الوزير القواد
فضائح فى غرفة نوم الحكومة
تتحول السياسة فى دولة الفساد إلى لون من أنواع الدعارة، ويتحول السياسى فى دولة الفساد لقواد برخصة، فهو يستغل رغبات الغلابة المشروعة فى الحياة بحد أدنى من الكرامة، يداعب أحلامهم ويكذب عليهم ويستغل اصواتهم ليواصل الصعود، لا يتذكرهم سوى ساعة الانتخابات أو المظاهرات المؤيدة لسيادته، تماما مثلما ينسى القواد زبائنه وعاهراته على حد سواء بعد انتهاء الصفقة وقبض الثمن.
ولكن بطل هذه الحلقة هو قواد حقيقى تسلل لعالم السياسة وبدت مهاراته كقواد ملائمة جدا فى بداية ترسيخ دولة الفساد، فقد كان الجنس احد أقوى الأسلحة على مر التاريخ، أن القواد العادى يفهم فى علم النفس بالفطرة والخبرة، فهو يدرك من النظرة الأولى طلبات الزبون ومواصفات العاهرة التى يرغب فيها، بل إن القواد الشاطر قد يكتشف رغبات الزبون دون أن يعرف الرجل نفسه رغباته، وهناك نوع من الدعارة تعرف بالدعارة غير المباشرة، وهى أن يمهد القواد للزبون علاقة دون أن يعلن صراحة عن ذلك، إما يضع العاهرة فى طريق الزبون أو يخفى مهنتها الحقيقية حتى يتم التعارف، ولكن بطل الحلقة لم يكن قوادا شاطرا فحسب بل حصن نفسه بالدراسة فقد حصل على شهادة جامعية، واتبعها بدراسة دبلوم فى علم النفس، وبذكاء شديد استطاع أن يدير رحلة الصعود السياسى لواحدة من اشهر وارسخ الصفحات السياسية فى كتاب دولة الفساد التى حكمها مبارك.
■ اختار فتيات فاتنات بالمينى جيب ليخدمن مبارك فى حفلة تبث على الهواء ■ وسوزان قالت له «مش هتبطل شغلك القديم بقى» ■ ترجم القوى الناعمة لمصر بتقديم الفنانات الشابات للأمراء العرب
■ شجع فنانة شهيرة على الارتباط بوزير سيادى ثم ندم لأنها لم تكن ترد على تليفوناته ■ ينسب له أنه أول من أدخل كاميرات المراقبة صوتا وصورة فى تعاملاته مع النساء والضيوف على حد سواء
ملك المعلومات
من الخطأ وربما من الخطيئة أن نعزى سبب وصول الرجل ورسوخه السياسى إلى مهمة القوادة فقط أو تقديم نساء لكبار المسئولين فى مصر والعالم العربى، فهذا الاعتقاد هو تبسيط مخل لحياة الرجل، وإهدار لملكاته الاخرى، فهذا الرجل عرف قيمة المعلومات، وقيمة أن يكون متحكما فى المعلومات، أن يكون هو الرجل الذى يرسم الصورة التى تبدو عليها المؤسسة، وفى كل مؤسسة يذهب اليها كان يبدأ رحلة صعوده بادارة المعلومات أو العلاقات العامة، وفى اغلب المؤسسات الحكومية فإن المعلومات والعلاقات العامة كانتا تندرجان تحت ادارة واحدة، وهنا كانت تبرز قدرات الرجل ومواهبه فى الوقوف على اكبر قدر من المعلومات السرية ليس فى مؤسسته فقط ،بل فى كل المؤسسات، ومرة أخرى تبرز قدراته على نسج علاقات جديدة والتقرب خطوة واحدة ولكنها راسخة فى طموحه فى الوصول لمركز القوى، اكبر مركز قوة ،وفى دولة مثل مصر فإن اكبر مركز قوى هو الرئاسة، ولكنه لم يعمل بالرئاسة لانه ذكى فالقواد الشاطر يترك لنفسه مسافة يتحرك فيها، القواد الشاطر يخاف من الاقتراب كثيرا، ولذلك فإن بطل الحلقة لم يسع إلى العمل فى الرئاسة بحيث يكون ليلا ونهارا بجوار مبارك، أو يلصق به بالتعبير الشعبى.
ولكنه اختار أن ينطلق من مؤسسة إلى اخرى تعمل فى اخطر مجالات المعلومات ورسم صورة سياسية واجتماعية لمصر، وكان من اكثر المقربين لمبارك، ولا اشك أن الرئيس المخلوع مبارك كان يعرف مهنة الرجل السابقة أو قدراته فى القوادة، فقد كان تاريخه معروفا فى النخبة، وكانت فضائحه تمثل زادا لا يستهان به فى جلسات النميمة الخاصة جدا.
