إنتشار القرصنة وأثره على تقدمنا التقني
يحزنني عندما أجد الكثير من مستخدمي الحاسوب في بلداننا العربية لا يفرقون بين البرنامج الحاسوبي وبين الـ(كراك) أو (الكيجن) ، فيعتقدون أن الكراك هو القطعة المكملة للبرنامج ، أو أن الشركة نفسها تقوم بعد إطلاق البرنامج بإطلاق الكراك المكمل كي يتمكن المستخدمين من فتح واستعمال البرنامج ، قد يبدو الأمر غريباً عليك لأنك في الغالب مهتم بالتقنية ولديك معرفة واطلاع جيد بعالم الحاسوب ، لكن هنالك الكثير من الأشخاص العاديين الذين يملكون هذا الاعتقاد والتفكير. (يزيدون في البلدان العربية الأقل نمواً).
الكثير من المواقع العربية والمنتديات تكرس هذا المفهوم الخاطئ ، فهي لا تساهم في تعريف المستخدم العادي بين أنواع البرامج بل إن الكثير منها يسهل على المستخدم الحصول على تلك الكراكات التي تنتهك حقوق ملكية أصحاب البرامج بسهولة ، والمستخدم العادي عندما يجد رابط تحميل البرنامج وتحته مباشرة رابط تحميل الكراك ثم يجد شرحاً عن طريقة تفعيل ذلك الكراك ولا يجد كلمة واحدة أو تحذير بجانب الكراك من قبيل (انتبه ، هذا الكراك ينتهك حقوق الآخرين) فهو يقوم بالخطوات المكتوبة ولا يعي أن هذا الأمر غير شرعي.
مبررات القرصنة:
اذا انتقلنا إلى المستخدمين الذين يعرفون ويفهمون أن هذا هو انتهاكاً لحقوق الملكية ، فسوف تجد الكثير من المبررات عند الكثير من أولائك المستخدمين ، وحتى إن لم يصرح بتلك المبررات ، فالمبرر يبقى في ظمير كل مستخدم ينتهك حقوق الملكية من أجل أن يقنع نفسه باستخدام تلك البرامج وأن يرتاح من تأنيب الظمير ، من هذه المبررات المنتشرة :
– لن يؤثر عليهم: البعض يقول أن أصحاب تلك البرامج هم شركات كبيرة وعملاقة وليسوا محتاجين لمبالغنا البسيطة التي سوف ندفعها ، والجواب على هذا المبرر أن تلك الشركات الكبيرة يعمل فيها موظفين صغار ، كل موظف لديه أسرة وعائلة، وعمله في تلك الشركة هو مصدر دخله الذي يظمن له ولعائلته حياة كريمة ، ونجاح الشركة أكثر أو تراجعها يؤثر بشكل مباشر على الموظفين وعلى دخلهم وعلى حياتهم ، ومن الطبيعي أنه عندما تزيد القرصنة تتراجع الشركة ويقل نجاحها وبالتالي يؤثر ذلك على الموظفين وقد يؤدي ذلك إلى تسريح البعض منهم ، لن تكون وحدك من يؤثر على هذا لكن قرصنتك لهذه البرنامج تساهم في حدوث تلك الأمور السلبية لتلك الشركة وأولائك الأفراد ، إظافة إلى أنه ليست كل البرامج تتبع شركات كبيرة ، فبعض البرامج أو كثير منها يتبع أفراد أو مجموعة مطورين مستقلين.
– أصحاب البرامج كفار: قد تجد هذا المبرر ينتشر في أوساط بعض المتدينين ، من هذا المنطلق يبررون لأنفسهم استعمال تلك البرامج وكأن ممتلكات الـ(كفار) حلال علينا ، طبعاً المتدين الحقيقي لن تجده يفكر بهذه الطريقة، بل هو أكثر حرصاً على احترام حقوق الآخرين ويعلم أن الحقوق امر عظيم وقد يغفر الله الذنوب التي بينه وبين عبده لكن ما يتعلق بحقوق الآخرين فهو أمر يتطلب مسامحة صاحب الحق نفسه.
– نحن مضطرون لذلك: هذا مبرر منتشر عند الكثير من الأشخاص في الدول الأقل نمواً في الدول العربية ، حيث مبلغ العشرين دولار ليس بالأمر الهين لديهم ، فيبررون لأنفسهم أنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف شراء جميع البرامج التي يحتاجونها ، لكن لم يعد هذا المبرر مقبولاً في هذا العصر الذي نعيش فيه ، فهنالك الكثير من البرامج المجانية والمفتوحة المصدر البديلة عن البرامج المقرصنة ، عدد قليل من البرامج الغير مجانية التي لا يوجد لها بديل مجاني في نفس كفائتها ، لكن أغلب البرامج لديها ما يكفائها بالمجان.
