د. نصار عبدالله يكتب: الذكرى الـ 45
فى مثل هذه الأيام من 45عاما، تحديدا فى يونيو 1970صدر ديوانى الأول «الهجرة من الجهات الأربع»...لم يكن ديوانا بالضبط، لكنه كان فى الحقيقة ربع ديوان!! ومع ذلك فقد فرحت به يومها فرحا كبيرا لأنه كان أول مجموعة لى يضمها غلاف، حتى إن اشترك معى فيه ثلاثة شعراء آخرون هم: أحمد سويلم وفرج مكسيم وعمر بطيشة!!
فكرة الدواوين المشتركة كانت من وضع وتنفيذ الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور الذى كان فى ذلك الوقت مديرا للنشر فى دار الكاتب العربى «التى أصبح اسمها بعد ذلك الهيئة المصرية العامة للكتاب»، وكان من رأيه أن جمع شاعرين أو ثلاثة أو حتى أربعة فى ديوان واحد سوف يتيح الفرصة لعدد أكبر من الشعراء لكى ينشروا مجموعاتهم الشعرية، وقد بدأ هذه التجربة بالفعل فى عام 1968 حيث نشر ديوان: «الدم فى الحدائق» الذى صدر فى شهر ديسمبر من العام سالف الذكر لثلاثة شعراء هم محمد مهران السيد، وحسن توفيق، وعزالدين المناصرة.. لم يبق الآن منهم على قيد الحياة سوى عزالدين المناصرة الذى يعمل حاليا رئيسا لقسم اللغة العربية بجامعة القدس العربية بالأردن، والذى أتيح لى منذ سنوات أن ألتقى به فى أحد المؤتمرات الدولية، حيث استعدنا معا ذكريات تلك الأيام من ستينيات القرن الماضى التى احتضنتنا فيها مجلة الآداب البيروتية كبرى المجلات الثقافية إذ ذاك والتى راحت تنشر إبداع جيلنا كله على امتداد الوطن العربى بأكمله من شعر وقصة ومسرحية ومقال، ومن خلالها عرِفنا حتى فى بلادنا، فقد كان النشر فى «الآداب» هو بمثابة الوثيقة المعتمدة للانتماء إلى عالم الأدب والفكروالثقافة، وقد حدثنى المناصرة كيف أنه فرح فرحا كبيرا بصدور «الدم فى الحدائق» رغم أنه لم يكن أول ما ينشر له من مجموعات شعرية، فقد سبق أن صدر له قبل ذلك ديوان: «يا عنب الخليل»، التى يغنى فيه لمسقط رأسه فى أرض فلسطين التى استولى عليها الصهاينة، ورغم أنها فى الأصل أرض كنعانية بناها الكنعانيون «العرب» وأطلقوا عليها اسم «ربع»، إلا أن القائد اليهودى يوشع أو يشوع كما تسميه التوراة «وهو شخصية مشكوك فى وجودها التاريخى أصلا»... أطلق عليها حبرون بدلا من ربع!، فى حين أطلق الكنعانيون عليها: «الخليل» وهو الاسم الذى ما زالت تعرف به فلسطينيا وعربيا فى حين أن اللغات الأوروبية جميعا قد اعتمدت اسم حبرون.. ربما كان هذا من بين ما جعل المناصرة يقول متألما فى قصيدته «ياعنب الخليل» التى يحمل ديوانه الأول اسمها، والتى اختارها فى الوقت نفسه لكى تكون من بين القصائد التى وردت فى مجموعته التى ضمها الديوان الثلاثى المشترك، يقول: «ومرمرنا الزمان المر ياحبرون!!»..أعود بعد هذا الاستطراد إلى ديوان «الهجرة من الجهات الأربع» الذى كان يمثل لى ولعمر بطيشة المجموعة الشعرية الأولى، أما أحمد سويلم فقد كان قد صدر له من قبل ديوان: «الطريق والقلب الحائر»، وكذلك فرج مكسيم الذى كان قد صدر له ديوان: «فلسطين فى القلب»، ولم يكن فرج فلسطينيا مثل المناصرة لكنه كان مصريا صعيديا من أبناء محافظة المنيا، لكن فلسطين لم تكن فى ذلك الوقت على الأقل فى قلب الفلسطينيين وحدهم، ولكنها كانت فى قلب كل مصرى وكل عربى، وأظنها لا تزال رغم تلك القلة من الشباب المتأمركين والمتصهينين الذين بدأوا يتسللون للأسف إلى حياتنا.