صدامه مع سوزان
لم تكن سوزان مبارك ترتاح لمعظم رجال مبارك، ربما يرجع ذلك إلى أنها كانت ترى فى نفوذ الآخرين على مبارك منافسة بل اقتناصا لنفوذها هى على مبارك، ولكن سوزان كانت تكره اثنين من رجال مبارك المقربين لأنها كانت تعتقد أنهم يحاولان جر مبارك للفساد الاخلاقى، وتسهيل جلسات لهو مع فاتنات أو فنانات، وكان بطلنا واحدا من الاثنين، والحقيقة أن الرجل لم ينحدر فى علاقته بمبارك إلى هذا المستوى الرخيص بشكل مباشر، خاصة انه كان يقدم لحكم مبارك خدمات اخرى جليلة سواء فى السياسة الداخلية أو الخارجية، ولكن فى النهاية تواجد الرجل فى السلطة وقرب انتهاء نفوذه، حدثت واقعة هامة، فقد اقام الوزير حفلة فى مقر وزارته وحضرها كالمعتاد مبارك وسوزان، وكانت الحفلة تبث على الهواء مباشرة، وكانت تقوم بالخدمة فى هذا الحفل فتيات صغيرات فى السن وعلى درجة كبيرة من الجمال والجاذبية، وكانت الفتيات يرتدين مينى جيب، وغضبت سوزان مبارك من وجود الفتيات، وكان الغضب ظاهرا على ملامحها اثناء بث الحفلة، وفور انتهاء الحفل واثناء مغادرة مبارك قالت سوزان للوزير بغضب (انت رجعت لشغلتك القديمة، مش هتبطل) ولكن مبارك لم يؤيد سوزان فى رأيها، وكانوا رأيه أن الوزير لم يقصد اى شىء ولكنه معتاد أن تكون حفلاته على أعلى مستوى فى كل شىء، ورغم رأى مبارك فإن بعض المحيطين به كان يؤيدون وربما لأول مرة رأى سوزان، فالوزير شعر أن مكانته تتراجع ونفوذه يقل، فاستعان بمهنته الأولى ليسرى على مبارك ويبدو انه نجح، وفشلت سوزان فى إقناع مبارك بأنه أهانه عندما جلب الفتيات للحفل، وقد كثرت الشائعات حول هذا الحفل، فقد تصور البعض من داخل النخبة أن الفتيات بعد انتهاء الحفل ذهبن مع بعض رجال كبار الدولة الذين حضروا الحفل، وطالت هذه الشائعات مبارك نفسه، ولكنها كانت شائعات ترتبط بتاريخ الرجل اكثر من الواقعة فى حد ذاتها.
مورد خارجى
كان الرجل يؤمن مثل الكثيرين بالقوة الناعمة لمصر، ولكنها كان يترجم هذا الإيمان بشكل مختلف جدا، وفاضح جدا، وأظن أن هذا الرجل أو بالاحرى أفعاله كانت أحد أسباب انهيار سمعة ومكانة مصر خاصة فى الوطن العربى، فقد كان الوزير يرعى العلاقات الخاصة والجنسية والغرامية بين الفنانات المصريات بشكل عام وامراء وقادة عرب، ولم يكن الوزير يقوم بهذه المهمة القذرة مباشرة، ولكن كل الاعمال كانت تتم من خلال مرءوس له يخطط ويدبر اللقاءات وخاصة الزواج السرى بين الفنانات وامراء وشيوخ عرب، وكان الثمن يقسم بين المرءوس والوزير، ولم يكن المرءوس يتحرك فى مهام التوريد الخارجية الا بعد الرجوع للوزير، وكانت الصفقات يجرى الاتفاق عليها فى القاهرة وتتم ما بين لندن وباريس، وفى حالات نادرة انتهت هذه العلاقات إلى زيجات رسمية معترف بها.
وكان الوزير ذكيا فلم يجبر امرأة على الدخول فى علاقة غرامية أو زواج سرى مع امراء أو شيوخ عرب، وذلك خوفا من الفضائح من ناحية، ولانه درب مرءوسه على اسلوب الترغيب، فهناك دوما ورقة الثراء والمجوهرات والفيلات والقصور والطائرات التى توضع فى خدمة المرأة سواء كانت فنانة ام من مهنة أخرى،
ولم يكن مرءوسه يخشى من أن تصل اخبار صفقاته وعمولاته ولا الهدايا إلى الاجهزة الرقابية أو الاعلام لانه يدرك أن الوزير القواد يسبغ عليه حماية وحصانة، وعندما انفجرت احدى الفضائح فى وجه المرءوس تدخل الوزير واخرجه منها بمنتهى السهولة، وبرر للقيادة السياسية أن الاعلام يحب دوما تهويل الامور، ولا يوجد اى جريمة أو عيب فى مساعدة شخصية عربية تستثمر فى مصر وتعشق مصر فى الزواج من امرأة مصرية، ونسى أو تجاهل الوزير القواد أن مرءوسه كان يستغل بعض الحفلات الرسمية ليرعى أو بالاحرى يعقد صفقات مشبوهة.
