د. نصار عبدالله يكتب : فى وداع عبدالرحمن
كنت أتمنى أن يكون عبدالرحمن الأبنودى هو من يكتب مرثيتى، وكنت واثقا من أنه سيفعل لو أننى سبقته، لكنه خذلنى، وسبقنى!! فجعنى رحيله مع الملايين التى صدمت فى فقده، وإذا بى أنا الذى أرثيه، كما رثيت من قبله أصدقاء كثيرين، ربما يعزينى عن غيابهم كمبدعين ما تركوه من أعمال، لكن لا شىء يعزينى عن غيابهم عنى كأصدقاء مازالوا يعيشون إلى اليوم فى وجدانى ومازلت أحن إلى أحاديثهم ومسامراتهم: صلاح عبدالصبور -أمل دنقل- ميخائيل رومان -عزالدين إسماعيل- خيرى شلبى -فاروق عبدالقادرـ عفيفى مطر- بدرتوفيق.....الخ....الخ..فى السنوات الأخيرة أقمت فى سوهاج بشكل دائم بعد أن أصبحت أحوالى الصحية عائقا يعوق سفرى، ولم يبق لى من الأصدقاء إلا عدد قليل حرصوا وحرصت معهم على التواصل بشكل دائم عبر التليفون وكان على رأسهم الخال عبدالرحمن الأبنودى الذى لا يكاد يمضى يوم إلا وأهاتفه أو يهاتفنى فنتسامر طويلا مثلما كان يفعل سائرالأصدقاء الذين جمعتهم على محبة الفن والثقافة حقبة الستينيات الزاهرة.. ولقد توثقت صلتى بعبدالرحمن فى مطلع الثمانينيات من القرن الماضى عندما كنا كلانا نلازم صديقنا المشترك أمل دنقل فى الغرفة رقم 8 بمعهد الأورام ومعنا زوجته الوفية عبلة الروينى، وفيما بعد انضمت إلينا والدة أمل وشقيقه أنس.. لحسن حظى أنى لم أحضر اللحظات الأخيرة المؤلمة لموت أمل، لكن صديقى الشاعر زين العابدين فؤاد روى لى تفاصيل تلك اللحظات عندما كان أمل يرسم بنفسه ترتيبات جنازته ويوصى صديقه عبدالرحمن الأبنودى باتباعها بكل دقة: "سافروا ياعبدالرحمن أولا إلى قنا ومعكم الجثة وادفنوها فى قفط.. ثم عودوا بعد ذلك إلى القاهرة لكى تتلقوا العزاء"، ويقول له عبدالرحمن "بعد الشر يا أمل" فيقول له "اسمع الوصية ونفذها ياعبدالرحمن" يقول له الأبنودى حاضر يا أمل..عايز حاجة تانى، يقول أمل: "أيوه فيه أغنية إنت كتبتها لمحمد قنديل اسمها ناعسة بتقول فيها: ياناعسة لالا..خلصت منى القوالة...والسهم اللى رمانى..قاتلنى لا محالة.. سمعتها مرة واحدة وعايز أسمعها تانى ياريت تجيبلى الشريط بتاعها"، وذهب الأبنودى وبحث عن الشريط وعاد به لكى يسمع أمل ويردد: خلصت منى القوالة.. والسهم اللى رمانى قاتلنى لا محالة".... تذكرت هذا المشهد فى شهر أكتوبر الماضى عندما اتصل بى الخال عبدالرحمن قائلا إنه يشعر بدنو أجله فالرئتان ليس بهما إلا جزء ضئيل سليم وإنه تقريبا يعيش بدون رئة! وقد أوصى أن يدفن فى الإسماعيلية، لأنه لا يريد أن يجشم أحدا من الأصدقاء أعباء العزاء.. قلت له: فضها سيرة ياخال واستهدى بالله..وإن شاء الله سوف تصمد..ودخل الأبنودى المركز الطبى العالمى وصمد بفضل إرادته الصلبة وخرج من المستشفى، لكنه انتكست حالته فى مارس الماضى ودخل المستشفى ثم تحسن نسبيا وخرج.. وقال لى بعدها فى إحدى مكالماته لقد مّن الله على بالشفاء فى هذه المرة لكننى أشعر أن النهاية قريبة.. أتمنى فقط أن أعيش إلى يوم عيد ميلادى يوم 12إبريل، ويومها اتصلت به وهنأته وتحدثنا طويلا، وفى مساء 15/4 قرأت مقالا فى بوابة «المصرى اليوم» لعبدالرحيم كمال عنوانه "فى مديح الأبنودى"، يفترض أنه سينشر فى النسخة الورقية لليوم التالى 16/4 فقررت أن ألفت نظر الخال إلى المقال لكن الخال لم يرد..اتصلت على رقم المحمول فردت على زوجته العظيمة السيدة نهال كمال، وقالت لى إن حالته قد تدهورت ونقل إلى المستشفى..وإنها لا تكف عن الصلاة والدعاء من أجله،.. بعدها لم يقدر لى أن أكلمه أو يكلمنى..أوحشتنى كثيرا يا عبدالرحمن.