عادل حمودة يكتب رسالة إلى السيسى: 3 إجراءات عاجلة لإنقاذ الحكم
1- قانون يمنع احتكار الإعلام
2- حظر استخدام المال لشراء النواب
3- وقف انحياز أجهزة الدولة لرجال أعمال لهم صلات بالخارج
■ رجل أعمال أمريكى من أصل مصرى يلتقى سرا برجال أحمد شفيق فى أحد فنادق وسط القاهرة.. وشباب من حزبه يعلقون صورته فى الشوارع ويعتبرونه رئيسهم
■ رجل أعمال يقود حملة ضارية لإسقاط ضريبة البورصة مجبرا الحكومة على رد ما تحصل منها.. لإثبات أن لوبى البيزنس أقوى وأشد
صعب أن أرسم لك حدود شعورى بالقلق.. فطالما هناك من يقص كل يوم جزءا من تحالف 30 يونيو.. وجزءا من تاريخى.. وطالما أن جثث الأبرياء الذين تحصدهم تفجيرات الإرهاب تطفو كل صباح على وجه فنجان قهوتى.. وطالما أن حياتنا السياسية والإعلامية تفجرت بالمشاجرات والاتهامات التى تهدد تماسك بلادى.
إن للكاتب هوائيات تسمح له بأن يرصد ما يجرى أسرع من غيره وأدق من غيره وبهذه الموهبة الربانية تصبح كلماته نوعا من النبوءة.
لست منجما.. أو ساحرا.. وليس عندى مفتاح الغيوب.. لكن.. كل ما أرصده من أحداث ساعة بساعة يجعلنى اكتشف الحقيقة مبكرا.. قبل الآخرين.. ولو بدقائق.. وأقدمها لهم على طبق من دهشة.
هناك شعور يسمم الهواء الذى نتنفسه بوجود مؤامرة على نظام الحكم القائم.. تتصاعد حدتها وتشتد سخونتها كلما اقتربنا من عيد ميلاد النظام.. يوم انتخب السيسى.. واليوم القريب من ذكرى ثورة يونيو.
والمقصود بالمؤامرة ليس ما يفعل الإخوان وحلفاؤهم فى الداخل والخارج.. فهؤلاء القتلة تجاوزا حدود التفكير إلى التدبير والتدمير.. وشنوا حربا متنوعة الأسلحة.. تفجيرات.. فضائيات.. تظاهرات.. واتصالات دولية وخفية.
المقصود بالمؤامرة ما يدبر بعيدا عن الإخوان فى تنظيمات وجماعات واتجهاهات أخرى لتحقيق نفس الهدف.. إسقاط النظام.. وتشريد الثورة.
والحقيقة أن لا جديد فى الشعور بوجود مؤامرة.. فمنذ سقوط الإخوان وذلك الشعور يفرض نفسه على غالبيتنا.. وتوجهت السهام ناحية الاشتراكيين الثوريين وستة إبريل وشخصيات لمعت فى ثورة يناير حتى قضى عليها.
وبعد أن هدأت الخواطر ناحية قطر والولايات المتحدة تقدمت تركيا صفوف المتآمرين فى الخارج وحظيت بسبب عناد حكامها بالجائزة الكبرى.
كما أن هناك من يروج لوجود مؤامرة إما لتغطية عجز ما أو رغبة منه فى التقرب من النظام بطريقة مرضية.. أو على الأقل الظهور بأنه عليم ببواطن الأمور.. وهى عقدة إعلامية قبل أن تكون مشكلة نظامية.
وكلما زادت مساحة الفراغ السياسى فى الداخل عاد الشعور بالمؤامرة ليفرض نفسه من جديد.. وسعت صحف ما إلى سد الفراغ بطريقتها المنفردة.. تحدثت عن مراكز قوى تتربص بالحكم.. وأشارت إلى رموز إعلامية وسياسية تشارك فى الهدم.. لكن.. كانت المعلومات غامضة.. موحية.. أكثر منها حاسمة.
وربما.. كان العنصر المشترك فى كل ما سمعنا وقرأنا وخشينا.. رجال أعمال.. هم جزء لا يستهان به من دورتنا الدموية.
رجل أعمال أمريكى من أصل مصرى يلتقى سرا برجال أحمد شفيق فى أحد فنادق وسط القاهرة وشباب من حزبه يعلقون صورته فى الشوارع ويعتبرونه رئيسهم.
رجل أعمال يحتكر الميديا ويسعى إلى السيطرة على البرلمان القادم ليشكل الحكومة بمعرفته.. ينافس الرئيس فى سلطاته.. ويجبره على القبول بتشريعات تدعم جماعات الثروة ولو على حساب الغالبية العظمى من الشعب المتواضع الحال.. واللافت للنظر أن ذلك الرجل الممتد الجذور مع الخارج تسانده أجهزة وتعارضه أخرى.
