أحمد فايق يكتب : الذراع الطويلة لمصر
مانشيتات الصحف الأيام المقبلة
1- حكومة وحدة وطنية فى ليبيا وحفتر يعيد تشكيل الجيش
2- خروج آمن لنجل على عبدالله صالح مقابل حكومة توافقية فى اليمن
3- استثمارات مصرية فى قبرص وتعاون عسكرى مع اليونان لتأديب أردوغان
4- مكاسب الجيش من حرب اليمن: تدريب القوات وتجريب السلاح واستطلاع ميدانى لمناطق عمليات مستقبلية
أصيبت مصر بالسرطان حينما قرر مبارك أن يحيطها بأسوار معتقدا أن أمنها القومى مرتبط بحدودها فقط، كان جاهلا غبيا لا يقرأ ولا يعلم شيئا عن قيمة الوطن الذى أصبح رئيسا له بالصدفة، قاطع إفريقيا فحاربتنا فى المياه، خاصم الجزائر فمنعت عنا البوتاجاز، لم يتواصل مع الروس فوضع مصر كلها تحت ضرس الأمريكان، كان يعتبر الشعب عبئاً عليه، ويعتبر أن ماقدمه لمصر جميل لا تستحقه، فقد سعى فى الوطن فسادا وغباء وانعدام رؤية، جاء بعده إرهابى لا يعرف للوطن حدوداً، فقد كانت حدود الأمن القومى عند مرسى هى جماعته وعشيرته سواء كانت فى باكستان أو الهند، بالنسبة له كان الإخوانى الباكستانى أكثر قربا له من المسلم المصرى غير الإخوانى، والمسلم الهندى أقرب إليه من المسيحى المصرى، لذا فقد ضاع الوطن، وأصبحت مصر التى فى خاطرنا للبيع على يد خائن مثله، الاثنان سارا فى نفس الطريق، لم يقرأ أحدهما «شخصية مصر» لجمال حمدان، ولم يعلم أحدهما أن حدود الأمن القومى المصرى وضعها الإمبراطور رمسيس الثانى والتى تبدأ من إثيوبيا فى الجنوب وحتى المغرب فى الغرب، والتاريخ يقول: إن مصر كلما قررت أن تنكمش فى مساحتها الضيقة دون أن تنتبه لما يحدث فى الخارج فإنها تنحدر وتضيع ويفقر شعبها وتنضب مياهها ويموت زرعها.
إن جيش مصر فى عهد محمد على ذهب إلى تركيا حتى يؤمن القاهرة، وجيش مصر فى عصر عبدالناصر حارب فى اليمن وإفريقيا حتى يشعر سكان «إمبابة» بالأمان فى بيوتهم، الذراع الطويلة لمصر هى التى تؤمن الداخل دائما.
أكثر من ثلاثين عاما واستراتيجية مصر السياسية تقتصر على المليون كيلو متر مربع وربما العسكرية أيضا، الآن هناك تغيير كلى لاستراتيجية مصر السياسية وحتى العسكرية، وأصبح لنا ذراع فى كل مساحة بمنطقة الشرق الأوسط وحتى شرق آسيا للدفاع عن الأمن القومى المصرى..!
