الفقراء. فقد رأى بعض الوزراء أن قرار الرئيس واضح وهو إعادة تحميل الشرائح الأربع الأخرى هذه الأموال وتنتهى القصة. ولكن وزير الكهرباء كان له رأى آخر. وهو أن يتم ضم زيادة يوليو المقبل والسنة التى تليه على الشرائح العليا. على بلاطة أن تقوم الحكومة برفع أسعار الكهرباء على ثلاث سنوات بدلا من خمس سنوات التى أعلنت عنها. وزير الكهرباء برر رأيه بأن هذه الطريقة ستخفف من عبء زيادة العجز فى الموازنة وستنهى أزمة رفع الأسعار كل عام. ولكن بعض الوزراء حذروا من أن ضم الزيادتين معا سيزيد من فاتورة يوليو بنسبة كبيرة، خاصة أن الشرائح التى ستخضع للزيادة ستتضمن بعض شرائح الطبقة المتوسطة. والأخطر من وجهة نظرى ألا تتخذ الحكومة قراراً ثم تتراجع عنه بعد تدخل الرئيس. لأن الزيادات ستكون مؤثرة فى حالة تطبيق فكرة وزير الكهرباء خاصة على الطبقة المتوسطة. وهو ما يعرض الفكرة إلى الرفض من جانب الرئيس مرة أخرى. والتراجع الكثير يؤثر على شكل الجميع.
لا أظن أن الدكتور أسامة الغزالى حرب قد تلقى هذا الكم من المكالمات والتوسلات من قبل. فالدكتور أسامة يتلقى الآن أكثر من 100 مكالمة تليفونية. والسبب هو مطالبات العديد من أهل السياسة والإعلام والصحافة لأسامة بقبول التصالح مع الإعلامى أحمد موسى. وكان القضاء قد حكم على موسى بالحبس عامين فى القضية التى تقدم بها الغزالى. لأن موسى وصف الغزالى بأنه عميل وجاسوس. وبعد صدور الحكم أصبح موقف أحمد موسى حرجاً جداً. ولم تتدخل الرئاسة على الإطلاق فى الأزمة نظرا لاستقلال القضاء ولكن بعض الإعلاميين غضبوا من وصول زميلهم موسى لباب السجن. وقاموا بالاتصال بالغزالى ليوافق على التصالح مع موسى. وذلك فى إطار اتفاق باعتذار مباشر وصريح من موسى للغزالى على الهواء. واعتبر أعضاء بمجلس نقابة الصحفيين أن الغزالى يضع النقابة فى موقف حرج لأنها ستكون سابقة تغل يد النقابة فى الدفاع عن أعضائها. فإذا كان الصحفيون يقومون بحبس بعضهم البعض. فكيف ستطالب النقابة الآخرين بعدم تحريك قضايا ضد الصحفيين. وقد نقل أكثر من عضو نقابة هذا المعنى لأسامة الغزالى حرب. وركزوا على أن الغزالى كان عضواً بل وكيلا لمجلس نقابة الصحفيين ومدافعاً عن الحريات. ولكن هذا الكلام لم يدفع الغزالى بالموافقة على الصلح مع أحمد موسى. وأخيرا وافق الأستاذ مكرم محمد أحمد شيخ نقباء الصحافة على الذهاب إلى بيت أسامة الغزالى ومحاولة إقناعه بالصلح، واستبشر الكثير من أصدقاء موسى بهذه الخطوة. ولكن حدث ما لم يكن فى الحسبان فقد وجد مكرم لدى أسامة ابن شقيقه شادى الغزالى حرب. وشادى من قيادات ثورة 25 يناير. وشباب ونشطاء 25 يناير لديهم موقف غاضب جداً من موسى. وذلك بسبب موقفه أو بالأحرى هجومه الشرس على ثورة 25 يناير وشبابها وقياداتها. ودخل شادى فى مناقشة ساخنة جداً مع مكرم. اعتبر شادى أن موسى يستحق الحبس، ليس بسبب هجومه على عمه أسامة، ولكن بسبب تهجمه على ثورة 25 يناير. واحتدم النقاش بين مكرم وشادى. ووصل الاحتدام إلى الدرجة التى تعذر معها استكمال مكرم لمهمته ولكن أسامة قال لأصدقاء أنه يثمن زيارة مكرم كثيراً. ويجرى سياسيون وإعلاميون من خصوم موسى محاولات مستميتة لإقناع الغزالى حرب بقبول اعتذار أحمد موسى لإنقاذه من السجن. لأن هؤلاء السياسيين والإعلاميين يرفضون مبدأ السجن فى قضايا الصحافة بشكل عام وبصرف النظر عن انتماء المتهم سياسياً أو بالأحرى الاختلاف معه. أسامة الغزالى وأحمد موسى ينتميان لذات المؤسسة الصحفية (الأهرام) ولذلك تدخل بعض كبار الكتاب فى الأهرام لإقناع الغزالى بالتنازل عن القضية وقبول التصالح. كتاب الأهرام قالوا للغزالى مش معقول يسجن زميلاً له فى الجريدة فكان رد الغزالى وبرضة مش معقول إنه يقول على زميل إنه خاين أو عميل.
وحتى الآن لم يستطع أى من الوسطاء الكُثر بالوصول للغزالى لمرحلة الاقتناع النهائى بالتصالح مع أحمد موسى.