د. رشا سمير تكتب: ذكرى بمذاق العشق والياسمين

مقالات الرأي



اليوم فى ذكرى وفاتك قررت ألا أكتب إليك، وألا أرثيك وألا أغازل أشعارك..

فقط قررت أن أبحث عن عنوان كل نساء العالم فى عينيك، وأن أدخل ذاك الكهف المسحور طواعية وأرسو على جُزر أشعارك.. فأتعلم منك لغة العشق ويمنحنى سيفك صكوك العتق..

اليوم أدعوك لتعلمنى فأكون تلميذتك.. أدعوك لتأخذنى إلى صومعتك لأتعبد فى محراب كلماتك.. أدعوك لترسم لى بحروفك ألف بيت وحُلم واحد..

أجبنى سيدى: من هؤلاء؟

المرأة......

«حملتها على كتفى أربعين عاما.. وسافرت بها مشيا على الأهداب

وعلى كل كثيب رمل نامت عليه ترعرعت نخلة وانبثق ينبوع ماء..

كل من رآها معى فى شوارع المدن العربية ظنها شجرة ورد..

حذفت اسمها من قائمة العقارات والأملاك المنقولة ووضعته فى قائمة الكتب التى تُقرأ.. حذفت اسمها من قائمة الطعام ووضعته فى قائمة الأزهار..

فى الأربعينات كانت المرأة عندى غزالا أو وردة أو فراشة ربيعية.. أما فى الخمسينات وما بعدها، فهى أرض نقاتل عليها ونقاتل من أجلها».

الرجل.....

«إن الرجل بتركيبته يابس ومالح وغليظ..

وهو ما أن يتخرج من الجامعة حتى يفك ارتباطه بالشعر ولا يقرأ إلا جريدته اليومية وجدول أسعار البورصة..

الرجل لا يدخل إلى مكتبة ليشترى ديوان شعر.. ولا يدخل إلى دكان بائع أزهار ليشترى وردة..

الرجل يأكل القصيدة بأسنانه فى حين أن المرأة تتمرى بها وتتكحل بها»

الشعر.....

«أنا من أُمة تتنفس الشعر وتتمشط به وترتديه

كل الأطفال عندنا يولدون وفى حليبهم دسم الشعر

وكل شباب بلادى يكتبون رسائل حبهم الأولى شعرا

وكل الأموات فى وطنى ينامون تحت رخامة عليها بيتان من الشعر

أن يكون الإنسان شاعرا فى الوطن العربى ليس معجزة بل المعجزة ألا يكون..

نحن محاصرون بالشعر ومرغمون على كتابة القصائد كما أرض مصر تحبل بقطنها وأرض الشام بقمحها وأرض العراق بتمورها».

دمشق.........

«لا أستطيع أن أكتب عن دمشق دون أن يعرش الياسمين على أصابعى..

ولا أستطيع أن أنطق اسمها دون أن يكتظ فمى بعصير المشمش والرمان والتوت والسفرجل..

أنا خاتم من صياغة دمشق، نسيج لغوى من حياكة أنوالها..

صوت شعرى خرج من حنجرتها..

سحابة من القرفة واليانسون تتجول فى أسواقها..

شجرة فل تركتها أمى على نافذتى..

ولا تزال تطلع أقمارها البيضاء كل عام»..

الحُب.......

«إن الحُب فى نظرى هو التعويض العادل عن كل بشاعات هذا العالم، وحماقاته وجرائمه.. إن انفجار القنبلة لا يلغى أبدا تفتُح القرنفلة، كما أن الطعنة لا تلغى القُبلة، والذُبابة لا تلغى الفراشة، وطائرات إف 15و16 لا تلغى ولادة الأطفال، والمعتقلات لا تلغى الحُرية..

إن الثائر الكبير لا يمكن أن يكون إلا عاشقا كبيرا، فالذى يُحب امرأة يُحب وطنا والذى يُحب وجها جميلا يُحب العالم..

الحُب عندى عناق للكون، وعناق للإنسان»..

سيدى.. عاشق النساء وفارس الأوطان وقائد معارك الحُرية... نزار قبانى..

فقدناك ولن تذبل كلماتك.. فارقتنا وسكنتنا أشعارك.. رحلت عنا وتركت لنا تُراثا من العشق.. لك منى اليوم فى ذكرى رحيلك.. ألف ليلكة.. ومائة طوق ياسمين.. وشجرة نارنج تحتضن ثمارها فى ساحة شعرك الدمشقى..