حسين معوض يكتب : سلِّم نفسك لأقرب ماكينة صراف آلى.. «الجنيه هيختفى»

مقالات الرأي



■ تحصل على القرض من خلال ماكينات ATMالناطقة.. الأموال «الكاش» جريمة قد تدفع بك إلى السجن .. المستقبل لـ «المينى بنك» وعدد العملاء يتجاوز 70 مليون عميل خلال 10 سنوات..

■ خبير مالى يؤكد أن التجارة فى الزمن أكثر ربحا..  الفضاء الإلكترونى ينتظر الغزاة وتذاكر السفر مشفرة!

■ سوف تتحول كل ثروتك إلى نقاط فى حسابات بنكية وقد تتحول البنوك نفسها إلى بنوك إلكترونية بدون مقار ومبان بنوك تستقبل الرصيد من النقاط

قد يعتقد البعض أنهم بعيدون جدا عن التكنولوجيا وتحويل الرواتب على حساباتهم فى البنوك.. بعضنا قد لا يكون لديه مرتب ثابت من الاساس فكيف له أن يحصل على كارت أو ثروة مفاتيحها مشفرة على جواز سفره؟. لكن كثيرا من المعتقدات سوف يسقطها المستقبل القريب.. لقد دخل عدد كبير جدا من المصريين إلى عالم الكروت الذكية من خلال منظومة توزيع الخبز والبنزين والتموين وكروت التليفونات.. وقريبا جدا سوف تحتاج إلى تحويل ما لديك من أموال إلى كارت آخر به تشترى وتبيع أسهل وأرخص و أئمن .. أما أولئك الذين لا يرغبون فى دخول عالم كروت الدعم والمشتريات فهم أصلا لا يتعاملون بالنقود «الكاش» ربما لا تسعفهم ذاكرتهم الآن لتذكر شكل «الجنيه»..

الحنين إلى أوراق العملة لن يحمى «الدقة القديمة».. فمجرد حمل كمية كبيرة من النقود قد يدفع بك إلى داخل السجون.. فالكثير من الأموال السائلة يعنى أنها مجهولة المصدر.. قد تكون ناتجة عن عملية غسيل أموال صغيرة.. دخلك يجب أن يتحول إلى أرقام فى حسابك البنكى، ولا يهم ترجمة الحساب «قد يكون فى حسابك دولارات أو جنيهات أو نقاطًا بها تشترى وتبيع أو ساعات سفر مجانية مثلا».

صدمنى هشام عكاشة رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى قائلا: «فى بعض الدول يمكن أن تحصل على قرض كبير عبر ماكينة الصراف الآلى».. تخيلت المستقبل وأنا أقف أمام ماكينة ATM الناطقة لإخبارها بمجموعة من الأرقام تقوم هى بتحويلها إلى معلومات.. وقتها أطلب قرضا من تلك الماكينة فى الشارع.. وتأتينى رسالة «من فضلك ادخل كارتك لتحصل على قرضك المطلوب»..

قد يكون مستقبل النقود.. أو المستقبل بدون نقود أشبه باختراع الكهرباء لدى الكثيرين، لكن انقل لهؤلاء قول محمد الأتربى رئيس بنك مصر، صاحب أكبر عدد فروع بنوك فى مصر وعددها 504 فروع، يقول محمد الاتربى إن خطة البنك المركزى المصرى تستهدف الوصول بعدد عملاء البنوك من 11 مليون عميل إلى 54 مليون عميل على الأقل خلال سنوات معدودات.. والرقم يساوى عدد المقيدين فى جداول الناخبين، وقد يصل عدد الناخبين خلال السنوات العشر القادمة إلى 70 مليون ناخب ويصل معه أيضا عدد عملاء البنوك إلى 70 مليون عميل..

كلام محمد الاتربى ليس دربا من الخيال فقد بدأ البنك المركزى المصرى برئاسة هشام رامز فى تبنى سياسة الوصول إلى العملاء الصغار أفرادا أو شركات، وتقوم البنوك الآن بإنشاء ما يسمى «المينى بنك»، قد لا تتجاوز مساحة الفرع 80 مترا، وقد يكون مقره فى قرية صغيرة.. بنك مصر حسب كلام محمد الاتربى سوف ينشئ 250 فرعا صغيرا خلال 5 سنوات.. والبنك الأهلى قد ينشئ عددا مماثلا أو اكثر من الفروع الصغيرة، وكل البنوك لن يفوتها تلك الفرصة الذهبية للوصول لملايين العملاء ففى ايداعاتهم وقروضهم ومشترياتهم أرباح كبيرة.

