عربيات زمان : عبد الوهاب هرب من الغارة فى سيارته فأتت القنبلة لتجلس معه داخلها !



يروى أن موسيقار الأجيال الدكتور محمد عبد الوهاب المطرب والملحن الكبير الحائز على لقب الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة والحائز على رتبة لواء فى الجيش المصرى عندما منحها له الرئيس السادات بمناسبة توزيعه الجديد للحن سيد درويش بلادى بلادى باعتباره سلاما جمهوريا جديدا والحائز على أرفع الأوسمة والنياشين من كل البلاد العربية قاطبة وعبقرى الغناء والموسيقى الذى لم يسبقه أحد ولم يأت بعده أحد ليجاريه فى تفوقه ...يروى عنه أنه كان شديد التوجس والحرص على نفسه وسلامته بشتى الطرق وكان يفقد أعصابه عندما يشعر ويحس باقتراب الخطر لدرجة عدم سفره قط طوال حياته بالطائرة على الرغم من كثرة أسفاره إلى الخارج فلم يكن يسافر إلا فى باخرة وكان رأيه أن الباخرة عندما تغرق يبقى فرصة للنجاة كأن يتعلق الراكب فى طوق أو يعلق بلوح خشبى عائم أما الطائرة فإن فرص النجاة حال سقوطها وتحطمها فى الجو منعدمة .

والروايات عن عبد الوهاب كثيرة وشيقة وتحتاج إلى مئات الكتب والمقالات لسردها وتوثيقها ولكن هناك رواية طريفة رددها كثيرا الفنان والمطرب الراحل جلال حرب لزملائه من الفنانين وفى لقاءات تليفزيونية عديدة معه وتقول الرواية أنه أيام الحرب العالمية الثانية وكان عبد الوهاب يسكن وقتها فى حى العباسية الذى يسكنه عدد كبير من الأسر الراقية فى مجموعة من الفيلات والقصور الفخمة ومنزل عبد الوهاب حتى الآن مازال قائما فى شارع العباسية بالقرب من مفترق شارع أحمد سعيد فى الطريق إلى ميدان الجيش وقد تحول إلى مدرسة ابتدائية خاصة .ويروى أن غارة طائرات شديدة ومكثفة من غارات الطائرات الالمانية على معسكرات الجيش الانجليزى (القشلاق ) فى العباسية وعلى مخازن اسلحتهم بنفس الحى قد بدأـت لتوها وكان أهالى العباسية وحى الظاهر اعتادوا مثل هذه الغارات وكانوا يحتمون منها فى الخنادق ولكن عبد الوهاب بقلقه غير العادى ومخاوفه لم يرتح إلى مثل هذا الحل فكيف يختبئ فى خندق والقنابل تنهمر على الحى كالمطر ومن الجائز جدا أن تهبط على أى خندق فتقتل من فيه وربما تدفنهم أحياء لذلك رأى أنه من الأنسب فى حال بدء الغارة الخروج ليركب سيارته الكاديلاك والانطلاق بها بعيدا إلى الجيزة والأهرامات أو إلى كوبرى قصر النيل المهم أن يبتعد عن منطقة القصف التى كانت تتركز على العباسية والظاهر والسكاكينى .

وفى احدى هذه الغارات وكما هومعتاد ركب سيارته وانطلق سائقه به ولم يكد يتجاوز شارع باب الشعرية حتى وجد شابا يهرول خلف سيارته ويشير له بيده حتى يتوقف وعلى الفور فهم عبد الوهاب أن هذا الشاب يريد منه أن يوصله إلى مكان وأنه لايعرف كيف يتصرف والغارة مستمرة وكذلك القصف فطلب من السائق التوقف وبالفعل ركب الشاب فى المقعد الأمامى بجوار السائق وجلس للحظات يلتقط أنفاسه ثم بادره عبد الوهاب بالسؤال عن وجهته فالتفت إليه وقال له : والله ياحضرة أنا لا أعرف ماذا أفعل ؟ إنها ورطة !.

عبد الوهاب ( وقد بدأ يشعر بالقلق حياله) : ماذا تقصد بأنها ورطة ؟

الشاب : الغارة يا أستاذ شديدة جدا والقنابل التى تسقطها الطائرات كثيرة !

فازداد قلق عبد الوهاب خاصة عندما لاحظ بذكائه الخارق أن الشاب يتكلم ويشير له بذراع واحدة بينما الذراع الأخرى لايحركها أبدا حتى قبل ركوبه بل أنه يخفى بها شيئا فى سترته فقال : ماذا بك هل أصبت فى ذراعك لماذا لاتحرك ذراعك الأخرى ؟!!

فنظر الشاب له بانفعال قائلا : يا أستاذ إن الطليان غشم وليسوا كالالمان أبدا ! .

وهنا صاح به عبد الوهاب : قللى ماذا بك وبسرعة وإلا أنزلتك من السيارة فورا .

فرفع الشاب ذراعه الأخرى التى كان يخبئها فى سترته وقربها من وجه عبد الوهاب وهو يحمل فى يده مايشبه الكرة المعدنية المتوسطة الحجم : ماذا أفعل يا أستاذ بهذه القنبلة التى قذفت بها طائرة إيطالية ولم تنفجر ؟ ألم أقل لك إنهم غشم .!!

ولم يتمالك عبد الوهاب نفسه ولم يفعل شيئا ولم ينبث بكلمة فقد أصابه الذهول والرعب والصدمة التى أعجزته عن أى شىء وكل شىء وانتقل زمام المبادرة إلى سائقه الذى تصرف بلباقة وهدوء فالمقسوم مقسوم والقدر لامفر منه فقد هرب الاستاذ من الغارة ومن الاختباء فى الخندق لتأتى القنبلة له فى سيارته وحقا يؤتى الآمن من مأمنه ولكن السائق تفاهم مع الشاب الأهوج وأنزله فى أقرب مكان متعللا بأنه سيعود بالأستاذ إلى منزله ...وانتهت القصة بسلام ولكن عبد الوهاب ظل يتذكرها ولايذكرها طوال حياته وظل أصدقائه يذكرونها ويذكرونه بها لزمن طويل .