رجل أعمال يقود حملة ضارية لإسقاط ضريبة البورصة مجبرا الحكومة على رد ما تحصل منها.. لإثبات أن لوبى البيزنس أقوى وأشد.
رجل أعمال يطيح برئيس الشركة المصرية للاتصالات ليعطل إصدار رخصة جديدة للمحمول تملكها الدولة.
رجل أعمال يحرض إعلاميى قناته الفضائية على الرئيس.. والسعودية.. وعاصفة الحزم.. مما أفسد مناخ العلاقات الطيبة مع دول الخليج.
أصبح رجال أعمال وليس كل رجال الأعمال الفضيحة المعطرة التى تتناقلها المقالات والفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعى وجلسات النميمة الخاصة.. وكأنهم هم الذين يرسمون تقاطيع وجه النظام.. ويحددون طول قامته.. ويختارون لون عينه.. وكأنهم الذين يجبرونه على ما يرفض.. ويفرضون عليه ما يقبل.
بل.. أكثر من ذلك أشاع رجال أعمال حديث المؤامرة لضرب رجال أعمال غيرهم ينافسونهم فى الانتخابات القادمة.. ويتسابقون معهم على أعضاء نواب الحزب الوطنى المنحل ليكونوا نجوما مدللين فى البرلمان القادم.. يأتون إليه مجانا بتمويل من غيرهم.. فى حالة يصعب تصورها.. لم تحدث من قبل.
ولاشك أن فى ظل غياب تنظيمات حزبية ونقابية قوية تصبح الثروة عنصرا مؤثرا فى الحياة السياسية.. بل.. ربما كانت فى ظل تزايد الفقر والبطالة والفساد وسهولة شراء الذمم والضمائر العنصر الوحيد.
ولو كانت تلك الثروة تكونت فى بيئة عفنة خلقها نظام مبارك فإن أصحابها لحسوا أقدام النظم التى جاءت بعده.. بما فيها نظام الإخوان الذى أظهر لهم العين الحمراء وأخذ منهم ما شاء من مليارات دون أن يهمسوا.. ولو فى منامهم.. فما أخذ بالفساد لا يسترد إلا بالقوة.
لكن.. نظام السيسى بكل ما فيه من رقى فشل فى التعامل مع أغلبهم.. فلا هو نجح فى جمع تبرعات المائة مليار التى تخيل سهولة الحصول عليها ولا هو سلم من شرهم.. بل.. لم يكن هناك من ينبهه إلى شرهم ربما طمعا فى كرمهم أو جهلا بمآربهم.
وقد جرت العادة منذ مذبحة القلعة أن يتخلص كل نظام جديد من قوى النظام الذى سبقه.. عبد الناصر تخلص من أحزاب ما قبل الثورة.. السادات تخلص من شركاء الحكم الذين وصفهم بمراكز القوى.. مثلا.
لكن.. لو كان من السهل التخلص من القوى السياسية بضربات سريعة فإن من الصعب التخلص من القوى المالية بسيطرتها على السوق والنقد والتشغيل والاستثمار وبمد أذرعتها إلى الميديا والبرلمان بنفس السرعة.
وربما.. كان فلاديمير بوتين فى روسيا الوحيد الذى حقق نجاحا يذكر فى مثل هذه الحالة.. ولعل ما فعل يجسد خبرة نادرة فى تجربة صعبة يمكن للسيسى الاستفادة منها.. خاصة أن بين الرجلين تقدير مبتادل وكيمياء نشطة التفاعل دون عناصر مساعدة.. وتأكد ذلك بوضوح خلال لقاءاتهما الأربعة التى جرت منذ فبراير 2014 حتى فبراير 2015 فى موسكو والقاهرة.
ولعل تشابه الحل يأتى من تشابه الظروف.. وتشابه المتاعب.. وتشابه خلفية الرجلين.. روسيا عانت من نظام مضطرب تسبب فيه بوريس يلتسين ومصر خرجت من نظام مدمر تسبب فيه محمد مرسى.. ورغم أن بوتين والسيسى خدما فى أجهزة مخابرات فإن بوتين اختير ليكون غطاء لجماعات الفساد فى الكرملين وإن خيب آمالها بينما جاء السيسى بطلب من شعب قام بثورتين فى سنوات أقل من أصابع اليد الواحدة.
