المندوب السامى الألمانى
قال إن الحكومة المصرية لم تقدم دليلاً على إرهاب الإخوان واعترض على حكم إعدام مرسى
■ حاول الوقيعة بين مصر والسعودية ■ لا يقرأ سوى تقارير المنظمات الحقوقية الإخوانية ويضع شروطا لدعم القاهرة ■ كيف تنقلبون على رئيس منتخب ديمقراطيا ألم يكن هذا الرجل اختيار الشعب؟
وجه لى توماس رويزون الصحفى الألمانى سؤالاً فى حوار أجرى على شرف الجراح المصرى العالمى د. هشام عاشور فى مدينة ايسارليون الألمانية، ونشر الحوار على صفحة كاملة بالجريدة، قائلاً: لماذا اسقطتم الرئيس الشرعى المنتخب؟، قلت له: هل تستطيع أى كنيسة فى ألمانيا أن تقول إن من سينتخب ميركل سيدخل الجنة.. ومن سينتخب منافسها سيدخل النار؟
قال لى: هذا مستحيل قد يحدث هذا قليلاً جدا فى بافاريا!
ضحك الجراح العالمى هشام عاشور.. وشعرت بالغضب من رده، لكن فهمت بعد ذلك أن البافاريين فى ألمانيا هم مادة للسخرية فى الثقافة هناك، ورده كان به نوع من التنكيت لا أكثر، فقلت له: إذن اعتبر أن محمد مرسى يتمتع بالشرعية البافارية، وليست الشرعية المصرية، وأرشحه رئيسا للمنطقة البافارية فى ألمانيا، ثم تحدثت معه عما حدث فى 30 يونيو، والملايين الذين افترشوا الشوارع مطالبين بسقوط مرسى، والحلول التى طرحت عليه ورفضه إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ووصول مصر إلى حافة الحرب الأهلية، بسبب جماعة لا تستمع سوى لنفسها، كان مندهشا وهو يتحدث معى، فمصادر معلوماته هى الإعلام الألمانى والغربى بشكل عام، وكل ما قلته له لم يكن على علم به، فالتنظيم الدولى للإخوان المسلمين متواجد بقوة فى ألمانيا، ولديهم استثمارات بالمليارات هناك، بما فيها وسائل الإعلام الرئيسية، هذا اللوبى تسبب فى التأثير على القرار السياسى الألمانى تجاه مصر، وتسبب فى إيقاف صفقة الغواصات الدولفين، وقرار حظر تصدير السلاح لمصر، هناك جناح آخر فى ألمانيا أكثر عقلا ووعيا، يعرف جيدا قيمة مصر، وخسائر ألمانيا إذا قررت التخلى عن حليف مثل القاهرة فى الشرق الأوسط، هذا الجناح تبنى بإيجابية شديدة دعوة الرئيس السيسى لتجديد الخطاب الدينى، واحتلت تصريحاته الصفحات الاولى فى الصحف هناك، وقرر لوبى الإخوان التصدى له وكتبوا مقالات فى الصحف الألمانية يتحدثون فيها عن اعتقالات بعض إرهابيى الجماعة باعتبارهم نشطاء سياسيين، بثوا التقارير الحقوقية الوهمية للمنظمات الإخوانية، هذا بالطبع يأتى فى غياب واضح وغير مفهوم للسفارة المصرية فى ألمانيا، فمصر لديها بعثة دبلوماسية كبيرة فى ألمانيا ومكتب ثقافى ومكتب تابع لهيئة الاستعلامات، لا يفعلون شيئا سوى أنهم يتقاضون رواتبهم من ضرائب المصريين ويبحثون عن مستقبل أبنائهم فى ألمانيا!
لو فكرت الدولة المصرية فى تحويل ميزانية البعثات الدبلوماسية فى الخارج إلى شركات علاقات عامة، ستقوم هذا الشركات بأدوار أكثر قوة وتأثيرا من ألف سفارة، إن المعركة بالداخل أسهل ألف مرة من المعركة بالخارج، نحن نحارب تنظيما متواجداً فى 82 دولة فى العالم .