المعلومات عما يحدث فى اليمن ضعيفة نظرا لحساسية الأمر، والحصول عليها عملية شاقة ومجهدة، لكنها تدفعك للاطمئنان بأن هناك من يفكر جيدا لمستقبل هذا الوطن، حتى لو كان لديه أزمة فى التواصل وتوفير المعلومة، السؤال الذى شغل بال المصريين طوال الأسابيع الماضية.. ماذا استفادت مصر من عاصفة الحزم؟
الأكيد أن مصر انتهت الآن من أعمال الحفر الناشف لقناة السويس الجديدة، وخلال شهور قليلة سيتم افتتاح المشروع القومى الأضخم لمصر منذ ثلاثين عاما، قناة السويس ستصبح قادرة على استيعاب حركة السفن طوال 24 ساعة، فهل تقبل مصر أن يهدد مشروعها القومى من ناحية مضيق باب المندب، عسكريا مصر تتمتع بحدود بحرية كبيرة ولها قوات بحرية الأقوى فى الشرق الأوسط، قوات بحرية لم تذق الهزيمة طوال حياتها سوى مرة واحدة حينما حاربت وحدها بقيادة إبراهيم باشا 12 أسطولاً أوروبياً، حتى إسرائيل لم تصمد كثيرا أمام بحريتنا فى معظم الحروب التى خضناها معها، وكانت دائما مصر هى الأسبق فى غلق مضيق باب المندب أو تأمينه فى حال أى أزمة، البحرية المصرية ذهبت إلى مضيق باب المندب كى تحمى قناة السويس، والعدو المتوقع لا يجرؤ على الاقتراب من البحرية المصرية، إيران ليس لديها أسطول بحرى مميز، وتخشى جدا البحرية المصرية، مصر شاركت بـ4 قطع بحرية و25 طائرة إف 16 وفق تقرير لقناة العربية، وهى مشاركة قوية إذا كانت مصحوبة بالعلم المصرى فالقوات الجوية المصرية تجيد جيدا إصابة أهدافها وضرب العدو ضربات موجعة، وأكبر دليل على ذلك الضربة الجوية ضد إرهابيى داعش فى ليبيا، تلك الضربة التى أصابتهم بالخرس ولم يفعلوا شيئا بعدها، المعلومات المسربة تقول إن نسبة نجاح الطلعات الجوية المصرية ضمن عاصفة الحزمة ناجحة بنسبة 100% وتصيب أهدافها بمنتهى الدقة والاحترافية.
لقد استفادت القوات المصرية المشاركة التدريب وتجريب السلاح والأهم من ذلك استطلاع مسرح عمليات مستقبلى على أرض الواقع، هناك قاعدة عسكرية تقول إن حالة السكون فى أى جيش تؤثر عليه بالسلب حتى لو كان يتدرب جيدا، لذا فالجيش الأمريكى دائما مايدخل ميدان معركة حتى يدرب قواته ويجرب السلاح، ودائما الإسرائيليون يفعلون ذلك، وتجربتنا فى اليمن مفيدة سياسيا واقتصاديا وعسكريا لمصر.
يبقى سؤال.. هل سيستقر الوضع فى اليمن على هذا؟
هل ستدخل مصر حربا برية قريبا؟
السيناريو الأقرب هو الحل السياسى فى اليمن والحلول السياسية لا تأتى إلا بعد أن ترى كل الأطراف قوة بعضها عسكريا وسياسيا واقتصاديا، إيران لا تستطيع أن تتحمل مواجهة مباشرة فى حرب، ولن تصمد كثيرا فى حرب العصابات ودعم الحوثيين أمام قوات مدربة وأموال لا تنضب ودعم وتأييد سياسى دولى لعاصفة الحزم، السيناريو المطروح على المائدة الآن هو الخروج الآمن لـ أحمد نجل على عبدالله صالح الذى يدعم ميليشيات الحوثيين، مقابل حكومة توافقية يرأسها الرئيس الشرعى لليمن، هذا السيناريو يضمن لليمن الحفاظ على وحدة أراضيه، أما السيناريو الثانى وهو الأضعف وفيه احتمالات أقل بكثير هو الدخول بريا من خلال القوات العربية التى تشارك الآن فى المناورة التى تجرى بالسعودية، مع دعم القبائل اليمنية فى مواجهة الحوثيين.
