د. أحمد يونس يكتب : الكــدب راخر بـقــى مغشوش

مقالات الرأي



اللى مافى كــدبـة واحـــدة تمــلا العــيـن أو الودن أو المــناخـير على امتداد الأيام التى فاتت من إبريل هذا العام. أنا شخصياً لم تلفت انتباهـى كــدبـة واحـــدة عــليهـا القــيمـة منذ انجعــاص مرسى على فــوتيه الرئاسة حتى محاكمته بتهمة الخيانة العظمى. الإخوان _ أى نـعــم_ يعشقون الكذب. يمارسونه بسرعة التنفس. لكنهم من الغباوة بحيث لا يقدرون على إفراز أى نــوع من الكذب الجيد. إلى درجة أن مــصر أصبحت تبدو- لمن يتأملها من الخارج_ كسفينة تترنح وسط بحــر من الكذب الردىء.

الكــدب مالوش رجــليـن. ربما كان هذا فى الماضى. دلوقت لا رجــليـن ولا إيدين ولا مخ، ولا حتى شــويـة دم.

كيف يعرف الواحد أن الشخص الذى أمامه من الإخوان، أو مستخــرجات الإخوان، على وزن مستخــرجات الألبان؟ إذا لاحظ أنه يكذب بسرعة التنفس. كلهم لا يستطيعون الحياة بدون كذب.

أعتى الظلاميين عندما يقررون تأسيس حزب، يسمونه: النور. إنها أعراض التدهور الحاد فى خلايا مراكز الإدراك بالمخ. النور حزب الظلاميين. وعلى رأى المتنبي: وكم ذا بمصر من المضحكات. ولكنه ضـحك كالبكا!

كسلالة البغــبغانات الذئبـة، التى لا تختلف أصواتها كثيراً عن العواء، هى فضائيات الإرهاب، لا تمل من تكــرار نفــس الأكاذيب ألف مرة. إلى درجة أن كهنتها عادوا يرددون أن المحبوسين على ذمة التحقيق أو المحاكــمة فى العــديد من القضايا الجنائية فى برج العــرب أو طرة أو سجــن العقرب، أعلنوا الإضراب عن الطعام، وأن الهاربين فى قطـر أو تركيا مضـربون عن الطعام هم أيضاً، على سبيل التضامن مع شيوخ المنصــر. حــقـة كـــله إلا كده! الأكل بالنسبة لهؤلاء جميعاً يأتى على رأس أولويات الحياة. دول لا مؤاخــذة ياكلو مــال النـبـى ويحلوا بالصحابة. بدليل أنهم، على مـدى العــام الأســود من قرن الخروب الذى كــبسوا فيه على صدر البلد، تعــاملوا مع مـــصر باعتبارها: أنجر فتة.

وعلى سطح الماء الآسن فــى مستنقع الأكـاذيب التى يبـخـهـا الإخوان، أو التجمعات الكتاكــيتية التى رقدت على بيضها فـرخة مكــتب الإرشاد، تطـفـو _ كواحــد من أخطر الطحالب السامة - حكـاية الأحــزاب المدنية ذات المرجعية الدينية تلك. هل رأى أحـد من قــبـل طـائر بطــريق مرجعـيته بطـيخـة؟ طــائـر البطــريق مرجعـيته بالضرورة طــائـر بطــريـق، والبطـيخـة مرجعـيتها لابد أن تكون بطـيخـة. هناك فى الحقيقة احتمالان لا ثـالث لهما: إما أن يكــون كل مـن يسعى إلى الترويج لهذه الأكــذوبة الصريحــة عامداً متعمداً يقصد من ورائهـا الغـش السـياسى مع سبق الإصرار والترصد، متخذاً من الدين مـجرد أداة لارتكاب الجريمة، أو أن السبب هو جهله التام بأصول التفكير المنطقى أو بنظرية المعرفة، أو حتى بالقوانين العلمية الســتة التى من المحتم أن يتقيد بها العقل. وعلى الجميع أن يتعلموا أن الأحـزاب تقاس بمرجعياتها، لا بالفتارين حيث تتكدس البضاعة التى تموج بالألوان الفاقعة لجذب انتباه المارة. الحزب الدينى هو الذى يستند إلى مرجــعية دينية، والحزب المدنى مرجعيته لا يمكن أن تكون إلا مدنية. الباقى كله ليس سوى نفــايات من صفائح قمامة التاريخ.

وقد جـربت ذات مرة فى طفولتى البعــيدة أن أسجل فى كشاكيل المــدرسة كل ما أسمعه من كذب على امتداد هذا الشهر. ثم بعد ذلك على مدار السنة. ولم يعترض أبى أبداً فى الحقيقة على رفع مصروفى لمواجهة الزيادة الرهيبة فى استهلاك الكشاكيل التى كانت دائماً تمتلئ فى لحظات. الآن، وقد حملتنى سفينة الحياة بعيداً عن شاطئ الطفولة، قـررت أن ألقى بكشـاكيلى القديمة فى النار. ولم أعد فى حاجــة إلا لقصـاصة صغيـرة من الورق، أكتب عليها : الصدق هو الكذبة الوحيدة فى هذا الوجود.