تلقت مصر دعوتين لزيارة ألمانيا، وغالبا ما تكون هذه الدعوات مصحوبة بتصريحات رسمية أو غير رسمية غير مفهومة، تشعر بأنهم يلعبون على الحبل، يعرفون جيدًا أن مصر 30 يونيو الأفضل لكنهم لا يريدون استفزاز 2 مليون تركى يعيشون داخل ألمانيا، ولا يريدون الدخول فى معركة مع لوبى الإخوان وخسارة الاستثمارات الإخوانية هناك، يعلمون جيدًا أن جزءًا من الاقتصاد لديهم قائم على الدم المصرى والعربى، لذا يشعرون فى بعض الأحيان بالسعادة فى حالة الصراع السياسى فى المنطقة .
ألمانيا تقود الاتحاد الأوروبى وهى الدولة الوحيدة القادرة على الوقوف اقتصاديا أمام انهيار فكرة الاتحاد الأوروبى، القوى العظمى فى الاتحاد الأوروبى هما دولتا فرنسا وألمانيا، فرنسا تعانى من أزمات اقتصادية طاحنة، وألمانيا تعانى من أزمة سياسية مع روسيا فى أوكرانيا، لكن ألمانيا هى التى تتدخل دائما لإنقاذ إسبانيا واليونان فى الوقت المناسب، لكنهم يعلمون جيدا أنهم لا يستطيعون التواجد فى الشرق الأوسط دون أن يكون لهم علاقة طيبة فى مصر، الموقف الألمانى تجاه مصر يعانى من انفصام فى الشخصية، فقد أمسكت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يدها فى يد الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند فى مسيرة صامتة ضد الإرهاب فى حادث شارل إبدو الأخيرة، وفى نفس الوقت تريد ألمانيا الرسمية أن نتعامل مع الإرهابيين باعتبارهم كياناً شرعيًا.
الرئيس عبد الفتاح السيسى من المتوقع أن يسافر إلى ألمانيا فى 3 يونيو القادم، وهى الزيارة الأصعب له منذ توليه الحكم، فقد سبقته المنظمات الحقوقية الإخوانية بتقارير ومناشدات لميركل تطالب بعدم استضافة الرئيس المصرى، كل هذا متوقع، ولكن غير المتوقع هو رد فعل السفير الألمانى بالقاهرة «هانس يورج هابر»، الحكاية بدأت حينما ذهب الوفد الإعلامى الذى سيرافق الرئيس إلى السفارة الألمانية بالقاهرة، وذلك لتخليص إجراءات استخراج فيزا، وكان متواجدا كل من محمد عبد الهادى رئيس تحرير الأهرام وفهمى عنبة رئيس تحرير الجمهورية وعلاء حيدر رئيس تحرير الشرق الأوسط وعلى السيد رئيس تحرير التحرير ومن شباب الإعلاميين أحمد الطاهرى رئيس تحرير جورنال مصر وسارة عبدالبارى ومحمود الفقى «راديو مصر» وأحمد خيرى «إذاعة 9090»، هذا بالإضافة إلى مندوبى الصحف فى رئاسة الجمهورية، وأثناء إجراءات الفيزا، طلب السفير الألمانى مقابلة الزملاء، ورحب الإعلاميون والصحفيون بهذا وفوجئ الجميع بحوار امتد لحوالى ساعتين يوم الاثنين الماضى.
السفير بدأ كلامه حول أن هناك نقاط اتفاق ونقاط خلاف بين السياسة الألمانية والمصرية، وأن ألمانيا تدعم الرئيس السيسى وتؤكد دعمها لرغبة الشعب المصرى ولديها رغبة فى أن تتقدم مصر ويحقق شعبها الرخاء الاجتماعى، وأن يتم توطيد العلاقة الدبلوماسية بين مصر وألمانيا.
كل هذا كلام جميل ويقوله أى سفير لدولة أجنبية داخل مصر حتى لو كان سفير إسرائيل، لكن غير الطبيعى أن السفير الألمانى تحول فجأة إلى كاتب رأى أو إعلامى أو رجل يجلس على المصطبة يتحدث عن الشأن الداخلى لقوة إقليمية فى الشرق الأوسط بل ويتحدث عن توازن القوى فى المنطقة، وكأنه أصبح المندوب السامى لألمانيا فى مصر.