غلطة عمره
كان من ذكاء الوزير القواد انه ترك مهمة التوريد الخارجى لمرءوسه ،ولكنه كان يتدخل لرعاية وانهاء بعض العلاقات بين نساء وشخصيات نافذة جدا فى مصر، ففى هذه الحالة يجب أن تتم العلاقة من خلاله هو، فهذا التواجد يمنحه قوة ونفوذا لدى الشخصيات النافذة داخل الدولة، وهذا الوضع يحمى نفوذه ويزيد من دائرة علاقاته وصلاته، ويؤكد بعض من عملوا معه انه كان يختار اللحظة المناسبة ليخبر مبارك فى عجالة عن اهم العلاقات بين رجال الدولة وفنانات أو نساء عاديات، وكان هذا التقرير يحيمه من اى وشاية أو (زنبة)، ولكن فى ذات الوقت كان يؤكد ولاءه لمبارك، وانه لا يخفى عنه شيئا ويمده بمعلومات هامة عن رجاله.
وفى الغالب كان يضمن ولاء النساء اللاتى يربطهن بعلاقات مع رجال الدولة، بل ويعرف من خلالهن اسرار هؤلاء القيادات، ولكن شعر بالمرارة مرة واحدة، فقد عرف من خلال عيونه أن احد رجال الدولة النافذين معجب وولهان بفنانة شهيرة، فاخبر الفنانة الشهيرة وجس نبضها فوجد منها موافقة على اقامة علاقة، واستطاع بخبراته أن يجمع الاثنين فى احد الحفلات الرسمية، وكان يعلم بكل تطورات العلاقة، وذات مرة اراد أن تحضر الفنانة حلفة رسمية لسبب لا يعلمه سواه، ولكن ما حدث أن الفنانة لم ترد على تليفونه من الاساس، فقد كانت علاقتها بالشخصية النافذة قد وصلت إلى درجة كبيرة جدا من العمق، ولم يعد الرجل المهم يستطيع الاستغناء عنها، ويتردد انه تزوجها فى السر، وبعد هذه الواقعة قابل مرءوسه الفنانة صدفة وعاتبها على عدم ردها على الوزير، وفوجئ المرءوس برد الفنانة، فقد قالت إن الوزير يطلب من الفنانات (حاجات بطالة) وهى (مالهاش فى هذه الامور)، واكدت الفنانة لبعض صديقاتها انها علمت من مصادرها الخاصة أن الوزير كان يريد أن تتعرف فى الحفل على قيادة عربية نافذة، ولذلك لم ترد على تليفونه، وظلت الفنانة لسنوات تقاطع هذا الوزير ،ولم يستطع القواد أن ينتقم منها لانها اصحبت ذات حصانة خاصة جدا. المثير أن الوزير القواد صدق نفسه وكان مقتنعا انه يحافظ على مصالح مصر وسمعتها. فقد عرف الوزير القواد ذات مرة أن احد كبار مسئولى الدولة مغرم براقصة شهيرة، وأن المسئول الكبير يذهب خصيصا لكل الافراح التى تحييها الراقصة ليشاهدها، واصبحت أسهل طريقة لحضور المسئول الكبير افراح بنات رجال الاعمال هو الاتفاق مع الراقصة لتحيى الفرح، وكان غرام المسئول الكبير بالراقصة محل تندر من النخبة والصحفيين، وغضب الوزير القواد من هذه القصة، ولكنه لم يغضب لان مسئولا كبيرا يدور فى الافراح وراء راقصة، ولكنه غضب لانه لوطلب مساعدته لاحضر له الراقصة بدون فضائح، فالفضيحة فى عرف الوزير القواد فى كشف المستور والخطايا، ولكنه يرى أن الخطايا هى من سمات البشر وغرائزهم، هذا المستوى المنحدر من الفساد يذكرنى بقصة اخرى عن الفساد المالى. فقد اشتكى وزير لرئيس مجلس ادارة مؤسسة صحفية كبرى، وكانت الشكوى أن احد صحفيى المؤسسة طلب من الوزير انهاء طلبات خاصة به وإلا سيهاجمه، وقال الوزير لرئيس المؤسسة «الصحفى بتاعك (ملطوع) منذ ساعات حتى انهى له طلباته» وكان رد فعل رئيس المؤسسة هو الغضب الشديد، ليس لان الصحفى طلب رشوة ،بل لان ابناء المؤسسة الكبيرة لا يذهبون للوزراء لقضاء طلباتهم، بل يجلسون فى المؤسسة وتأتى لهم الهدايا والطلبات والرشاوى.
