رشا سمير تكتب : ما تبنيه الدولة ويهدمه الإعلام..

مقالات الرأي



جلست يوما بجوار المستشار الثقافى لدولة المغرب الشقيقة فى عشاء ودى على هامش معرض كتاب الدار البيضاء، فعاتبنى بابتسامة رقيقة تحمل ألف معنى للأسى من بلد يعشقونه ويحترمون مثقفيه قائلا:

( هل يجوز أن تخرج إعلامية محترمة فى قنواتكم الفضائية.. وتقول إن اقتصاد دولة المغرب قائم على الدعارة؟!)..

وأسقط فى يدى.. قلت له فى محاولة خائبة لتبرير الموقف: (إنها بالفعل أخطأت وقد قامت إدارة القناة بإيقافها بعد البرنامج مباشرة واعتذرت الخارجية المصرية).

قال: (وما فائدة الاعتذار؟ والشعب المغربى أصابته غصة من هذا التصريح المُهين؟ سيدتى.. إعلامكم يحتاج إلى وقفة)..

وسألت نفسى بعد أن غادرت القاعة.. هل هى وقفة من الدولة؟ أم وقفة مع النفس؟..

ولم تكن المعركة جديدة.. فهى لقطة مكررة كانت بطلتها منذ فترة الإعلامية رانيا بدوى التى أغلقت الهاتف فى وجه السفير الإثيوبى فى القاهرة، فى ذروة الأزمة التى كانت الدولة تحاول لملمتها حول سد النهضة.. وبعد مشادة تليفونية حول إدارة السدود، تقوم بإغلاق الهاتف فى وجهه ولا تعطيه مساحة للرد!..

فتغضب إثيوبيا.. وتعتذر الخارجية وتنتقل المذيعة إلى قناة أخرى براتب أعلى!..

وتتكرر الهفوات.. استمعت إلى السيد سفير العراق والسيدة زوجته التى لا تنسى أبدا أن تعبر عن عشقها وحبها لمصر فى كل مناسبة بكل صدق..

وشعرت بعتاب صامت حزين فى نبرة صوته وهو يحكى لى كيف قام الإعلامى توفيق عكاشة بسب الشعب العراقى موجها إليهم سؤالا بريئا وهو: (حتفضلوا بهائم وبغال وحمير لحد إمتى؟ القضية هى أن تتحدوا.. إفهمى يا ولية يا عراقية.. ده اليهود ركبوكم ودلدلوا رجليهم!)..

قد يبدو السؤال مشروعا.. وقد تبدو الطريقة هى الطريقة المعتادة لتوفيق عكاشة!.. ولكن.. .

حين تحدثت إلى السيد سفير العراق وهو بالمناسبة رجل هادئ ومتفتح الأفق، قال لى أنه يتفهم الموقف لأنه يعرف طريقة الإعلامى ونيته، ولكن شعبه لا يتفهمها، وإعلاميو العراق ينتظرون الرد.. وأبناء دولته لا يستوعبون أن يتم قذفهم بأوصاف بذيئة ويغض سفيرهم البصر..

لذا قام الشعب العراقى ضده وطالبوه بالرد.. ولم يرد السفير تضخيم الموقف ولكنه أراد حفظ ماء وجه شعبه، وكالعادة خاطب الخارجية المصرية ورئاسة الجمهورية، اللتين قامتا على الفور بالاعتذار..

نعم.. اعتذرت الخارجية المصرية وخمدت الضجة.. ولكن الشعوب لا تنسى..

إلى متى ستظل الدولة تلملم سقطات الإعلام؟ إلى متى تظل الخارجية المصرية تعتذر؟ متى سيكف الإعلام عن شن حروب فى أوقات حرجة؟..

إن الرئيس عبد الفتاح السيسى يسابق الزمان ليخلق وحدة عربية وأتصور أنه لا ينام الليل فى محاولات مكثفة لإعادة العلاقات مع إفريقيا.. إذن فالدولة تبنى وتشيد..

ثم يأتى فرد بماعول الاستهتار فيقذف كلمة من فمه تخرج مثل السهم لتسكن نبض القضية وتقتلها..

الإعلام المصرى لا يحتاج إلى ميثاق شرف ولا إلى لجان مراجعة.. لكنه يحتاج وبشدة إلى بشر يحتكمون إلى ضمائرهم، يدركون خطورة الكلمة التى تخرج من أفواههم عبر الشاشات..

فالكلمة طلقة حبر إما تخرج لتبنى أو تخرج لتهدم..

وفى وقت ينخر الإرهاب فى أوطاننا العربية من الخارج لا يجب أن يصبح الإعلام أداة لمزيد من التخريب الداخلى..

يا سادة.. أفلا تعقلون!..