د. نصار عبدالله يكتب : سد النهضة فى سوهاج «1»
رغم أنى لأسباب كثيرة ـ صحية فى المقام الأول ـ قد أصبحت فى السنوات الأخيرة عازفا تماما عن المشاركة فى أى نشاط عام ، دائم الإعتذار عن عدم إمكان تلبية أي دعوة تتعلق بمؤتمر أو لقاء ، أو حتى مناقشة رسالة علمية إذا كانت المناقشة تستلزم منى جهدا أو سفرا ، رغم ذلك فإننى لم أستطع أن أرفض الدعوة التى وجهها لى الصديق العزيز الدكتور محمد توفيق الباحث المتميز فى الجغرافيا المناخية لكى أدير إحدى الجلسات العلمية لمؤتمر: " مستقبل الأمن المائى المصرى فى ضوء التحديات المعاصرة " الذى انعقد فى جامعة سوهاج فى يومى 5و6من الشهر الحالى ..لم أستطع أن أرفض هذه الدعوة لأسباب شتى فى مقدمتها أنى أشعردائما بضعف إنسانى نحو الدكتور محمد توفيق الذى أرى فيه مثالا متحققا للنموذج الذى أتمنى أن يشيع فى جامعاتنا وأعنى به نموذج الباحث الأكاديمى الذى يجمع بين آليات البحث العلمى المتخصص وبين مكونات الرؤية الثقافية الشاملة وهو بهذا امتداد إنسانى للصديق العزيز الراحل الدكتور مرزوق حبيب ميخائيل من قسم الجغرافيا أيضا والذى ترك رحيله المبكر فى قلبى جرحا غائرا لا تزال آثاره باقية إلى الآن، ومع هذا فإن هذا النموذج الذى يتمثل فى "مرزوق" و"محمد" هو للأسف الشديد نموذج آخذ فى الإنقراض على مستوى الأكاديميين بوجه عام، وعلى مستوى المشتغلين بالجغرافيا بوجه خاص، رغم أن الجغرافيا قد قدمت لنا فيما مضى أمثلة مبهرة لهذا النموذج الذى أتكلم عنه، على رأسها أسماء مثل : محمد عوض محمد ـ محمد محمود الصياد ـ سليمان حزين!، وبالطبع فإن على رأس تلك الأسماء اسم العالم الجغرافى الموسوعى والمثقف الوطنى الفذ جمال حمدان، ومن بين الأسباب التى حالت أيضا بينى وبين الإعتذار أنى شغوف بالفعل على التعرف على آخر ماوصلت إليه محنة الموارد المائيه المصرية من خلال رؤية أكاديمية متخصصة، كذلك فإن من بين ما جعلنى أحرص على المشاركة هو ما علمته من أنه سوف يكون من بين المشاركين صديقى القديم الدكتور محمد إبراهيم منصورأستاذ الإقتصاد الذى أسس مركز دراسات المستقبل فى جامعة أسيوط ، وقد كان ذلك المركز من أوائل الذين أطلقوا فى ثمانينات القرن الماضى صيحات التحذير من أزمة المياه القادمة ، لكن تلك الصيحات أوصدت عليها أدراج المسئولين فى عصر كان يمسك بزمام الأمور فيه رئيس يتسم بقدر هائل من البلادة!! ، ولقد بدأ زميلنا الدكتورمحمد توفيق بالإعداد لهذا المؤتمر منذ أكثر من عام وبذل جهدا كبيرا فى التخطيط لإنجاحه فى ظل ما هو متاح من الموارد والإمكانات من موقع إدراكه لعمق الضائقة التى تواجهها الدولة بوجه عام والجامعة بوجه خاص، وأعود بعد هذا الإستطراد إلى المؤتمر الذى كان مثالا للتكامل بين مجموعة مختلفة من التخصصات العلمية بعضها ينتمى إلى العلوم الطبيعية (وبوجه خاص الجيولوجيا التى هى بطبيعتها وثيقة الصلة بل تتداخل أحيانا مع بعض فروع الجغرافيا الطبيعية) فى حين ينتمى بعضها الآخر إلى العلوم والدراسات الإنسانية: الإقتصاد ـ التاريخ ـ الآثار ـ الإعلام ـ ، فى حين تنتمى بعض الأوراق البحثية إلى ما يعرف بالعلوم المعيارية كالنقد الأدبى ـ والقانون ، أما المشاركون فى هذا المؤتمر فقد تمثلوا فى الدكتور حسام مغازى وزير الموارد المائية الذى اعتذر فى اللحظة الأخيرة عن عدم الحضور وأوفد مساعده الدكتورمحمد سليمان لكى يعرض ورقته البحثية نيابة عنه، فضلا عن أسماء أخرى عديدة فى مقدمتها الدكتور مغاورى شحاته (رئيس جامعة المنوفية الأسبق) وهو أستاذ الجيولوجيا وواحد من أهم خبراء المياه العالميين وللحديث بقية