احمد فايق يكتب : سر التقرير الذى أثار غضب الرئيس على حكومة محلب

مقالات الرأي


الوزراء لا يعملون وكوارث المترو والفوسفات وتسمم المياه تهدد شعبية الحكم
■ شهر رمضان الاختبار الأخير للحكومة قبل إقالتها.. والرقابة الإدارية تفحص ملفات جميع الوزراء

يعمل الرئيس بطريقة مختلفة عن الذين سبقوه، لديه ألف طريقة لقياس نبض الشارع، يتبع سياسة الرد السريع والحاسم من أعلى رأس فى مصر، يرسل يوميا عشرات الرسائل للوزراء والموظفين الكبار، ينتظر ويتابع تأثير رسائله على سياسة الحكومة، من خدم معه فى الجيش من قبل يقول إنه لا ينظر للخلف أبدا، ولا يتأثر كثيرا بلغة المصالح والحسابات.

هل يقرأ السيسى؟

نعم يقرأ ويواظب على قراءة الصحف المصرية والعربية والعالمية، ويقرأها بنفسه دون أن يلخصها أحد له، لكن لا تنتظر منه أن يقرأ 500 مقال رأى فى الصحف أسبوعيا، لأنه لو فعل هذا لن يتفرغ لإدارة مصر، فقد أصبحت مقالات الرأى فى الصحف أكثر انتشارا من الأخبار والتحقيقات والتقارير، وإذا وجدت وقتا لقراءتها كلها فلن تجد سوى فى ثلاثة أو أربعة مقالات فقط فكرة جديدة أو موضوع شيق يستحق القراءة.

طبيعة عمل السيسى بالمخابرات الحربية سابقا، جعلته يعتمد على مصادر معلومات مختلفة، ويقرأ تقارير تقدير موقف من جهات سيادية، ويتابع أيضا وسائل التواصل الاجتماعى من خلال أشخاص مقربين له، ليس لديه عزيز أو قريب إلا فى مصلحة الوطن.

الرجل يتابع الحكومة وملفاتها يوميا، لكن حينما وصلته تقارير رأى عام تقول إن أداء الحكومة سيئ وفاشل، غضب الرجل، فهو دائما يصدر التكليفات وينتظر من الوزراء تنفيذها، وليس دوره متابعة التنفيذ، التقارير قالت إن الثلاث حوادث الأخيرة “ تسمم الشرقية وغرق الفوسفات فى النيل وكارثة المترو” كلها أخطاء نتيجة إهمال وعدم تقدير للمسئولية، لقد تعودت مصر على هذه النوعية من الحوادث، وسنجد مثلها كثيرا قريبا، فليس من السهل أن تصلح أخطاء 30 عاما فى يوم، والجميع يعلم هذا، لكن ما أغضب الرئيس أن رد فعل الحكومة على هذه الكوارث كان باهتا مخيبا للآمال، الوزراء لا يحاسبون المقصرين، ولا يتخذون قرارات لمنع حدوث هذا مرات أخرى، تصريحات المسئولين نفسها كانت كوميدية وفاشلة، لا تعبر سوى عن مجموعة من الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم آخر الشهر دون أن يعملوا، بعضهم تحدث عن المؤامرة الكونية التى تهدد أمن مصر، وتسببت فى تسمم الشرقية، لم يخرجوا للرأى العام ليوضحوا له الحقيقة أيا كانت مرارتها، فوزراء محلب يتعاملون بنفس منطق وزراء نظيف، لكن هناك فارقا بين مبارك والسيسى، مبارك وصل لدرجة من الغرور والمكابرة والتبجح جعلته يتصور أنه يكرم المصريين ويتفضل عليهم بالحكم، لذا لم يكن يسمع صوت أحد سوى ابنه وزوجته وبعض الفاسدين من الوزراء ورجال الأعمال، السيسى رجل مهموم بالإنجاز، لديه مشروع وحلم للوطن يريد تقديمه للمصريين، لذا فهو يغضب حينما يقرأ تقريرا يؤكد أن الحكومة فقدت شعبيتها فى الشارع، والشارع لم يشعر بأى نوع من التحسن، التقرير انتقد بشكل خاص أداء كل الوزارات الخدمية «التموين والكهرباء والصحة والنقل والإسكان» هذه الوزارات أصبحت عبئا على المصريين، وبدلا من تقديم الخدمات للناس أصبحت هما فى كل بيت، وزارة الإسكان لا تطرح أراضى وشققا للإسكان المحدود والمتوسط بالشكل الكافى، كيف تقدم وزارة اسكان لبلد عدد سكانه 90 مليونا كل ثلاثة أشهر حوالى ألفى قطعة أرض وثلاثة آلاف شقة...؟!

