ابني يكذب فماذا أفعل ؟
الطفل إذا كان صغير السن لا يعرف بعد ما معنى الكذب، ولا يميز بينه وبين الخيال والمُزاح، ألا ترين أن الله قال: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}..[النحل:78].
فأولًا أنت بحاجة لأن تبذلي جهدًا في توضيح معنى الكذب، وشرح الفرق بينه وبين الخيال؛ من خلال المواقف المختلفة، وهذا يحتاج منك للصبر والحِلم.
فمثلًا:
لو جاء يحكي لك عن الأسد الذي دخل غرفته، أو الدُب الذي رآه في الشارع، أظهري الانبهار، والتعجب، ثم أخبريه: أن خياله واسع، وممكن أن تقص عليَّ قصص خيالية، لكن أخبرني أولًا أنها قصة من خيالك.
لو سألتيه عن شيء حدث فبدأ يختلق قصة، استمعي له، ثم أخبريه أن القصة خيالية، وأنك تُقِّدرين أنه ربما كان يتمنى أن هذا هو الذي حدث، هذا إذا كان يقص شيئًا خياليًا لطيفًا، أو أنك تخشين أن يحدث ذلك، وهذا لو كان يقص شيئًا مخيفًا من وجهة نظره، ثم أخبريه أنك تريدين معرفة ما حدث حقيقة، وبعدها يمكننا أن نجلس لتقص علي ما شئت من خيالك، بشرط أن تخبرني أن هذا من خيالك.
السن الصغير يحتاج منك لشيء من تضييق البيئة التربوية، حتى يفهم أولًا معنى الكذب، بخلاف السن الكبير، وهذا يعني أن عليك أن تتجنبي طرح سؤالًا على طفلك يحتاج إلى الجواب بـ (نعم) أو (لا)!
ألا ترين أن كثيرًا من الأطفال يهزون رؤوسهم بلا، وهم يقولون: "نعم"، والعكس صحيح؟!
فقد لا يفقه الطفل بعد معنى (نعم) و(لا).
إذا كنت متأكدة أن طفلك الصغير الذي لم يفهم بعد معنى كذب وعاقبته، قد فعل شيئًا ما مما نهيتيه عنه، فإياك وسؤاله: "هل فعلت كذا؟"، بل اشرحي له لماذا أخطأ بفعل كذا، حتى لو عاقبتيه، المهم ألا تجمعي على نفسك مشقة معالجة سلوكين في آن واحد.
في خلال تربيتك للسن الذي لا يعي المخاطر وعواقبها، عليك أن تؤمني منزلك بشكل كافٍ، فلا تتركي أدراجك متاحة، ثم تثورين لأن طفلتك استخدمت مستحضرات التجميل والكريم.
ولا تتركي المكواة قريبة من متناول يده؛ ثم تبكين لأنه وضع يديه عليها.
أَمِّنِي البيت حتى يمكنك في هذه السن التفرغ لتلقين المهارات، وتنميتها، ولا تضطري للدخول في تعديل السلوكيات، وخوض معركة يمكن تجنبها، حتى ينضج طفلك قليلًا.
إذًا الخُلاصة:
في السن الصغيرة يجب أن تعرفي، وتعي جيدًا عدم فهمه لمعنى الكذب، وتبدئي بغرس معناه، وعواقبه، مع عدم إيقاف إبداعه الخيالي، وحاولي قدر استطاعتك ألا تجمعي في هذا السن بين تعديل سلوكين في آن واحد.
الطفل صار أكبر، ثماني سنوات أو أكثر أو أقل، مع مراعاة الفروق الفردية، وما بذلتيه من جهد في توصيل المعلومات، هو الآن في سن يفهم معنى كذب، وتَعَلَّم أن له عاقبة دنيوية وأخروية، أول شيء لا تظني أن الأمر انتهى.
فتعديل السلوك وغرس القيم والمبادئ لا يتوقف عند سن معين.
