أحمد فايق يكتب: البحث عن مستقبل مصر داخل غرف أبحاث كندا
أحمد فايق يحقق من 12 مدينة تغطيها الثلوج
■الجيل الخامس للمحمول شرائح يتم تركيبها فى جسم الإنسان تجعله تحت مراقبة الطبيب والمدير فى العمل والشرطة والزوجة ■مصانع لإنتاج الطائرات يديرها الإنسان الآلى ■سيارات ذكية تلتزم بقواعد المرور رغما عن السائق وسرير طبى يغنى عن الممرضة ■ طائرات لعبة بدون طيار موجة الإرهاب الجديدة
كنت أسير فى شارع رئيسى بمونتريال درجة الحرارة 22 تحت الصفر، لا أستطيع أن أصدق هذا الإحساس بالبرودة، قال لى صديقى المخرج ثروت مصطفى انتبه قد تقع أنفك، يجب أن تغطى وجهك قليلا، فليس من السهل أن يتحول العالم كله حولك إلى «فريزر»، وليس عجيبا أن تفقد الجزء البارز من أنفك أو حتى أذنك من البرد، فقد يتجمدون ويسقطون مع أقرب احتكاك عنيف، هذا ليس خيالا علميا هناك من يعيشون على بعد 10 آلاف كيلو متر مربع من هنا فى هذه الظروف، الشتاء فى كندا ثمانية أشهر فى العام، والأمر ليس مثاليا كما نراه فى الافلام الامريكية، أن تعيش جزءا كبيرا من عمرك وسط الثلوج شىء كئيب، أن تجد نفسك مجبرا على أن تبحث عن أى مكان مغلق ومجهز للتدفئة أيضا شىء كئيب، أن تقتصر علاقتك بالعالم الخارجى على نافذة زجاجية هو نوع من السجن، ورغم كل هذا يحلم ملايين المصريين بصناعة مستقبلهم هناك...!
الانطباع الاول عن كندا أنها دولة جاذبة لكل الطبقات المتوسطة فى العالم، دولة للباحثين عن كل أنواع الحريات الاجتماعية والدينية والسياسية وغيرها، لذا لا تتعجب حينما تجد أحدهم يرتدى جلبابا أبيض ويطلق لحيته وزوجته محجبة يسيران بجوار محلات الجنس، وبجوارهما بائعة هوى ترتدى ملابس مثيرة تبحث عن زبون، ولا يجرؤ أحدهما على النظر للآخر أو توبيخه أو حتى احتقاره فالنظام هناك يحمى حرية رواد محلات الجنس وأصحاب الجلباب الابيض، ولو حاول صاحب الجلباب الابيض تحريم أو تكفير الآخر ولو حتى بالنظرة السيئة لن تتركه الشرطة، مقابل الحرية التى تحصل عليها فى هذه الدولة فإنك تدفع الكثير، الدخل فى هذه الدولة نصفه يذهب للضرائب، لا تستطيع أن تدفع ثمن سندويش الهمبورجر دون أن تدفع بجواره الضريبة، ولا يتقاضى أحد راتبه قبل أن يسدد الضرائب، لقد صنع القانون هناك من أجل أن يتسامح معك فى أعتى الجرائم ولا يسامحك فى دولار واحد تهرب ضريبى، والقانون هناك قائم على الغرامات، لو أخطأت تدفع غرامة كبيرة، رخصة القيادة هى رصيد من 15 نقطة، كلما وقعت فى خطأ يتم سحب نقطة أو ثلاث أو خمس من رصيدك إلى أن تستنفده، وحينما تنتهى من الـ15 نقطة، فإن تصريح القيادة يسحب منك على الاقل لمدة عام، وبعدها تدخل فى اختبارات جديدة وامتحانات أكثر صعوبة، وتدفع الكثير لشركة التأمين، فالتأمين على السيارة إجبارى قانونا، وشركات التأمين تضع تصنيفا للسائقين كلما كانت اخطاؤه المرورية أكثر فإن تأمينه يصبح أكثر وقد تصل قيمة التأمين الإجبارى على السيارة إلى 10 آلاف دولار فى العام، أى تقريبا ثمن سيارة جديدة، السيارات هناك أرخص بكثير من مصر لكن «القيادة» أغلى..!