إن المعدل الذى تعمل به وزارة الإسكان لا يكفى حاجة سكان مصر فى عهد الملك فاروق، المصريون ينتظرون مئات الآلاف من الشقق والأراضى والأماكن متوفرة، لكن هناك مافيا من المصالح تمنع الوزارة من تقديم الخدمات للمصريين حتى يربح رجال أعمال الأراضى ومقاولى الشقق الكبار المليارات.

مافيا المصالح نفسها فى الحكومة هى التى تحاول إجهاض الحد الأقصى للأجور، وقام بعض الموظفين الكبار برفع دعاوى فى القضاء وطعنوا على دستورية القرار، ونجح بعضهم فى الحصول على أحكام قضائية بالفعل.

هذه المافيا هى التى تحاول إجهاض أى قرار يحقق عدالة اجتماعية فى مصر، وكأنهم يدفعون الناس الى الغضب فى الشارع، يدفعون البورصة إلى الانهيار، حتى يجهضوا قرار ضريبة الأرباح الرأسمالية على البورصة، هذه الضريبة من المتوقع أن تحقق لمصر 3 مليارات جنيه، لكنهم تسببوا فى انهيارات بالبورصة وصلت إلى خسائر 30 مليارا..!

بعض الوزراء فى حكومة محلب لا يتفقون مع توجه السياسة العامة للدولة بل يعملون ضدها بتبجح غير مفهوم، الرئيس يتحدث عن عدالة اجتماعية وهم يدعمون رجال الأعمال ويزيدون العبء على المواطنين.

تقارير الرأى العام تقول إن الحكومة فاشلة فى التواصل مع الإعلام، وفاشلة أيضا فى توصيل ما حققته للرأى العام، والأخطر من هذا أن الشارع لا يشعر بوجودها، والناس تشكو منها.

كانت هذه التقارير تكتب من أجهزة كثيرة فى الدولة لمبارك ومن بعده مرسى وكانا باردان لا يتأثران بها، ولا يهتمان بها، أما الرئيس السيسى فقد شعر بالغضب الشديد، واستدعى رئيس الحكومة وواجهه، ومنح الحكومة شهر رمضان المقبل مهلة، كى تعيد ترتيب أوراقها، فمن سيتخذ قرار بقاء الحكومة أو رحيلها هم المصريون فقط وقرارات الرأى العام، لذا خرج رئيس الوزراء هذه المرة متوترا يحاول إقناع جميع من حوله أنه لم يتوقف عن العمل، هذا صحيح المهندس إبراهيم محلب من أكثر رؤساء الحكومة نشاطا، لكن ينقصه المتابعة، رئيس الحكومة يصدر التعليمات ولا يتابعها أحد بعده، هناك حكاية كنت طرفا شخصيا فيها، فهناك عالم مصرى كبير فى كندا اسمه عبدالقادر غالى هذا الرجل من كبار علماء العالم فى الزراعة، الرجل قرر أن يتبرع بمعمله إلى مصر، وهو بالمناسبة أحدث وأكبر معمل فى العالم، لكن بالتأكيد هناك فى مصر من يعرقل أى شىء جيد، لم يستجب له عميد كلية الزراعة جامعة القاهرة، وجعلوه يدور حول نفسه ثمانية أشهر، لدرجة أن وزارة الخارجية أرسلت للجامعة أن هناك أحدث معمل علمى فى العالم هدية لكم ولم ترد عليهم كلية الزراعة، هذه الواقعة ذهبت بها إلى مكتب رئيس الوزراء عبر مؤسسة اسمعونا، ووعدت مستشارته بحلها، وللأسف لم يحدث شىء، فعميد كلية الزراعة أقوى من رئيس الحكومة.

هذه الواقعة تؤكد أن هناك طبقة من كبار الموظفين تعتبر نفسها فوق الدولة وفوق الحكومة، لا تفعل شيئا سوى التعطيل والتعقيد.

شهر رمضان هو شهر الخدمات الأكثر اختبارا للحكومة، وكل وزير يعلم الآن أن تقارير الرأى العام هى التى ستبقيه فى مكانه أو ستجعله يرحل، لقد طلبت مؤسسة الرئاسة من الرقابة الإدارية فحص كل ملفات الوزراء والوزارات، وهذه إحدى مهام هذا الجهاز العريق، مهمة كان مبارك لا يطلبها، لأنه كان ينظر للرقابة الإدارية باعتبارها جهازا تجميليا، وليس جهازا لمكافحة الفساد ومتابعة أداء الحكومة، الآن الرقابة الادارية تلعب دورها القانونى الآن، وتقارير متابعة الوزراء وأداء العمل فى الحكومة ستخرج من هذا الجهاز العريق، بل ربما تقارير المعلومات عن الوزراء الجدد المرشحين حال إخفاق الحكومة.