هناك احتمال قائم -دائمًا- أن يحدث فتورًا أو انتكاسًا، أو تغييرًا، نتيجة لأي تغيير على الصعيد الأسري، أو المدرسي، أو حتى بدون تغيير واضح لك، مجرد الرغبة في العناد والخروج من سلطة الوالدين قد تتسبب في دفع الطفل للكذب، فلا تُبالغي في تتبع أسباب الكذب، لأن الغرض الحقيقي هو ألا يكذب الطفل، مهما تغيرت الظروف، والأحداث، ومهما كانت مشاعره.
أَتَفهم أن كلامي قد لا يتفق مع ما سمعتيه هنا أو هناك، هي وجهة نظر، اسمعيها ولك الخيار!
بعض الإرشادات المهمة لتعليم طفلك الصدق، ووضع حاجزًا داخليًا بينه وبين الكذب:
1- نحتاج نوعين من الوعظ:
- وعظ عام؛ في كل وقت أغرس في ابني الخوف من الله، وحب الله، ورجاء رحمته.
- حاولي التوازن، فليس الأمر كله تخويف، ولا كله حب، ولا كله رجاء، نحتاج لهذه الأعمال القلبية الثلاثة معًا، بنفس النسب في العموم، وعظ عام خلال التربية اليومية.
2- ونحتاج وقت وقوع الكذب موعظة خاصة بالترغيب والترهيب معًا أيضًا، ولكن خاصة بالكذب والصدق.
3- قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالصِّدقِ، فإنَّ الصِّدقَ يهدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّةِ، وما يزالُ الرَّجلُ يصدُقُ، ويتحرَّى الصِّدقَ، حتَّى يُكتبَ عند اللهِ صِدِّيقًا، وإيَّاكم والكذِبَ، فإنَّ الكذِبَ يهدي إلى الفجورِ، وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النَّارِ، وما يزالُ الرَّجلُ يكذِبُ، ويتحرَّى الكذِبَ، حتَّى يُكتبَ عند اللهِ كذَّابًا» (صحيح مسلم؛ برقم: 2607)، رَغِّبِيه أن يكون صادقًا، حتى يُكتب عند الله صديقًا، وخوفيه من الكذب، لكي لا يكتب عند الله كذابًا.
4- أشعريه أن الصدق سلوك ذو قيمة عالية، وهو خلق رفيع للناس الرفيعة الراقية.
فَخِّمي ولدك، وأخبريه أنه: "ليس أنتَ من يفعل هكذا، ليس بمستواك، أنت ذكي، أنت شجاع، لا تكذب أبدًا، من يكذب هو الضعيف، الجبان، أنت أكبر من ذلك".
5- وأظهري مساويء الكذب في عينيه.
قولي له: "لو أن سيفًا على رقبتك فلا تكذب، وإن قُطِّعْت، وعُذِّبت، لا تكذب، أنت قوي، وشجاع، وعندك مروءة، ونبل أخلاق، أنت فارس من فرسان العرب، نحسب أن فيك خيرات كثيرات، فلا يليق بك أن تتصف بالكذب".
6- اهتمي بقصص السلف في الصدق.
بصفة عامة قصص الأنبياء وقصص السلف بل أي قصة وكرتون يشاهده شاركيه، وأبرزي قيمة الصدق، وسفهي من الكذب، المتأمل في قصص الأنبياء يجد كنزًا تربويًا يغرس كل سلوك حسن، ويُقبح كل سلوك قبيح، للكبير قبل الصغير، ألا ترين أن كتاب الله بين يديك فيه القصص، وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ} ..[يوسف:111].
7- انتهزي فرصة كلمة الصدق منه، وأظهري سعادتك بالطريقة التي يحبها.
وانتهبي!
لا تعط ولدك مقابلًا ماديًا لأنه صادق، بل أعطيه مقابلًا معنويًا، وشعورًا بالفخر.
