41 عالماً نووياً مصرياً غيّروا موازين القوى فى العالم

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


أحمد فايق يحقق من ألمانيا وكندا

قبل أن تقرأ

هذا التحقيق استغرق الإعداد له عامين، لم يكن سهلا أن تقابل عالما نوويا مصريا بالخارج، وليس سهلا أن تجد معلومات حولهم، القليل جدا متاح عنهم، مؤسسات الدولة فى مصر لا تعرف عن بعضهم شيئا، الأكثر صعوبة فى أن تقنعهم بالحديث لك، فمعظمهم لديه تاريخ سيئ من التجاهل، بعضهم جاءوا إلى مصر وعرضوا خدماتهم فوجدوا التجاهل والبيروقراطية، رأيت الدموع فى عين أحدهم حينما قال لى: «نفسى أعمل مفاعلاً نووياً فى مصر قبل ما أموت».

هذا التحقيق كان نتاج بحث فى مدن ألمانية كثيرة مثل برلين وهامبورج وفرانكفورت ودارمشتات ومدن كندية مثل أوتوا وتورنتو ومونتريال، لذا فالكتابة ليست سهلة كما تعودت، والذكريات والتفاصيل متفرقة تصنع فوضى معلومات، تريد أن تنتظم فى الكتابة، فنحن لا نكتب حكاية علماء نووين مصريين غيروا موازين القوى فى العالم، بل نتحدث عن حكاية وطن وحلم نووى تم إجهاضه من قوى عظمى وبعض الخونة بالداخل.

علماء النووى المصريون ليسوا فقط يحيى المشد وسميرة موسى اللذين اغتيلا على يد الموساد الإسرائيلى، هناك العشرات من علماء النووى المصريين فى الخارج، يبنون المفاعلات فى كل بلاد العالم، بعضهم يصل إلى تخصصات دقيقة وغير موجودة كثيرا فى العالم، تخصصات تجعل بعضهم تحت الرقابة الأمنية طوال اليوم.

هذا التحقيق رحلة للبحث عن أول دفعة للهندسة النووية فى مصر، والتى تخرجت فى جامعة الإسكندرية عام 1967، أين هم الآن ؟

ماذا يفعلون ؟

هل تفرقوا فى الشتات ؟

هل تعرض بعضهم للقتل ؟

كيف أعدهم عبدالناصر كى يحققوا الحلم النووى المصرى ليبنوا مفاعلات فى ألمانيا وفرنسا وكندا وأمريكا وهولندا والإمارات ؟!

رحلتهم فى محاولة إحياء الحلم النووى المصرى والإحباط الذى تعرضوا له، انتظارهم ولهفتهم لأى اتصال من مصر بعد 25 يناير و30 يونيو ليشاركوا فى بناء مفاعلات الضبعة الاربعة. . !

دار مشتات.. ألمانيا فبراير 2014

كنت فى زيارة إلى مدينة دار مشتات الألمانية مع فريق عمل برنامج «مصر تستطيع» المخرج مهاب زنون والمخرج المنفذ مؤمن خاطر، كالعادة كل واحد مننا يحمل حقيبة معدات لا تقل عن 40 كيلو على كتفه، مهاب يتجول بالكاميرا داخل القطار ومؤمن يصرخ فيه «حرام عليك هاتخلص البطاريات ومافيش وقت نشحن»، مهاب ينظر إلى مؤمن مبتسما ومتجاهلا صراخه ومواصلا متعته اليومية فى تصوير أى شىء مثير للاهتمام.

قلت لمهاب لدينا موعد مع مهندس مصرى اسمه حسن سويلم، المعلومات المتوفرة عنه ليست كبيرة لكن يقولون عنه إنه كان يعمل فى شركة سيمنز وهو الآن على المعاش، عامة هو لم يكن على جدول تصويرنا وهذا اللقاء غير ملتزمين بإذاعته، نظر لى مهاب منزعجا قائلا: لماذا نبذل كل هذا المجهود وندفع تذاكر قطار تصل إلى 500 يورو وأنت غير واثق من ضيفك ؟

قلت لمهاب: الهدف الرئيسى من الزيارة هو زيارة قبر رفعت على سليمان الجمال الشهير برأفت الهجان، فهو مدفون فى هذه المدينة، لمعت عينا مهاب قائلا: «على البركة، وواصل هوايته فى حرق البطاريات».

نعم كان الهدف من زيارتنا هو قبر رأفت الهجان، وعمل تحقيق عنه فى المدينة التى عاش فيها آخر سنوات عمره، فى محطة قطار دارمشتات قابلنا رجلاً طاعناً فى السن يتكئ على عصا غليظة، ويضع «طاقية» من الصوف على رأسه، رحب بنا، وعرض علينا مساعدتنا فى حمل الحقائب رغم أنه كان يسير بصعوبة، على باب محطة القطار وجدنا سيارتين بانتظارتنا، فى الطريق بدأ الرجل يتحدث لنا عن هذه المدينة البحثية العميقة التى يتواجد بها 150 معملاً بحثياً مهماً، وآلاف من الباحثين والعلماء.

