عازف جيتار مصرى يرفع رأس مصر أمام فيليب ملك إسبانيا

مقالات الرأي



■ الرئيس فوجئ بالملك فيليب يعرفه على خطاب مطور الفلامنجو الإسبانى باستخدام التواشيح المصرية

فى مائدة الغداء التى أقامها ملك إسبانيا فيليب السادس للرئيس عبدالفتاح السيسى أثناء زيارته لمدريد فى نهاية إبريل الماضى، ورد اسم اثنين من المصريين، الأول رجل الأعمال الهارب حسين سالم الذى يحتمى بجنسيته الإسبانية لمنع ملاحقة أمواله المشبوهة التى حصل عليها من الشعب المصرى، أما الثانى فهو الموسيقى الشاب على خطاب.

وتحكى المفارقة بين الشاب خطاب، وعمره 37 عامًا، والعجوز سالم 82 عامًا، عن واقع مصر، ما بين شباب طامح فى حياة جديدة ومبتكرة، وماض أكل الأخضر واليابس وهرب بأموالنا.

ليس فى ذلك أى مبالغة، فى تجسيد الفرق بين سالم وخطاب، فبينما كان الحوار بين الرئيس والملك حول سالم، والبحث عن طريقة تعود بها حقوق المصريين من سالم، المتهم فى قضايا فساد وملاحقة الكسب غير المشروع، وهو ما يحرج أى مسئول عندما يتحدث مع قرينه فى دولة أخرى.

لكن أثناء حفل الغداء وجد السيسى ما يبهجه بعيدا عن فساد سالم وإخوته، عندما فاجأه ملك إسبانيا فيليب السادس، بأنه سوف يعرفه بشاب مصرى، يهتم به كل الإسبان، فكانت إجابة السيسى من هذا؟ إنه «خطاب»، هكذا أجاب الملك فيليب والذى لم يجد أفضل من فكرة التقارب بين مصر وإسبانيا، سوى عازف الفلامنجو على خطاب، والذى حضر فى الحفل الذى أقيم للشخصيات الأجنبية التى تؤثر فى ثقافة الإسبان من شعراء وفنانين، ودعا إليها السيسى أثناء الزيارة.

فما هى قصة «خطاب» المصرى الذى شغل إسبانيا؟ وجعلت السيسى «مرفوع الرأس» هذا ما قال له -السيسى-، فـ«خطاب» مواليد 1977، خريج كلية تجارة عمل فى إحدى شركات المحمول الكبرى كمدير للتسويق بمبلغ مغر وينتمى لعائلة معروفة فعمتاه الوزيرة السابقة مشيرة خطاب، ومديحة خطاب عميد كلية طب قصر العينى السابقة، لكن اختار مسلكًا آخر فى حياته بدأ يدرس الموسيقى وآلته المفضلة الجيتار وقرر فى عام 2004، أن يسافر لإسبانيا ليعمق اطلاعه على موسيقا الفلامنجو، وعاش فى قرطبة كشاب يعيش حياة المغامرة،و«الصعلكة» لعله يجد لنفسه مكاناً هناك يحتضن موهبته، بعد أن تحولت أرضه لبيئة لا تسمح فيها إلا لأصحاب الإداء الرخيص كتامر وكامل وأخواتهم.

خطاب نجح فى أن يزاوج ما بين الشرق والغرب، موسيقيا، وابتكر تكنيكا جديدا فى الموسيقا فى أن يربط بين موسيقا الشرق والغرب، أو بمعنى أدق بين العود والجيتار، لأنها من ذات الأصل آلات الوترية.

تلمس خطاب الوتر من هنا، المزيج بين الشرق والغرب، ليس فى العود فقط، بل فى «الزرقاء»، وهى عيون الفتاة، الناتجة الخليط ما بين الأصل العربى والأصل الغجرى، الذى أخذ منهم وتوارثوا حب الرقص على أنغام الفلامنجو، لذلك استنبط خطاب حب الرقص عبر رابط ثقافة «الغجر»، وهو جسر التواصل بين العرب والإسبان، ومن هنا اختار خطاب اسم «الزرقاء» لأول سى دى له، وعمل معه عازفون إسبان.

وفى عمله الأول شارك معه فى الأداء عازف الكمان العالمى عبده داغر وشاركه فى ثلاث مقطوعات فى السى دى، وفتح مشاركة داغر اهتمام أكبر لعمل خطاب، لكن شهرة خطاب فى إسبانيا فتحت أمامه حروبًا وهجومًا من حيتان الفلامنجو، خاصة من متعهدى الحفلات وأصحاب البارات الضخمة التى تسيطر على سوق الموسيقى هناك، خاصة بعد مشاركته فى أكبر مهرجانات الفلامنجو.