وتصادف أن وصل كل منهما إلى الحكم بدعم كبير من النساء وفى وقت كفر فيه الشعبان الروسى والمصرى بنمط التنمية الرأسمالية المفتوحة على ساحة دولية شرسة بعد تدهور حال الطبقات الدنيا والوسطى.. وأحس الشعبان بحنين لمجد قديم.. وقت أن كانت روسيا إمبراطورية.. ومصر قوة إقليمية.. وفور أن اعاد بوتين النشيد الوطنى السابق ورفع علم روسيا فى كل مكان حتى تضاعفت شعبيته.. وهو ما لم يحدث فى مصر رغم سهولته وبساطته.
وبينما يكتفى السيسى بنقد الإعلام ويحلم بأن يكون فى خدمة ما يفعل دون تجاوز يقابله بطش لم يحتمل بوتين حرية الإعلام طويلا.. وكان أول الضحايا مراسل راديو ليبرتى اندريه بايتسكى الذى انتقد سياسة موسكو فى الشيشان واتهم بالتجسس وسجن وكاد أن يعدم لولا خوف الكرملين من رد فعل لا يحتمله من المجتمع الدولى فأفرج عنه واسقطت التهم التى وجهت إليه.
وكشفت تلك القضية عن سيطرة رجال أعمال على الإعلام.. لعل أشهرهم بيرويزوفيسكى مالك قنوات وصحف ومواقع إلكترونية.. وصلت إلى حجم الاحتكار.. وعادت بوتين.. وسعت لمشاركته السلطة.. فكان أن داهمت الشرطة مقارها.. وأجبرت مالكها على بيعها للدولة.
لم تكن المشكلة فى الملكية الخاصة للصحف والقنوات وإنما كانت فى احتكارها والسيطرة على مساحات مؤثرة فيها بالشراء أو بالتأثير على مواردها الإعلانية.. وهو ما حدث مؤخرا فى مصر.. حيث ظهر رجل أعمال يحتكر ويسيطر على نسبة حاكمة من وسائل الإعلام.. لو أوهم النظام أنها معه اليوم فإنها بإشارة منه قد تنقلب عليه غدا.. والتاريخ الشخصى لذلك الرجل يؤكد عدم استقراره سياسيا.. فقد تقلب على كل النظم التى حكمت مصر منذ مبارك حتى السيسى.
إن الحل المناسب والعاجل إصدار قانون يمنع احتكار الإعلام الذى لا يقل خطورة عن احتكار الطعام.. وصدور القانون يخفف من شعور القوة الذى يتمتع به محتكر الميديا.. ويقلل من تفكيره فى الصدام بالحكم.. مما يستدعى العنف الذى لجأ إليه بوتين فى روسيا والذى انتهى بخسارة الإعلام قبل النظام.
لكن.. خطر رجال الأعمال الحقيقى فى السعى إلى تشكيل برلمان مناوئ للرئاسة يحقق مصالحهم ويدعم ثرواتهم ويشرع قوانينهم.. وجسد ذلك فى ورسيا بإسلوب صارخ وحاد ميخائيل جرودفيسكى.
منحته عصابات الفساد التى كانت تقودها تاتياتا ابنة يلتسين النسبة العظمى من أسهم شركة يوكوس.. أكبر شركة نفطية روسية.. حصل عليها من وليمة الخصخصة.. وأصبح له نفوذ سياسى وإعلامى وبرلمانى يحقق مصالح الرأسمالية الفاسدة فى البلاد.. وسعى جاهدا لمنافسة بوتين فى انتخابات الفترة الرئاسية الثانية.. وتدخل فى انتخابات الدوما البرلمان بشراء النواب.. وأمام المواجهة الصعبة فتحت السلطات ملفاته الضريبية واتهمته بالتهرب والاختلاس وإخفاء أرباحه وسجن وسط فرحة عارمة من الشعب الذى نهب أمواله.
ويكاد المشهد أن يتكرر فى مصر.. رجال أعمال حققوا ثرواتهم بالفساد شفطوها من وليمة الخصخصة وباعوها لشركات مالتى ناشيونال وسعوا لشراء نواب البرلمان القادم للسيطرة عليه.. بعد أن احتكروا الإعلام.. واضعين العقدة فى المنشار.. إما المواجهة على طريقة يلتسين أو الانتباه المبكر لما ينتظر مصر من بلاء سياسى وأمنى بعد الانتخابات القادمة.
هذه أمة غالبيتها من الفقراء الذين ينتظرون معجزات السيسى التى لن تأتى لو سكت على شراء رجال الأعمال لجناحى السلطة الحقيقية فى البلاد.. الميديا والبرلمان.. كل تجارب الدنيا تؤكد ذلك.. وآخرها تجربة بوتين.. أكثر زعماء العالم قربا منه.. وحبا له.