السفير المفوه قال إن الحكومة المصرية لم تقدم دليلاً على أن جماعة الإخوان المسلمين ارتكبت إرهابًا، المندوب السامى الذى يريد لمصر الاستقرار يريدنا أن نتصالح مع الإرهاب، وكأن سفارة ألمانيا موجودة فى دولة أخرى غير مصر، ولم ير هذا السفير أو غيره من العاملين التفجيرات التى حدثت والاغتيالات وتهديدات الإخوان بحرق مصر، هل رأى المندوب السامى فيديو محمد البلتاجى وهو يقول إن الإرهاب فى سيناء سيتوقف فى نفس لحظة عودة مرسى للحكم؟
هل شاهد قنوات الإخوان التى تحرض على العنف؟ هل يحتاج السفير الألمانى إلى من يثبت له أن الإخوان قاموا بعمليات إرهابية؟ إلا إذا تعمد أن يغمض عينيه.
وواصل السفير كلامه منتقدا حكم إعدام المعزول مرسى ملمحا إلى أنه حكم سياسى وليس قضائيًا، وتحدث عن الشباب الذين قاموا بالثورة ووجودهم الآن فى السجون والمعتقلات بسبب قانون التظاهر، وفى هذه معه حق وهذه قضية تحدثنا عنها ألف مرة وكتبنا على صفحات الفجر أنه قانون سيئ السمعة، لكن هل من حقه أن يتدخل فى الشأن الداخلى هكذا؟
يا سيادة السفير للثورة شعب يحميها، ولشبابها آلاف الشباب الذين سيدافعون عن الحرية لآخر قطرة من دمائهم بدون وصاية ألمانية!
وتمادى السفير الألمانى فى حديثه عن السياسة الخارجية المصرية، مؤكدا أن يخشى على التوازن فى منطقة الشرق الأوسط بسبب خلافات فى وجهات النظر بين مصر والسعودية حول ليبيا واليمن، فمصر تعط أولوياتها للملف الليبى والسعودية تريد أكثر الملف اليمنى، والتباين فى وجهات النظر قد يؤدى فى النهاية إلى خلاف يؤثر على التوازنات فى منطقة الشرق الأوسط، وهو كلام لا محل له من الإعراب وفى هذا التوقيت تحديدا، فهل الهدف منه هو الوقيعة بين مصر والسعودية فى هذا التوقيت الحساس؟
ثم تحدث عن أن مصر ستكون قوية بوجود برلمان قوى فى مصر ثم تحدث عن التجربة الديمقراطية فى القاهرة، نعم نتفق معه أن مصر ستكون قوية بوجود برلمان قوى لن نختلف معه لأنه يعلم جيدا أن هناك توجهًا قويًا لإقامة الانتخابات البرلمانية فى أقرب فرصة.
الحوار فى البداية كان من طرف واحد لكن تدخل الكاتب الصحفى محمود مسلم رئيس تحرير المصرى اليوم وقال له أنه يعتمد على تقارير من منظمات مجتمع مدنى إخوانية تنقل له وجهة نظر واحدة، ثم قال له الكاتب الصحفى أحمد الطاهرى رئيس تحرير جورنال مصر إن الإخوان خلف كل عمل إرهابى فى العالم بفكرهم قبل أن يكونوا خلفه بالتخطيط والتنفيذ وأن مصر تخوض هذه المعركة دفاعا عن أمنها ولكن أيضا دفاعا عن الإنسانية من جرم هذا الفكر، وقال فيما يخص مصر والسعودية فهما يشكلان ركيزة العمل الإقليمى وطبيعى أن تختلف أولويات السياسة الخارجية لكل دولة ولكن فى النهاية الشواغل واحدة ملف إيران يشكل التهديد الأكبر لدول الخليج ومصر تتفهم ذلك وملف ليبيا يشكل تهديدًا لمصر والاشقاء يفهمون ذلك.
إن حديث السفير الألمانى بالقاهرة كان رسالة واضحة وموجهة للصحفيين الذين سيسافرون ألمانيا، لن تجدوا استقبالاً جيدًا لكم، ولا تتعجبوا لو شاهدتم مظاهرات، الرسالة وصلت يا سيادة السفير، ونطالب رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى بعدم السفر إلى ألمانيا، القاهرة ترحب بالمستشارة ميركل فنحن قادرون على تحمل مسئولية استقبال ضيوفنا، لن تجد ميركل الطماطم فى وجهها، رغم أن سفيرها فى مصر يستحقها، واكتملت المزايدة الألمانية بتصريح رئيس البرلمان الذى يرفض مقابلة الرئيس السيسى، لقد اختار 5 ملايين تركى على حساب مصر.. يا سيادة الرئيس لا تذهب إلى برلين.