معتز بالله عبد الفتاح يكتب : الأزهر فى الدستور الجديد

مقالات الرأي


ثلاث مدارس كبيرة تتناقش بشأن ما الذى يكتب فى الدستور الجديد عن الأزهر الشريف. وطبعا كل التقدير لهذه المؤسسة العريقة، لكن هناك تخوفات من أن يزج باسمها فى ساحات العمل السياسى والتقاتل الحزبى وتفقد أعظم وأهم ما فيها وهى أنها مؤسسة علمية تعليمية وطنية عالمية.

هناك، أولا، من يرى أن الأزهر لا بد أن يكون المرجعية «النهائية» أو «الأساسية» فى تفسير «مبادئ الشريعة» ومن ثم سحب هذا الاختصاص من البرلمان والمحكمة الدستورية العليا. والمعضلة أن هذا النوع من التفكير سيجعل الأزهر نفسه ساحة للتنافس، وربما الصراع، بين المدارس الفكرية والسياسية المختلفة؛ لأن من يسيطر على الأزهر سيمتلك صلاحية «الفيتو» على القرارات والتشريعات وفقا لتفسير المسيطر على مؤسسة الأزهر. وكأننا بهذا نخلق نسخة مصرية من «مجمع تشخيص مصلحة النظام» و«مجلس صيانة الدستور» الإيرانيين اللذين يسيطر من خلالهما آية الله فى إيران على مقدرات الحياة السياسية الإيرانية. وهو ما لا يتفق مع الإسلام السنى، وما لا يتفق مع ما نريده لمصر.

وهناك، ثانيا، من يرى أن الأزهر لا بد أن يكون مرجعية استشارية يعود إلى هيئة كبار علمائه كل من البرلمان ورئيس الجمهورية فى الأمور التى يرى هذان الطرفان أنها قد تكون موضع جدل فقهى. وهذا ما كان يحدث من قبل فى بعض القضايا المثيرة للجدل مثل قانون نقل الأعضاء.

وهناك، ثالثا، من يعترض على هذه المرجعية الاستشارية أيضا لأنها قد تعطى للرئيس الحق فى استغلال الأزهر كواجهة لتمرير العديد من القرارات أو رفض تمريرها. كأن يتذرع الرئيس بأنه استشار الأزهر فى مسألة ما ورفض العلماء الأمر أو على العكس سألهم فحثوه على اتخاذ القرار من وجهة نظر دينية، فيصبح الأزهر فى مصر قبيلة ضمن القبائل، وأداة ضمن الأدوات السياسية الموجودة على الساحة.

إذن أى دور سياسى للأزهر (حتى لو كان استشاريا) قد ينقص كثيرا من دوره العالمى كمؤسسة دعوية وسطية لنشر الإسلام السنى ويحصر العديد من أدواره فى الشأن المحلى كما سيجعل الكثيرين حريصين أشد الحرص على الهيمنة على مؤسساته واختراقه سواء كان ممن فى السلطة أو خارجها.

إذن ما الحل؟

تقديرى أن ذكر الأزهر فى الدستور كمرجعية سواء نهائية أو أساسية بشأن تفسير «مبادئ» الشريعة ستكون مخاطره أكثر كثيرا من أى عائد محتمل، وسيفقدنا القيمة الروحية للأزهر وسيجعل المناصب داخل الأزهر وكأنها ساحة للتنافس شأنها شأن المناصب السياسية فى البرلمان أو السلطة التنفيذية. وهنا تحديدا سيختلط على الناس هل الأزهر مؤسسة تعمل لقداسة الدين أم هى ساحة للصراع على جاه الدنيا.

لكن غياب أى ذكر للأزهر فى الدستور سيجعله أداة أيضا للصراع بين القوى السياسية المختلفة عبر التنافس على تعديل قانون الأزهر كلما عنَّ لفريق استغلاله لمصلحة ما أو التخلص من أحد رموزه لخلاف ما. إذن لا بد من تحصين الأزهر من أن يكون ساحة للتنافس الحزبى، ولا بد من تحصينه ضد أن يكون أداة لسيطرة فريق على حياتنا السياسية والروحية بما لا يخدم شرع الله.

إذا كان الهدف السابق موضع اتفاق، فإن الأزهر لا بد أن يذكر فى الدستور باعتباره هيئة علمية تعليمية وطنية عالمية يحظر على العاملين فى هيئاتها العليا الانتماء الحزبى أو تقلد أى مناصب سياسية أثناء خدمتهم فى الهيئات العليا للأزهر الشريف. ويدير الأزهر شئونه وفقا لقانونه. ولا يجوز استغلال اسم الأزهر الشريف أو الفتاوى الصادرة عنه فى الصراعات السياسية أو الحزبية. والأمر قطعا مفتوح للاجتهاد. ومن جاء بخير من هذا قبلناه ودعمناه.