الطريق إلى تأهيل المصريين للاستغناء عن النقود ايضا يمر عبر ما يسمى بشركات الاستعلام الائتمانى، من خلالها تصبح التعاملات مع البنوك أسهل.. لدى البنك المركزى شركة «اى سكور»، ويتم انشاء شركة أخرى للاستعلام عن الافراد الآن يرأسها السيد إيهاب السويركى.. وأكد لنا أن توفير التاريخ الائتمانى لكل فرد يعنى سهولة أن يحصل على قرض أو فيزا أو شراء منزل أو سيارة أو تمويل مشروعه.. التاريخ الائتمانى يعنى أن البنوك أو النظام المصرفى يعرف من أنت وكيف يتعامل معك..

أيضا تلعب بعض الشركات دورا كبيرا فى جرنا إلى المستقبل، مثلا شركة «اى فايننس» وترجمة اسمها «شركة تكنولوجيا تشغيل المنشآت المالية» تلك الشركة تغنى المؤسسات الحكومية عن طلب سيارة نقل الأموال شهريا لتمنح موظفيها رواتبهم، تصنع كروتا وتضع برامج ليتحول الراتب إلى الكروت البنكية.. الشركة التى يرأسها إبراهيم سرحان لن تستثنى مؤسسة أو شركة حكومية.. وتعمل ويعمل غيرها مع الشركات والمؤسسات التابعة للقطاع الخاص..

الشركات التى تعمل فى مجال الابتكارات الإلكترونية المالية هى التى ترسم مستقبلنا بالفعل.. فلا احد يعرف كيف سوف نفرق بين الدولار والجنيه واليورو فى المستقبل.. قد تدخل أنظمة «المقاصة» للفصل بين العملات، وقتها تستطيع أن تصرف أموالك أو تشترى بأى عملة من خلال نفس الحساب.

يعرف الدكتور محمد عبدالفضيل الخبير المالى والمصرفى أن الطريق إلى المستقبل حتمى، ومستقبل النقود معروف ومخطط له، ولكنه يطلب أن نسوق مستقبلنا، ليس لبيع المستقبل ولكن لشراء مستقبل أفضل.. يقول إن مصر من بين 9 دول يصفها الخبراء بأنها من مفاتيح الاستثمار فى العالم، لديها طاقة وطاقة بديلة، ولديها قوة بشرية مدربة وأخرى قابلة للتدريب، ولديها خريطة استثمارية فارغة تنتظر من يكتب فيها قائمة المشروعات والمصانع».

نقل لنا الجملة الشهيرة لأهم خبير تسويق فى العالم فيليب كتلر «لا يمكن خدمة العملاء بواسطة موظفين تعساء».. يقول عبد الفضيل انه للاسف الموظفون سواء فى شركات التكنولوجيا أو فى البنوك أو فى المصالح الحكومية هم الذين ينفذون الخطط الموضوعة للوصول للمستقبل.. ولو كانوا أكثر فاعلية وسعادة فسوف نصل للمستقبل بشكل اسرع وأفضل.. وتذكر قول بيل جيتس اسطورة التكنولوجيا «لو معى الف دولار لصنعت منتجا بـ 5 دولارات وسوقته بـ 995 دولارا».. فتسويق المستقبل أفضل من انتظاره.. فلنتعلم كيف نواجه عالما لا يمسك عملات ورقية أو معدنية فى يده.. وبالمناسبة هى اكثر الطرق فاعلية لمواجهة جرائم السرقة والسطو المسلح والاعتداء على أملاك الغير.. سوف تكون الشرطة الالكترونية هى حائط الصد أمام اللصوص والهاكرز.

فى النهاية سوف تتحول كل ثروتك إلى نقاط فى حسابات بنكية، وقد تتحول البنوك نفسها إلى بنوك إلكترونية بدون مقار ومبان، بنوك تستقبل الرصيد من النقاط عندما تبيع سلعة أو تتقاضى راتبا، أو تحول نقاطا إلى غيرك من حسابك عندما تشترى سلعة أو تدفع راتب عامل أو أجر سائق التاكسى.. وقتها سوف تشترى من أى مكان فى العالم وتبيع ما لديك لأى مستهلك فى العالم..

علينا الآن أن نحدد موقعنا على خريطة عالم إلكترونى فيه كل شىء للبيع والشراء.. مستقبل بدأت ملامحه بالفعل.. ومن يصل إليه أسرع يستطيع أن يحكمه.. الفضاء الإلكترونى ينتظر الغزاة وتذاكر السفر مشفرة!.