8- أَلْفِتِي نظر الطفل للعواقب الطبيعية التي تحدث للكاذب والصادق، أَلْفِتِي نظره أنك تحترمي فلانًا الصادق، وأنك حزينة؛ أو مستاءة من فلان الكاذب.
لكن انتبهي!
لا تخوضي بصورة تجعل الطفل يستمريء الغيبة، تخيري ألفاظك، وحسنيها، وتكلمي بمقدار، بغير توسع.
9- إياك والمسامحة دومًا إذا كان صادقًا، لكن يمكن كل فترة: "سامحتك على كذا لصدقك".
لماذا؟ لأن ديمومة المسامحة مع الصدق في إطار تعاملك معه قد يجعل من الصدق سلوكًا مرتبطًا بك، أو بالمسامحة، فإذا وقع في يد من لا يسامح للصدق اهتز السلوك وتغير.
ببساطة: لقد كان يصدق فقط لأنه يعرف أن الصدق = الإفلات من العقوبة.
إن الطفل غالبًا ذكي في التقاط الخصال الفردية لكل شخصية، ويتعامل بمهارة وانتهازية عالية، فلا تكوني نمطية، أنت لا تربي طفلك في غرفة مغلقة، نحن نريد سلوكًا عامة، مغروسًا ونابع من داخل طفلك.
ولو تأملت جيدًا في سلوكيات الأطفال؛ ستلمحين هذه المهارة، بل إنك -عزيزتي- تتشكين منها كل مرة تذهبين فيه عند الجدة؛ أنه يدرك متى تعجزين عن العقاب لوجود (الجد والجدة).
10- حَسِّنِي علاقتك بابنك في العموم، لأن هذا أقرب لقبول النصيحة، وتحسين العلاقة يكون بتوسيع مساحة العلاقة الطيبة، والتشجيع، والمدح، ورسائل المحبة، والحنان.
مثل كتابة عشر صفحات، أو أقل أو أكثر، بحسب السن، وتكرار السلوك السيء، يكتب فيها: "الكذب سلوك سيء، وهو سلوك صغار النفوس"، أو مثلًا: "لا يكذب الفارس النبيل الشجاع، لكن يكذب الضعيف الجبان"، أو أي عبارة أخرى تختارينها، بحسب سنه، وإداركه، وأسلوبك.
اختاري وقت الكتابة من وقت راحته، أو وقت الكرتون المفضل، وقت نزهة منتظرة، بدقة أقول لك: "هو نوع من النكد بأسلوب راق!"
نجاح هذا الأسلوب يحتاج منك إظهار التعاطف والحزن، لأنه حُرم مما يحب، لاضطراره هو لكتابة هذا الكلام، لأنه بحاجة لذلك لكي يحفظه، ويعمل به.
انتهبي! إظهار الشراسة والقسوة سيجعل الأمر تحدٍ، خارج نطاق تعديل السلوك، وبالتالي الكتابة لن تُجْدِي!
وفي النهاية والبداية أقول لك أختي الحبيبة:
الدعاء والاستعانة بالله، ومعرفة أن كل سبب تأخذينه لا يمكن أن ينجح إلا أن يشاء الله.
أنت لست تلك المربية الأريبة التي تتقن كل شيء، وتعرف كيف تُعدل سلوك ولدها.
أنت أمة الرحمن، لا قيمة لك، ولا نجاح، إلا بعون الله، وتسديده إياك، وتوفيقه.
افتقري للملك يُغنيك.
واعلمي أنك في جهاد إلى الممات، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}..[العنكبوت:69].
وتذكري -أختي الحبيبة- أن تربيتك لولدك قُربة لربك، فضعي نصب عينيك: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}..[الفاتحة:5].
وأصلحي ما بينك وبين الله أولًا، {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}..[الكهف:82]، فحفظ الله له ولديه بعد موته.