لكن صنع التميز تطلب من خطاب أن يبتكر نظرية جديدة فى عزف الفلامنجو، كان منبعها التراث المصرى، من حناجر ونغم الكبار أو مدرسة الشيوخ قارئى القرآن ومنشدى التواشيح، كما يقول عليهم أبناء «الكار» وهى، مدرسة ممتدة الجذور من الشيخ عبدالرحيم المسلوب، والشيخ شهاب إسماعيل، قبل قرن من الزمن، وهو من مهد للفن المصرى سواء فى الطرب أو التواشيح، وحتى قراءة القرآن، خاصة الشيخ شهاب الدين، صاحب كتاب «سفينة شهاب» وجمع فيه التواشيح الأندلسية التى مهدت الطريق للطرب المصرى.

وكانت هذه الأنغام الملهمة لخطاب فى أن يضع طريقة جديدة فى العزف، ليطور بها الفلامنجو الإسبانى، وهو الخليط بين التواشيح والأداء الغجرى.

وشاركه أيضا خطاب فى التجربة الجديدة القائمة على استخدام المزج بين أصوات عزف الجيتار والعواد، بمعنى أن الجملة اللحنية تستخدم مقاطع من «السلم الموسيقي» شطر باستخدام الجيتار الذى يعزف «دو رى مى فا» ويكمل بعده العود «صو لا سي»، وبالعكس، وشاركه صديقه هشام عصام، والذى تعرف عليه فى جلسات عبده داغر، وهاشم عصام الدارس للموسيقا، ينتمى لمدرسة الشيوخ فى العود، سواء سيد درويش وصلا للشيخ إمام، لكنه أكثر تأثرا بالقصبجى.

وعملية التزاوج فى الآلات الموسيقية ما بين العود والجيتار، أو بين خطاب وعصام، رغم أنهما من أصل واحد «وتري» أبهرت الإسبان، لأنها ابتدعت طريقة جديدة ما بين فن تواشيح الشرق المصرى والفلامنجو الغجرى الإسبانى، وهو نفس التزاوج ما بين الجنسين وينتج عنه «الزرقاء» صاحبة العيون الجميلة، وهكذا موسيقاهم مميزة، مثل العيون الزرقاء.

ومهد التجربة أن يقوم الثنائى بعمل «سى دي»، وهو «بلا وطن» والذى ضم ثمانى مقطوعات، منها «البرزخ» و«العصبة» و«الكسندر» و«بلا وطن» التى حملت اسم المنتج الجديد، الذى انضم إليهم معهم من الملحنين عازف الكمان محمد سامى، صاحب الأداء الخاص فى عزب الكمان ما بين الإمساك بين قوة الوتر وعمق النغم، فى الآلة المتخصص فيها راعى هذا الجيل عبده داغر، وهو ما يعد سامى أن يكون امتدادا له.

والسى دى الجديد، رسخ لفكرة العمق المصرى فى توشيح وقراءة قرآن عبر أداء صوتى قام به المطرب وائل الفشنى، وهو حفيد الشيخ طه الفشنى، وهو عمق ممتد وله جذور من عند الشيخ صاحب الصوت القرآنى العذب، وأداء الأذان المتميز، فالشيح طه الفشنى الجد، قبل أن يبدأ فى الاحتراف فى قراءة القرآن كانت له قصة، مع الغناء لأنه فى الأصل كان يعد نفسه أن يعمل مطرباً وتعاقد بالفعل مع شركة «راندافون»، لإنتاج أسطوانة تحمل أغانى عاطفية ولكن القدر رتب له أن يحضر حفلا لتلاوة القرآن فى حضور الملك فاروق عام 1937، بعد مرض الشيخ على محمود الذى كان يعمل الشيخ الفشنى فى فرقته الموسيقية، وبعد أن سمع رئيس الإذاعة فى وقتها سعيد باشا الذى بعد أن استمع للقراءة القرآنية من الشيخ الفشنى عرضه التعاقد مع الإذاعة ليقرأ القرآن، فوافق ليتحول من الغناء لتلاوة القرآن، وإنشاد التواشيح، وهو طريق بالعكس غالبية الملحنين الكبار الذين ينتمون لمدرسة الشيخ، ليعود الزمان مرة أخرى بعلى خطاب ليصطحب حفيد الفشنى وهشام وعصام وسامى، للبحث عن نغم التواشيح المصرية بأداء إسبانى، أو أندلسى أو الفلامنجو المصرى.