هذا الانحدار فى القيم كان يشمل كل المجالات الفساد المالى والسياسى والاخلاقى، فالفساد لكى يستمر يجب أن يصبح مؤسسة، وقد كان هذا الوزير القواد احد اعمدة دولة الفساد فى عصر مبارك،
التجسس بالأوزون
كان الوزير القواد يقدر خطورة المعلومة وقد وجد أن اسهل طريقة لجمع اكبر كمية من المعلومات هو التسجيل العلنى، فكان أول وزير يدخل كاميرات التسجيل فى كل مكاتب وزارته، وعلل هذه الخطوة بمراقبة اداء العاملين، وذلك على غرار المؤسسات العملاقة والرائدة، ولم يكن معظم ضيوفه يتصورون أن الكاميرات تعمل فى مكتبه، وان كل حواراتهم مسجلة بالصوت والصورة، وكان على اتصال بكل مرءوسيه من خلال اجهزة المونيتور وهى أجهزة تستخدم فى بلاتوهات التصوير، وتتيح للوزير أن يراقب كل ما يحدث فى الوزارة من خلال مكتبه.
وبسبب الكاميرات والمونيتور طاردت الوزير القواد الكثير من الشائعات، شائعات حول علاقاته الغرامية، فالكثير من الناس لم يصدقوا انه قواد محترف يقدم الخدمة ولا يستخدمها، وظهرت شائعات عن الكاميرات والمنتيور، وربط البعض بين هذه الاجهزة وبين رغبة الوزير القواد فى اصطياد جميلات الوزارة، وتصويرهن فى كل الاوضاع، وكانت بعض العاملات يساورهن شكوك فى وجود كاميرات فى غرف الحمام.
ولكن اكبر شائعة أو بالاحرى اكثر الشائعات ظرفا، هى شائعة الأوزون، فقد كان الوزير القواد يشكك بطبعه فى الاستعانة باطباء المستشفيات أو معامل التحاليل، فمن وجهة نظره هذه الاماكن يسهل اختراقها، وجمع معلومات عنه من خلالها بسهولة، ولذلك كان الرجل يرسل بالتحاليل المعقدة إلى الخارج، ولم يكن سفره هو أو احد افراد اسرته للعلاج للخارج مجرد (أنزحة) وتفاخر، ولكنه كان يخشى من تسليم نفسه للاطباء والمستشفيات حتى لا تعرف جهات عديدة امراضه وفى مصر كان يتعامل مع مجموعة محدودة جدا من الاطباء، أما التحاليل العادية أو البسيطة فقد جهز بالوزارة معمل تحاليل واشعة للتحاليل.
وسمع الوزير عن فوائد الأوزون.وان حمام الأوزون يساعد فى إرجاع الشباب الضائع، وفى ذلك الوقت كان العلاج بالأوزون قد أصبح موضة فى مصر، الكل يسعى اليه والاطباء يبالغون فى فوائده على القلب والدماغ والكبد والكلى، والاهم ارجاع الشباب.
وفكر الوزير فى استخدام الأوزون بشكل خاص جدا وحصرى.، فجلب إلى عيادة الوزارة جهاز أوزون، ولان الكثير من العاملين معه يعرفون مهنته كقواد، فقد راحوا ينشرون شائعة أنه يستخدم الأوزون لاعداد النساء اللاتى يقدمهن لكبار رجال الدولة، وآخرون قالوا إنه يستخدم الأوزون لكى يتمكن من تصوير هؤلاء النسوة عاريات، وبعد ذلك يضغط عليهن لاقامة علاقات محرمة مع الرجال.
ولكن الوزير القواد كان يستخدم بالفعل العلاج بالأوزون ويؤمن بفوائده، والمثير انه على الرغم من وجود جهاز الأوزون فى عيادة الوزارة، إلا أن كل العاملين لم يتمكنوا من استخدامه، لانه وضع فى عيادة خاصة بالوزير، وقد بلغ من إيمان الوزير القواد بالأوزون وفوائده انه نصح مبارك باقتناء جهاز للأوزون، وكان الوزير القواد يستضيف بعضا من كبار رجال الدولة للعلاج أو بالاحرى الاستمتاع بجهاز الأوزون الملاكى فى الوزارة، ولم يكن جهاز الأوزون فقط هو الملاكى بالنسبة لهذا الوزير وحده، فمصر كانت ملاكى وحصرى فى دولة الفساد أيام مبارك.