كنا فى رحلة عمل لتصوير الموسمين الثالث والرابع من برنامج «مصر تستطيع» الذى يعرض بقناة النهار اليوم، عشنا هناك لمدة شهر وأسبوع بحثا عن العلماء المصريين فى كندا، وكيف يساهم هؤلاء فى صناعة المستقبل، رفيقا الرحلة هما المخرج ثروت مصطفى والمخرج مؤمن خاطر، والرفيق الثالث الذى لم يفارقنا هو الدكتور عصام الكردى المستشار الثقافى لمصر فى كندا، هذا الرجل العظيم الذى يعرف جيدا قيمة وقدر مانفعله لذا لم يتردد لحظة فى الوقوف بجانبنا بأخلاق المهندس الذى أشرف على ميناء الاسكندرية وتطوير محطة مصر، والمطور الذى أدار صندوق تطوير التعليم بوزارة التعليم سابقا وواحد من مؤسسى مدارس وجامعة النيل.
لقد شاهدنا فى كندا المستقبل وكأننا فى أحد مشاهد أفلام الخيال العلمى، فلا شىء فى العلم أصبح بعيدا عن هؤلاء العباقرة الذين يجلسون فى غرف الابحاث، يرسمون مستقبلنا من بعيد ونحن مازلنا نتحدث عن البخارى.
الآن شركات المحمول والسوفت وير تعمل بقوة من أجل مشروع كبير يحمل اسم «الانترنت فى كل شىء» حيث سيتم تركيب شريحة فى كل شىء بالعالم، على سبيل المثال مقعد أو سيارة أو حتى ترابيزة، من خلالها نستطيع أن نعرف متى تم عمل هذا المنتج واسم الشركة المنتجة، وقيمة الضرائب التى تم دفعها، واسم العميل الأول الذى اشتراها، وحتى العميل الثانى ، هذا الكلام لن يتوقف على الجماد فقط، بل سيرتدى كل إنسان «سوارا» فى يديه به كود «سيريال نامبر» هذا السوار يستطيع أن يقيس نبضات القلب والضغط والمجهود والسكر والاملاح، وسيكون متصلا بالقمر الصناعى لتحديد اتجاهاتك، وستكون كل هذه المعلومات لدى طبيبك الخاص، الذى ربما يتصل بك طالبا منك أن تتناول دواء معينا لأن الفحوصات والتقارير التى لديه غير مطمئنة!
هذا السوار سيكون مرتبطا على برنامج كمبيوتر لدى مديرك فى العمل ليعرف مجهودك فى العمل، وعدد الساعات التى تعمل فيها ونسبة إنجازك، وربما تطلب زوجتك البرنامج نفسه لتحديد اتجاهاتك وتحركاتك خارج المنزل، ومن المتوقع أن يتحول هذا السوار فى المستقبل إلى شريحة يتم ذرعها فى جسم الإنسان، ماأتحدث عنه من خيال علمى سيكون فى متناول الأيدى خلال شهور وليس سنوات، فصناعته أسرع بكثير من قدرتنا على فهم مايحدث فى الحاضر، الجيل الخامس من المحمول لن يكون جهازا فى يديك أو شاشة تلاعبها بأصابعك، بل هذه الشريحة التى قد يتم تركيبها فى العين، ومن خلالها ترى كل شىء فى العالم على طريقة أفلام هوليوود، تعطيك قدرة على التواصل مع القمر الصناعى لتحديد الطرق ومناطق الزحام، ترى من خلالها الافلام والمسلسلات والالعاب، وبها أيضا برامج تعليمية، كل هذا قد تجده مزروعا بداخلك أو فى عينيك أو أذنك.
الانترنت لكل شىء تم تطبيقه من خلال مراتب طبية ذكية موجودة الآن فى الاسواق الكندية والامريكية، ويتم استخدامها أكثر فى حالات الغيبوبة، وتحمى المريض من قرحة الفراش، هذه المرتبة قادرة على قراءة الضغط والسكر وحركة المخ والاعصاب، وتعطى تقارير دورية للطبيب تظهر على ساعته الشخصية، الآن المرضى المصابون بالغيبوبة لا يحتاجون إلى ممرضات، فلدى الطبيب ساعة تعطيه إنذارا فى حالة تغير حالة المريض، الابحاث الآن تعمل على تطوير هذه المراتب للتخلص تماما من الممرضات، مع وجود إنسان آلى يعطيك الدواء فى المواعيد الدقيقة وبالكمية التى يحددها الطبيب، ويعطى الكمبيوتر تقريرا دقيقا عن كل مريض لمراكز الابحاث التابعة للمستشفى أو الجامعة، حتى يعمل الباحثون والعلماء على ابتكار أدوية جديدة.
