تقرير: "أردوغان" عاش على "جمل" الخيال.. فتفاجئ بـ"قطة" الواقع

عربي ودولي

بوابة الفجر



يجلس في قصره الأبيض المبني حديثاً، بغرفه وقاعاته الألف، بينما اكتملت خططه لإرساء دعائم رئاسة نافذة قوية، ولكن في اللحظة ذاتها، التي كان يتوقع أن يرى فيها نصراً متوجاً لتلك الخطط، بدا أن نجمه يأفل.

ولو أن هناك شعوراً واحداً جمع بين الأحزاب التركية المعارضة بعد انتخابات الأحد العامة فسيكون صدى لكلمة "لا" لحملة الرئيس رجب طيب أردوغان، من أجل تمهيد الساحة السياسية، لإنشاء تركيا الحديثة كما يراها.

ولا يزال حزب العدالة والتنمية الذي أسسه أردوغان في2001 الحزب الأكبر على الإطلاق، لكنه فقد لأول مرة منذ 13 عاماً، أغلبيته المطلقة وعجز عن تحقيق أغلبية الثلثين التي يحتاجها لتعديل الدستور، ولاح شبح التحالف لرجل لم يألف الحل الوسط.

طموح أردوغان وسلطته النافذة التي طالما لملمت شتات حزب يجمع بين إصلاحيين ليبراليين وعناصر قومية وأخرى من يمين الوسط، إضافةً إلى التيار الديني المحافظ عرضة الآن لتمزيق الحزب نفسه.

ويشعر أيضاً شركاء تركيا الغربيون في حلف شمال الأطلسي بالقلق من أي تبعات محتملة للاضطرابات السياسية، داخل أي دولة حليفة على حدود العراق وسوريا وإيران.

وقال أحمد إينسل، وهو كاتب عمود وأستاذ بجامعة غلطة سراي في إسطنبول: "يمكن تلخيص هذه النتائج في جملة واحدة: الناخبون قالوا كفى لأردوغان".

وكان أردوغان (61 عاماً) استقال من رئاسة الوزراء في أغسطس الماضي، بعد أن أمضى في ذلك المنصب أكثر من عشر سنوات كي يتولى رئاسة البلاد، وهو منصب شرفي إلى حد كبير خطط لتحويله لمنصب تنفيذي قوي.

وبعد أن استنفد كل القنوات التي أتاحها له الدستور أمسك بزمام الحكومة، فكانت اجتماعات مجلس الوزراء تعقد في قصره، كان يرى أنها مجرد مسألة وقت، إلى أن يقر البرلمان الجديد دوره الجديد.

ويقول منتقدوه إنه "لم يراع ما كان ينبغي أن يلتزم به كرئيس من علو فوق السياسات الحزبية". أما هو فخاطب ما يصل إلى ثلاثة تجمعات حاشدة قبل يوم واحد من التصويت مهمشاً رئيس الوزراء، وزعيم الحزب أحمد داود أوغلو، الذي اتهمه الرئيس بعدم بذل جهد يذكر للترويج لفكرة الرئاسة التنفيذية.

وقال مسؤول كبير في العدالة والتنمية: "أسلوب أردوغان أضعف داود أوغلو، أياً كان ما يردده أي شخص، فإن سيطرة أردوغان على العملية الانتخابية للحزب، وتدخله في الأحداث اليومية، أثارا عدم ارتياح في الحزب وبين الناخبين".

وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه خشية التنكيل به "أردوغان هو الزعيم الطبيعي، لا أحد ينكر هذا، لكنه كان يجب أن يترك عمل الحزب للحزب".

رسم خطة
أسس أردوغان حزب العدالة والتنمية في وقت كانت تركيا تنزلق فيه في أزمة مالية في 2001. وفاز الحزب بنصيب متنام من الأصوات في ثلاثة انتخابات برلمانية متعاقبة، خلال عقد شهد ارتفاعاً حاداً في الدخول وإرساء دعائم تركيا كقوة إقليمية.

لكن تشدده المتزايد مع المعارضة أفقده تأييد نصف الأتراك وترك البلاد في حالة انقسام حادة، بينما أصبحت المركزية سمة مثيرة للقلق من سمات حزبه العدالة والتنمية.

ويخشى بعض أعضاء الحزب أن يلقي إردوغان باللائمة في نتيجة انتخابات الأحد على داود أوغلو الذي يحاول تعزيز وضعه داخل الحزب أو أن يسعى للانتقام منه فيستبدله ببديل طيع.