وصلنا إلى مقر الجالية المصرية فى دارمشتات، حيث تتناثر الصور والكتب والتفاصيل المصرية الاصيلة، أم كلثوم. . ميدان التحرير. . علم مصر.

وظل يتحدث معى عن مأساة الجيل الثالث من المهاجرين ومحاولته إدماجهم فى الهوية المصرية، فمعظمهم لا يتحدثون اللغة العربية، ولا تربطهم علاقات وثيقة بمصر، فهم ولدوا فى ألمانيا، وآباؤهم وأمهاتهم فى ألمانيا، وليست لهم علاقة بمصر سوى الجذور، قال لى إنه يتألم حينما يرى أحد هؤلاء الشباب يقول: أنا ألمانى من أصول مصرية، فهو من جيل يقدم مصريته على كل شىء رغم أن ألمانيا قدمت له الكثير.

كاد الفضول أن يقتلنا لمعرفة هذا الرجل ؟

كنا نتسابق مع الزمن نريد أن نعرف من هو فى البداية. . ثم نقرر التصوير معه أم لا. . ثم نذهب إلى قبر رأفت الهجان.

وصل إلى مقر الجالية المصرية العالم المصرى د.هانى النقراشى الخبير فى مجال الطاقة الشمسية والمشهور جدا فى ألمانيا، وهو أيضا أحد مؤسسى مشروع ديزر تيك لتوليد الطاقة الشمسية فى شمال إفريقيا وتغطية 25% من احتياجات الاتحاد الأوروبى للطاقة، وكانت بصحبته زوجته فهيمة النقراشى، هانى النقراشى هو نجل رئيس الوزراء الأسبق محمود فهمى النقراشى الذى اغتيل على يد الإخوان، ورغم أنه ينتمى إلى عائلة عريقة وثرية، إلا أنه فضل أن يترك كل شىء بحثا عن العلم فى ألمانيا، قال لى د هانى «كويس إنك أخدت موعداً مع د.حسن سويلم الراجل ده مهم جدا».

نظر إلى د.حسن بابتسامة عميقة تخفى وراءها الكثير والكثير، كأنه يعرف أن الفضول سيقتلنى، لكنه لم يجب على أسئلتى إلا بعد ساعتين، تذوقنا فيها «شركسية» أعدتها لنا السيدة العظيمة فهيمة النقراشى، أخرج لى صورة فوتوغرافية لجمال عبد الناصر يكرم طالبا، وقال لى هذه الصورة التقطت 1959 فى كلية العلوم جامعة عين شمس تكريما لى لأننى تخرجت بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف فى قسم الطبيعة. وبعد قليل بدأت شفرات هذا الرجل العظيم تتضح، فنحن أمام حالة فريدة تستحق أن نترك بسببها حلم زيارة قبر رأفت الهجان !

د.حسن سويلم ولد فى مركز أشمون محافظة المنوفية، وبعدما تخرج فى كلية العلوم جامعة عين شمس سافر فى بعثة إلى ألمانيا، وحصل على الدكتوراه من جامعة «بران شباينخ»، ثم التحق للعمل فى شركة سمينز لبناء المفاعلات النووية، إلى أن أصبح كبيرا للمهندسين فيها.

تخصص الدكتور حسن فى تصميم المفاعلات النووية فى البداية، وساهم فى تصميم 12 مفاعلا فى ألمانيا وفرنسا والهند. لقد عمل هذا الرجل مستشارا للبرنامج النووى الإيرانى ثم مستشارا للبرنامج النووى البرازيلى ومستشارا للبرنامج النووى الإسبانى. له 30 بحثاً علمياً فى مجالات الطاقة النووية وتخصص فى السنوات الأخيرة فى التخلص من النفايات النووية، ووصل إلى معادلة لتوفير تكلفة التخلص من النفايات الذرية، يتم تطبيقها فى ألمانيا وأمريكا وفرنسا.

ليبدأ معه حوار مختلف حكى فيه عن علاقته بالأنظمة المختلفة فى مصر، وكيف استقبلوه حينما جاء إلى القاهرة لقد تعلمت بناء المفاعلات الذرية فى ألمانيا وأنا جاهز لخدمة مصر فى أى وقت، ومن ألمانيا إلى أوتوا فى كندا لمقابلة أو لعلماء ذرة مصريين من دفعة الهندسة النووية جامعة الاسكندرية سنة 1967، وفى هذا حديث آخر.