التخلف التقني:
نحن كأمة عربية متأخرون عن بقية الأمم في عدة أمور وهذه حقيقة لامفر منها ،، لكن امامنا فرصة كبيرة كي نظاهي الأمم الأخرى ونتفوق عليهم في مجال التقنية وخاصة البرمجيات ، لأن هذا العلم الجديد لا يتطلب إمكانات هائلة أو بيئة تحتية خاصة ،، كل المطلوب هو عقول نظيفة وإرادة قوية ،، يمكن أن يكون للشعوب العربية قدم سبق في بعض المجالات التقنية ، لكن ثقافة القرصنة قد تقف عائقاً أمام هذه الحلم الجميل. كيف ذلك؟
الجانب المادي من الحوافز المهمة للموهوبين والنابغين من أجل ان يطوروا برمجيات فريدة ومفيدة ، ليس هذا فحسب ، بل إنه أمر مهم لاستمرار عطائهم ،، هذا المبرمج او المطور يريد في الأخير مصدر دخل يعيش به ،، إذا لم يجد دخلاً جيداً من عمله في مجال البرمجيات وعلوم الحاسوب فربما التف عنها إلى وظيفة روتينية ، فينتقل من مسار الإبداع والتأثير إلى (موت سريري) يجعل منه عنصراً عادياً في المجتمع كملايين العناصر التي لا تقدم ولا تؤخر في تقدم الأمة العربية اليوم.
لكن في المقابل ، عندما يعي المجتمع أهمية احترام حقوق الملكية وخطر القرصنة ويشجعون تلك المواهب والمنتجات الرقمية المميزة (بواسطة شرائها) فإن العائد المالي سيضمن استمرار المطور أو الشركة في العطاء في هذا المسار وإنتاج مواد رقمية جديدة أكثر جودة، وسَيُنشأ سوق فعلي وتنافسي لتقديم الأفضل والأجود للمستخدم العربي.
علامات مضيئة:
رغم الكلام السابق ، إلا أن هنالك مبشرات نعيشها في واقعنا اليوم منها انتشار بعض المواقع العربية التي تقدم البرامج المجانية (فقط) وتقدم للمستخدم البديل عن البرامج المشهورة المدفوعة ، مثل هذا الموقع على سبيل المثال، هذه المواقع وغيرها تساهم في تعريف المستخدم بالبرامج المجاني البديلة ،، هذه البرامج المجانية أصبحت اليوم كثيرة ومفهوم المصادر المفتوحة أصبح اليوم منتشراً في العالم ، والمستخدم حين يجد البديل المجاني الذي يلبي احتياجه ويفهم أهمية احترام حقوق الملكية فهو بالتأكيد لن يستمر في استعمال البرامج المقرصنة.
العلامة المضيئة الأخرى هي انتشار الهواتف الذكية وتطبيقاتها ، حيث ان تطبيقات الهواتف الذكية من الصعب قرصنتها أو اختراقها لأن أغلب المستخدمين يستعمل أسواق التطبيقات الرسمية لتحميل واستعمال التطبيقات ، ليس الأمر سهلاً كما هو الحال في برامج الحاسوب الشخصي ، الأمر الآخر أن الكثير من تطبيقات الهواتف الذكية (وخاصة الأندرويد) هي مجانية وذلك بسبب دخول مفهوم كسب المال عن طريق الاعلانات الموجودة داخل التطبيقات ، والتي وفرت اللمطورين بديلاً لكسب المال غير طريقة البيع.
ماهو دورنا:
الدور الأساسي والأول لكل مستخدم هو أن يبدأ بنفسه ، إذا تغيرت أنت وأنا وهو وهي فسشوف يحدث التغيير في المجتمع بشكل تلقائي ، ان نأخذ الأمر بجدية ونتعود دائماً ان نحترم حقوق الملكية ، ليس في جانب البرامج والتطبيقات فحسب ، بل في كل أنواع المحتوى الرقمي (نص – صور – صوت – فيديو) ، إما ان نشتري البرامج المدفوعة أو نستخدم برمجيات مجانية ، وكما ذكرنا أن هنالك الكثير من البدائل ، إذا كانت حواسيبنا ممتلئة بالمبرامج المقرصنة فلنبدأ هذا الأمر بالتدريج ، نستبدل البرامج واحداً تلو الآخر ، نحاول أن نحصل على برامج أصلية بأسعار مخفضة ، وطبعاً عندما نقدم على شراء لابتوب جديد ، فلنختر جهازاً يحمل نظام التشغيل بداخله ولا نسترخص في السعر.
أما دورنا الآخر كمتخصصين ومهتمين بالتقنية فهو أن نساهم في زيادة الوعي بين العامة،، ان نشرح للناس أن هذه البرامج والتطبيقات الغير مجانية هي مثل المنتجات والسلع الملموسة تقريباً ، أي سلعة يجب ان نشتريها كي نقتنيها ، ومثل ما هو الحال في المنتجات الملموسة ، المنتجات الرقمية عبارة عن سلع تمت صناعتها وأخذت وقت وجهد لإنتاجها ، وفي (مصانع) البرمجيات تلك يوجد الكثير من الموظفين الذين يشتغلون ليل نهار حتى يخرجوا ذلك المنتج إلى النور.
تحدث عن هذا بين الأصدقاء وفي المجالس ، تحدث بهذا كلما أتت فرصة مناسبة وفتح الآخرين مواضيع البرامج والتقنية ،، تحديث به عندما يطلب منك صديقك نسخة وندوز مثلاً أو أوفس ، اخبره أن هنالك ليبرا أوفس أو أوبن أوفس بدلاً عن مايكروسوف أوفس فقد لا يعلم ذلك ،، أما ان كنت مدوناً أو تكتب في بعض المواقع في الشبكة ، فتطرق إلى هذا الموضوع كلما سنحت لك الفرصة ، لتساهم في بناء ثقافة ووعي إيجابي في هذا الجانب ،، وتساهم بذلك في نهضة مجتمعك وأمتك.