الذراع الطويلة لمصر لا تستطيع أن تترك الوضع فى ليبيا كما هو فلدينا شريط حدودى معها مسافة 1300 كيلومتر مربع، وهناك حكومة شرعية وعصابات إخوانية تحاول الاستيلاء على الشرعية الليبية وإرهاب الدول الأخرى، لذا فكان على مصر أن تظهر العين الحمراء وهذا ماحدث، وقبلت كل الأطراف الجلوس إلى مائدة المفاوضات والاتفاق على أرضية مشتركة برعاية مصرية جزائرية مغربية، التفاوض الجدى اشترط أن تسلم الميليشيات سلاحها، واندماج الليبيين جميعا تحت راية وطن واحد وجيش واحد، قبل الإخوان فى ليبيا التفاوض لأنه ليس أمامهم سوى ذلك فمصر تدعم الشرعية الليبية سياسيا وطالبت بدعم الجيش الليبى عسكريا، واستمرت المفاوضات طوال الأسابيع الماضية، وتم الاتفاق على تشكيل حكومة ائتلاف وطنى تشارك فيها كل القوى الوطنية، وأن يتولى الجنرال خليفة حفتر عملية إعادة تشكيل الجيش الليبى وتأهيله ليصبح جيشا لكل الليبيين، ولن يحمل السلاح أى فصيل أو ميليشيا خارج إطار الجيش الوطنى، هذا الحل ضمن الحفاظ على وحدة ليبيا وعدم تقسيمها إلى دويلات، وبالتأكيد الأمور لن تكون مثالية، من المتوقع أن تحدث بعض المناوشات والمشاكل لكنها لن تكون بنفس دموية وقوة ماكان يحدث فى السابق، إن الجيش الليبى فى تحدٍ كبير فهو سيواجه إرهاب داعش وحده وسط مجتمع دولى متواطئ يحارب داعش فى العراق ولا يقترب منه فى ليبيا، بل فى بعض الاحيان يدعمهم، ومصر وعدت بأنها ستدعم الحكومة الشرعية الليبية وإعادة تأهيل الجيش الليبى وتدريبه لمواجهة الإرهاب الداخلى والخارجى.
إن الاستراتيجية الجديدة لمصر قائمة على الدفاع عن الأمن القومى المصرى من خارج الحدود لن ننتظر أن يأتى إلينا العدو فى أرضنا حتى نواجهه، بل سنبدأ المواجهة مبكرا، ولعل أكبر مؤشر على هذا ماحدث فى سيناء فقد انتظرنا حتى يتوطن الإرهاب فيها وأصبح صعبا مواجهته بالطرق التقليدية، الوضع فى سيناء خطر والجميع يعلم ذلك، وسيناء ينتظرها قرارات صعبة جديدة، قرارات لابد منها من أجل الأمن القومى المصرى، فقد دخل الإرهاب بين بعض الأهالى، وأصبح من الصعب التمييز فى بعض المناطق بين الإرهابى والمواطن الصالح، لقد دفعت مصر ثمن أن تظل سيناء بدون تعمير بعد نصر أكتوبر، إن العدو الحقيقى لأى إرهاب فى الدنيا هو التعمير، لذا فمشروع قناة السويس الجديدة سيؤدى إلى بداية تعمير جديد فى سيناء وانتقال للأهالى من المحافظات المختلفة إلى الشمال الشرقى، فمصر الجديدة يجب أن تكون فى الشمال الشرقى حتى تكون حائط دفاع ضد أى إرهاب أو عدو، والتنمية الاقتصادية لسيناء تحتاج إلى وقت وجهد، وسنوات من العمل، والجيش مهمته ليست سهلة فى تأمين سيناء.
الدفاع عن مصر يبدأ من الخارج ولا أحد يخفى عليه أن تركيا تلعب دورا حقيرا ضد مصر، وتدعم الإرهاب فى سيناء مخابراتيا وماليا ولوجستيا أيضا!
وهناك عمليات تمت باحترافية أجهزة مخابرات كبيرة، لقد قررت مصر الخروج للدفاع عن الوطن من على الحدود التركية نفسها!
بدأت مصر فى تحركات تجاه قبرص واليونان وأرمينيا، وقابل الفريق أول صدقى صبحى وزير الدفاع المصرى نظيره اليونانى، وطلب وزير الدفاع اليونانى صراحة تعاوناً استراتيجياً مع مصر، وكلمة استراتيجى تعنى تعاوناً عميقاً بعيد المدى وليس تعاوناً عابراً، وهو تصور سيجعل الخروف العثمانلى رجب طيب اردوغان يندم ألف مرة على اللحظة التى لعب فيها ضد مصر، ومتوقع أن يكون لمصر استثمارات قوية وعميقة فى قبرص، بالإضافة إلى دعم قوى لأرمينيا وحقها المشروع فى مطاردة تركيا والمجازر التى ارتكبها العثمانيون تجاه الأرمن، هذا الدعم يأتى من الوفد المصرى الكبير الذى سافر أرمينيا ليشارك فى إحياء الذكرى المائة لمذبحة الأرمان على يد السفاحين العثمانيين، ومشاركة البابا تواضروس شخصيا فى هذه المناسبة.