فى محلات لعب الاطفال يتم بيع طائرة بدون طيار ثمنها 200 دولار تستطيع أن تطير فى مساحة اربعة كيلومترات وارتفاع 2 كيلومتر، وتتحرك بالريموت كنترول، هى ليست مجرد لعبة أطفال فقط لذا وضعت كندا مجموعة من القواعد والشروط المنظمة لاستخدامها، فقد يتم استخدامها من قبل الارهابيين فى الاغتيالات الشخصية، هذه الطائرة تتحمل قنبلة يدوية كاملة، أى ممكن توجيهها فى أى مكان وعلى بعد اربعة كيلو مترات للاغتيال، إنها موجة الارهاب القادمة فى العالم من خلال هذه الطائرات، وتعمل معامل الابحاث لكيفية مواجهتها، فالمنع ليس سهلا، وتكنولوجيا تصنيع هذه الطائرة متاحة للجميع، ومصانع الإرهاب التى تصنع قنابل بدائية تستطيع أيضا تصنيع طائرة بدون طيار، لذا فهناك برامج سوفت وير تأمين إلكترونية يتم وضعها لتتبع حركة مثل هذا النوع من الطائرات، ويمكن أيضا استخدامها فى تتبع الإرهابيين والمجرمين، فهذه الطائرة يمكن أن يزيد قطر تحركها إلى 20 كيلومتراً ويمكن تركيب أجهزة استشعار عليها من اشعة تحت حمراء للرؤية الليلية وحتى أجهزة الاستشعار الحرارى والتصوير، وبدلا من إرسال جنود الاستطلاع لتتبع المجرم أو الارهابى يمكن إرسال هذه الطائرات التى ترصد الهدف وتعطى إحداثياته للقمر الصناعى ثم يتم ضربه من الشرطة أو الجيش وتستخدمها بالفعل الشرطة الامريكية والكندية وهى عملية غير مكلفة، ولا يزيد سعر هذه الطائرة مع أجهزة الاستشعار على 500 دولار فقط، تخيلوا هذا المبلغ يحمى حياة مئات من الجنود الأبرياء الذين يموتون يوميا برصاص الغدر.
الجيل الأول من السيارات الذكية الآن فى كندا أصبح مرتبطا بالقمر الصناعى، وهناك أجهزة استشعار فى الحارة المرورية مرتبط بالكمبيوتر داخل السيارة، إذا خرجت عن الخط الابيض فإن كمبيوتر السيارة يعيدك إجباريا للالتزام بحارتك المرورية، هناك اجهزة استشعار تم تركيبها فى مقدمة السيارة لو قلت المسافة بينك وبين السيارة التى أمامك عن 50 مترا فإن موتور السيارة يقف تلقائيا حفاظا على سلامتك، وهناك أجيال أخرى من السيارات ستعتمد على السائق الآلى الذى لديه معلومات عن الطرق والزحام ويسير بالسيارة بك وسط الطريق ملتزما بقواعد المرور، هل تتخيلون أن الأزمة التى يحاولون حلها الآن، إن هناك بعض الثلوج تغطى الخط الابيض فى الحارة المرورية وبالتالى تقطع الاتصال أحيانا بين الشارع والسيارة، نعم لقد وصلوا إلى هذا القدر من الرفاهية ونحن مازلنا نتحدث عن البخارى؟!
الموديلات الجديدة من السيارة سترتبط إلكترونيا بإشارات المرور، حينما تعطيك إشارة التوقف فإن كمبيوتر السيارة يتلقى الامر ويتوقف وحده، حتى لو أعطيته أمرا بكسر إشارة المرور!
بل سيكون متصلا بدائرة شرطة المرور لمعرف التزامك بقواعد المرور وأيضا شركة التأمين لتحديد قيمة التأمين على السيارة وعليك، وأيضا بمراكز الابحاث التى تضع تقييما دوريا للتجارب وتعمل على تطويرها.
