عادل حمودة يكتب: الوجه الآخر لضبط سعر الدولار
2- انخفاض حصيلة الضرائب والجمارك ومصادر العملة الصعبة!
■ المستوردون لجأوا إلى مدخرات المصريين فى الخارج لتمويل صفقاتهم بسعر دولار أعلى ■ مطلوب رقابة البنك المركزى على مديرى البنوك التجارية حتى لا يفسدوا فى تمويل الاستيراد على مزاجهم حسب الحصيلة
لست معجبا بمحافظ البنك المركزى السابق فاروق العقدة.. كل تحقيق اقتصادى منصف سينتهى إلى أن سياساته المالية نسفت احتياطى العملة الصعبة.. وما أن أجهز عليه حتى انسحب من منصبه.. تاركا وراءه خرابة لمن سيأتى بعده.
وتحمل هشام رامز المسئولية فى ظروف سياسية صعبة.. وبدا كمن يمشى على سلك رفيع معلق فى الهواء بينما تهتز الأرض من تحته.. فإن لم يسقط من الاضطراب سقط من الزلزال.
لكنه.. نجا ببراعة مما قدر له من مخاطر فرضت عليه.. فى وقت تضافرت فيه قوى الشر للنيل من الاقتصاد المصرى.. وحاولت جاهدة أن تضعف من قيمة الجنيه لحساب الدولار.. بما يزيد من التهاب الأسعار فى بلد يستورد غالبية طعامه من الخارج بالعملة الصعبة.
أصابت الحمى الدولار وفرض على الجنيه أنيميا حادة.. فكان على رامز أن يتدخل فى الوقت المناسب.. بإجراءات تحد من الطلب على الدولار.. وتقنع حامله ببيعه لو شاء فى البنوك بعيدا عن سوق الصرافة السوداء التى عجزت عن المنافسة.
لكن.. كانت تعليمات البنك المركزى إلى البنوك التجارية على ما يبدو ألا تفتح اعتمادات الاستيراد إلا حسب ما يتوافر لديها من دولارات.. وحسب أهمية السلع.. فالأولوية للغذاء والدواء وما شابه.. لتأتى بعدها السلع الترفيهية إذا وجدت لها العملة الصعبة.. فنحن نستورد بستين مليار دولار.. نمولها من مصادر العملة الصعبة.. قناة السويس.. السياحة.. تحويلات المصريين فى الخارج.. ولو حدث هبوط فى الحصيلة سيكون ذلك على حساب سلع نستوردها.. تزيد كلما نقصت الحصيلة.. وغالبا ما تكون سلعا ترفيهية أو كمالية.. أقل أهمية.
على أن عدم استيراد سلعة مهما ضعفت الحاجة إليها سيفرض آثارا اقتصادية جانبية سيئة.. منها غياب حصيلة الجمارك والضرائب المفروضة عليها.. وزيادة خسائر الشركات المستوردة لها ما قد يجبرها على تسريح العمالة وزيادة البطالة.
وهنا يجب على هشام رامز تقدير أضرار رفع سعر الدولار وأضرار خفض الاستيراد إجباريا.. أيهما أقل سوءًا للاقتصاد الوطنى؟
وربما.. ترك قرار توفير العملية للمستوردين حسب الحصيلة فى يد مديرى البنوك التجارية قد يجعل قراراتهم مزاجية يمكن أن تشوبها المجاملة المسببة للفساد إذا لم تكن رقابة البنك المركزى سابقة ولاحقة عليهم.
فى الوقت نفسه يجب التنبؤ بحصيلة تحويلات المصريين فى الخارج.. هل نقصت بعد القرارات الأخيرة للبنك المركزى؟.. بجانب هل نقصت حصيلة السياحة والتصدير أيضا؟.. إن هناك من يصر على أن الحصيلة نقصت أو فى طريقها للنقصان.. فمادام مالك الدولار لا يمتلك حرية التصرف فيه لو جاء به فالأفضل أن يبقى عليه فى الخارج.
وهناك سبب آخر يمنع مالكى الدولار من عدم تحويله إلى مصر.. إمكانية بيعه فى الخارج لمن يشاء بسعر أعلى من السعر فى الداخل.. خاصة أن كثيرا من المستوردين العاجزين عن الحصول على الدولار من البنك لفتح الاعتمادات اللازمة يلجأون إلى تمويل صفقاتهم من مصادر خارجية مما يتسبب فى رفع سعر الدولار خارجيا ونقص الحصيلة داخليا.. والسؤال الذى يطرحه البعض: هل تفرض البنوك المصرية علاوة تدبير عملة فى حدود 5% لتوفر على المستوردين اللجوء إلى مصادر خارجية للحصول عليه فيضعف الطلب عليه هناك مما يجبر من يحمله إلى تحويله من جديد إلى هنا؟.
إن من يريد الحصول على الدولار سيحصل عليه من أى مكان وبأى سعر ليتحمل المستهلك فى النهاية كل التكاليف.. ولن توقف الإجراءات الإدارية حركة السوق مهما كانت صارمة.. وإلا توقف تجار المخدرات ومهربو الماس عن عملهم.. وهم بمناسبة يستهلكون ما لا يقل عن 20 مليار دولار سنويا فى بضاعة ممنوعة ومحرمة ومجرمة.
هذه ملاحظات اقتصادية عابرة.. أريد من محافظ البنك المركزى التوقف عندها طويلا.. لفحصها.. ودراستها.. وتحديد آثارها الجانبية التى قد تزيد على تأثيرها المباشر.. وسنشكره كثيرا لو عبر عن ذلك علنا.. فحالة القلق تحت الجلد أشد مما نجد فوق السطح.. كما أننا نخشى أن تكون الإجراءات التى اتخذها تقضى على أعراض المرض مؤقتا ولا تقضى على مسبباته دائما.