وقال مسؤول كبير ثان بالحزب: "سيعتبر أردوغان هذه النتائج هزيمة لحزب العدالة والتنمية وسينتقد الحزب، هو دائماً يفكر في بديل لداود أوغلو".

وأضاف: "لا يقبل الهزيمة أبداً، لكنه لن يستطيع أن يفعل ما يحلو له في العدالة والتنمية بنفس السهولة التي كان يجدها من قبل، هناك مجموعة فائزة تحترم داود أوغلو، وهناك انتقادات داخل الحزب لأردوغان أكثر مما كان عليه الحال من قبل".

وفي تضارب صارخ مع أداء المحارب المنتصر الذي اعتاد أن يبديه بعد الانتخابات، تحدث إردوغان بلهجة تصالحية في أول حديث مقتضب له من مكتبه أمس الإثنين.

وقال: "رأي أمتنا فوق أي شيء آخر".

ليست النهاية
مقدام هو من يجرؤ على الوقوف في وجه أردوغان، الشخصية المتألقة على ساحة السياسة التركية الذي دخل السجن يوماً بتهمة التحريض والخطيب المفوه الذي يستحث همم مناصريه بأبيات الشعر العثماني، ويعد المتدينين المحافظين بعدالة، بعدما دهسوا لعقود تحت أقدام الحكومات العلمانية.

وأشيد باسم أردوغان في الداخل والخارج لما أنجزه من إصلاحات سياسية واقتصادية معظمها في فترتي رئاسته للوزراء الأولى والثانية. أما السنوات الأخيرة، إذ شهدت حكماً سلطوياً متزايداً، رغم أنه نهض من كبوة احتجاجات حاشدة وفضيحة فساد.

ويرى إتيان محجوبيان المستشار السابق لداود أوغلو، والذي شارك في تأسيس معهد بوديم للأبحاث أن أردوغان سيخرج سالماً من هذه العثرة.

وقال في الفترة التي سبقت الانتخابات: "إنه يبحث عن الشرعية من خلال الأصوات، وأياً ما ستقوله الأصوات فإنه سيقبله، وقته لم ينته".

وأضاف أن "السؤال بالنسبة لإردوغان هو: ما نوع الحزب الذي أريده وما نوع الحزب الذي يمكنه أن يحقق 50 % مرة أخرى". ويواجه أردوغان رياحاً معاكسة قوية.

وإن كان هناك زعيم للمعارضة يمكن مضاهاة شخصيته الكاريزمية بشخصية أردوغان، فسيكون ، زعيم حزب الشعوب الديمقراطي المناصر للأكراد، صلاح الدين دمرداش، فهو يبدي نجاحاً في كسب ود اليسار، ويسير بحزبه في دروب تتجاوز جذور القومية الكردية، ويدفعه لدخول البرلمان لأول مرة على حساب حزب العدالة والتنمية.

الاقتصاد التركي 
كما أن الاقتصاد التركي الذي طالما كان دعامة من دعائم نجاحات العدالة والتنمية الانتخابية بات إحدى نقاط ضعفه. فبعد سنوات من النمو المطرد ابتلي بالبطء، كما أن خطر التشدد المتزايد في سوريا والعراق المجاورين يلوح بقوة، في وقت يشهد اضطراباً في العلاقات مع الغرب وشركاء بالمنطقة.

ويرى محجوبيان أن "حزب العدالة والتنمية يجب أن يتطلع لجيل جديد من المحافظين الإسلاميين الورعين، والأكثر انفتاحاً في ذات الوقت على القيم العلمانية، وتقبلاً لها إن كان يريد استعادة ما كان يحظى به من تأييد".

وقال: "طيب أردوغان شخص يرتدي ثوب الأب في النهاية، ليس ديمقراطياً، لكن من ذا الذي يتحلى بالديمقراطية في السياسة التركية؟ لا أحد".

وتابع "أردوغان شخصية بالغة التأثير، لكن عند حد معين، وبعد هذا الحد عليه أن يتكيف وأن يتواءم وأن يتعلم، أما عن التعلم، فربما يحل سريعاً".

ففي حالة اضطرار حزب العدالة والتنمية لتشكيل ائتلاف، قد يرفض شريكه الأصغر قطع ذلك الشوط الطويل إلى قصر الرئاسة الذي بني بنحو 500 مليون دولار، ليعقد اجتماعات مجلس الوزراء تحت سمع أردوغان وبصره.

أما الرئيس، فهو ليس بالشخص الذي يجلس وحيداً في نعيم وبذخ، وينتظر ما تأتي به الأحداث.