احمد فايق يكتب : المعارضة الآمنة
علمتنا الثورة الكثير فى حياتنا، وابتكرت مصطلحات خاصة بها، على حسب تطور الأحداث، فبعد فوز مرسى برئاسة الجمهورية، ظهر مايسمى بالمعارضة الآمنة، أى من اختار طريق النضال السياسى ومعارضة الرئيس مستندا لأجهزة الدولة العميقة، ومتكئا على أن هناك مجلسًا عسكريًا سيحمى كل من ينتقد الرئيس، لم يتعلم هؤلاء الدرس، فالتجربة العملية تقول إن كل من ساند المجلس العسكرى فى قراراته الخاطئة أو اختاره بديلا عن المصريين ضحى به المشير والفريق عند أقرب مليونية، والأسماء كثيرة، أذكر منها على السلمى وعصام شرف وتوفيق عكاشة ومحمود وجدى ومنصور العيسوى وأحمد شفيق، هؤلاء جميعا سقطوا لأنهم لم يختاروا المصريين.
بعد قرارات مرسى الأخيرة تأكدوا أن المعارضة أصبحت غير آمنة، ومن ينتقد الرئيس أو جماعة الإخوان المسلمين فهو معارض حقيقى، أما هؤلاء الذين اعتادوا النفاق سينافقون مرسى مثلما كانوا يفعلون مع المشير، ومن لديه بقية من الكرامة سيلتزم الصمت، منذ اليوم ستتحول هذه المساحة الصغيرة التى تعبر عن رأيى إلى معارضة شرسة، تهدف تحقيق مطالب الثورة، الآن مرسى أمام اختبار حقيقى ليوضح لنا هل كان مع الثورة أم استخدمها سلما للوصول لمقعد الرئاسة، فقد أصبح يملك أركان حكمه جيدا، ربما يواجه بعض المقاومة من أجهزة الدولة الإدارية العميقة لكننا نستطيع أن نضعه الآن أمام محكمة المصريين، والقضايا كثيرة، فهناك آلاف من معتقلى الثورة مازالوا فى السجون، ينتظرون الرجل الذى دخل بفضلهم إلى القصر الرئاسى يعفو عنهم، وهناك فارق كبير بين العفو عن معتقلى الثورة وفى مقدمتهم ضباط 8 إبريل وبين العفو عن الإسلاميين والجهاديين الذين عاشوا سنوات فى معتقلات مبارك.
من الآن يجب على مرسى أن يسعى للقصاص من قتلة الثوار فى 25 يناير وأحداث محمد محمود ومجلس الوزراء والعباسية ومجزرتى بورسعيد ورفح، لو لم يستطع القصاص لهم فلن يختلف كثيرا عن المشير طنطاوى، وسيلقى مصيره، فدماء هؤلاء لعنة تطارد كل من يصمت عنها، الآن هو مسئول عن تطهير الداخلية وليس أخونتها وتطهير القضاء أيضا وليس أخونته، والفارق كبير بين التطهير وبين الأخونة، الأخونة سهلة فولاء أجهزة مبارك يتحول بسهولة إلى صاحب القوة والسلطة، أما الصعب هو التطهير والتخلص من العناصر الفاسدة وتغيير عقيدة هذه الأجهزة التى تتعامل مع المواطن كأنه عبء عليها.
الوعود التى أعطاها للمصريين أثناء العملية الانتخابية يجب أن ينفذها وإلا أصبح كاذبا ولا يصلح لحكم مصر، وفى مقدمتها تعيين نائب قبطى ونائبة إمرأة وإعادة محاكمة مبارك وقتلة الثوار، وقبل كل هذا تحقيق أهداف الثورة «خبز.. حرية.. عدالة اجتماعية»، عليه أن يكشف لنا الآن من هو الطرف الثالث وتنظيم البلطجية الذى قتل وعذب ودهس المصريين بأوامر من أرامل مبارك، عليه والمليارات التى تم نهبها من مصر طوال الـ30 عاما الماضية، نريد أن نعرف منه الآن ثروة مبارك الحقيقية هو وأبناؤه ورجال أعماله ووزراؤه التى نهبوها من جيوب الغلابة.
نريد أن نسمع منه حزمة قرارات اقتصادية تحقق العدالة الاجتماعية وفى مقدمتها الضرائب التصاعدية وربط الحد الأدنى بالحد الأقصى للأجور، وأيضا نريد أن نعرف منه راتبه كرئيس للجمهورية وميزانية الرئاسة وتأمينه والحراسات الخاصة، نريده أن يفرض ضريبة أرباح رأسمالية على البورصة مثلما تفعل دول العالم المحترمة.
على الرئيس الجديد أن يحدد الوضع القانونى لجماعة الإخوان المسلمين ويعلن ميزانيتها على الرأى العام، وتخضع للرقابة مثلها مثل الجمعيات الأهلية الأخرى، وأن لا يسمح لها أن تتحول إلى حزب وطنى جديد، نبحث عن الشفافية فى قراراته الأخيرة وعليه أن يعلمنا لماذا أقال المشير طنطاوى والفريق سامى عنان وفكك المجلس العسكرى، وهل بالفعل هم قاموا بعمل محاولة للانقلاب العسكرى أم لا ؟
نريد منه أن يصدر قوانين حقيقية لاستقلال القضاء وحرية الإعلام ومكافحة الفساد وتسهيل الاستثمار، إذا سار مرسى فى هذا الطريق فسيجد من يقف بجواره، وإذا فضل طريق مبارك فنهايته معروفة، وتذكر أن شجرة الدر ماتت ضربا بالقباقيب والسادات قتل وسط جنوده والملك فاروق رحل من على أرض مصر بشكل مهين ومبارك أصبح أراجوزًا يتفرج عليه الجميع فى الفضائيات، وهذا مصير كل من يعتقد أن الشعب المصرى طيب ويتهاون فى حقوقه.