هل تعلم أنك تستطيع أن تدخل مصنعا يعمل بكامل طاقته بدون إضاءة، مظلم كأنه قبر لكنه ينتج كأنه يعمل فى ضوء الشمس؟
نعم هذا يحدث الآن فهذه المصانع تعمل بالكامل بالانسان الآلى الذى لا يحتاج إلى نور كى يعمل، الإنسان يضع فقط برنامج العمل والإنسان الآلى ينفذ، هناك خطوط إنتاج كاملة الآن تعمل بالانسان الالى فى كندا واليابان والصين وامريكا والمانيا، وتجرى الآن تجارب فى مصانع الطائرات لصنع طائرة بالكامل من خلال الإنسان الآلى.
هناك علوم أخرى تطور فيها العالم وتصنع المستقبل منها علم «تخليق المواد» وهو عبارة عن صناعة مواد جديدة مخلقة ليست مثل الحديد أو الصلب أو الالمونيوم، بل على سبيل المثال جناح الطائرة مصنوع من مادة مخلقة وزنه خفيف جدا لكنه أكثر صلابة من الصلب وأكثر قوة من الحديد ومرونة من البلاستيك!
قديما كان الجنود يستخدمون الدشم للوقاية من القنابل، وحماية المنشآت الحيوية من خلال إحاطتها بسور أسمنتى مبطن بالصلب الثقيل، الآن هناك مواد مخلقة بالكامل خفيفة الوزن مثل جناح الطائرة وتستوعب ألف انفجار، هذه المواد يتم تصنيعها فى معامل الابحاث الامريكية والكندية.
فى المستقبل معامل الابحاث الكندية تعمل على تحويل وسائل المواصلات العامة إلى خاصة، فلديهم يقين أن السيارات الخاصة لن يكون لها وجود بعد 50 عاما، فى البداية كانوا يوسعون الطرق ويصنعون طرقا بديلة لكنهم اكتشفوا أنه مع الزيادة السكانية الرهيبة فى العالم كله لن تكفى ملايين الطرق للسيارات الخاصة، ولن يكفى الوقود أو الطاقة لهذه السيارات، والحل هو توفير المواصلات العامة برفاهية أكبر من المواصلات الخاصة، لذا فالمواصلات العامة تصل إلى هدفك بسرعة أكبر فكل قواعد المرور وقوانينه هناك تفضل المواصلات العامة عن الخاصة، هناك أولوية للأتوبيس العام عن السيارة الخاصة، والحارة السريعة مخصصة له، بل يخصصون حارة فى الطرق السريعة للسيارة الخاصة التى بها أكثر من ثلاثة ركاب وذلك لتشجيع فكرة أن تنتقل عائلتين مثلا بسيارة واحدة فقط، لذا فهذه الحارة أكثر سرعة من الحارة التى فيها سيارة ملاكى براكب واحد فقط، حينما تركب الأتوبيس هناك تشعر أنك داخل قطار فاخر ليس أتوبيسا مكيف الهواء به انترنت كل شىء فيه الكترونى حتى التذكرة يسير بسرعة ولا يتمايل يمينا ويسارا، متوافر كل دقيقتين بلوحة مواعيد مقدسة على المحطة، ولو قررت أن تخوض نفس التجربة مع سيارتك الخاصة فإنك ستصل فى مدة أكبر مع بذل مجهود إضافى فى القيادة وبالطبع مصاريف أكبر.
لقد نجح النظام هناك فى أن يجعل السيارة الخاصة عبئا على سائقها، يسعى للتخلص منه والانتقال إلى المواصلات العامة، ومن خلال المواصلات العامة تستطيع أن تصل إلى أى مكان فى كندا سواء كان مترو أو قطاراً أو أتوبيساً، ولكل مدينة وسائل مواصلات مناسبة لها، القطارات لها ثلاثة أنواع، مترو تحت الأرض و«اير وير» وهو نوع آخر بين المترو والقطار يستخدم فى النقل بين المدن وضواحيها وتكون سرعته أكبر من المترو وأكثر راحة، والقطار السريع الذى يستخدم فى النقل بين المحافظات المختلفة، الـ«اير وير» مشروع مهم جدا لأنه يشجع التجمعات العمرانية الجديدة على اطراف المدينة، بمعنى أنه يمكنك أن تسكن فى مدينة السادات أو حتى محافظة الاسماعيلية وتعمل فى وسط القاهرة لأن هناك «اير وير» ينقلك فى 30 دقيقة فقط.