رحاب الدين الهواري يكتب: قمة "الحزم" العربي

ركن القراء

بوابة الفجر

 
تنعقد القمة العربية التي تستضيفها مدينة شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية، في دورتها السادسة والعشرين، في ظروف استثنائية بكل ما تحمله الكلمة من معان، وفي أجواء مغايرة تماما لكل القمم التي شهدتها الجامعة منذ قمة "هجرة اليهود" التي عقدت في عام 1946م، إذ تتكاثر التحديات على الأمة العربية بطريقة لم تعرفها من قبل، ما بين إرهاب شيعي وسني ودول متهالكة وملفات متأزمة وخلافات مؤججة، وإن كانت عملية "عاصفة الحزم" وأوضاع اليمن الجريح هي المهيمنة على فعاليات القمة.
ولعل في مقدمة الأسباب التي تجعل من هذه القمة الطارئة على قدر أعلى من الأهمية عن كل سابقاتها، هو الملف اليمني وعملية عاصفة الحزم، إذ ربما كان ما حدث في اليمن في الأسابيع الأخيرة هو السبب المباشر لانعقاد هذه القمة، إذ إنها المرة الأولى التي تسيطر فيها جماعة إرهابية على عاصمة الدولة وتطرد الرئيس المنتخب وتستولي على أسلحة الجيش الثقيلة والخفيفة، فارضة سيطرتها على المتظاهرين المناوئين لها، الأمر الذي يمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي العربي من مشرقه إلى مغربه، بعد سيطرة الحوثيين على مضيق باب المندب، ما يشكل خطورة على حركة التجارة العالمية أيضا، وليس على دول الجوار فقط كما يعتقد البعض، وهو ما جعل 10 دول عربية في مقدمتها مصر تطلق عملية "عاصفة الحزم" لمواجهة هذا التحدي الخطير والجديد.
أيضا يأتي التحدي هذه المرة نابعا من مخاوف مشروعة لجميع الدول العربية من التوغل الإيراني في المنطقة العربية من لبنان إلى سوريا، ومن البحرين إلى اليمن، ومن فلسطين إلى العراق، وهي مخاوف ليست وليدة اللحظة، ربما كانت موجودة منذ 1979 وقت قيام الثورة الإيرانية، لكنها لم تمثل خطورة هذه المرة، في وقت تتعافى فيه دول المنطقة من تداعيات الربيع العربي عليها، حيث تجد إيران في اليمن ضالتها المنشودة وتراها الثغرة المناسبة للتوغل إلى قلب المنطقة العربية، في عملية لن تكون الأخيرة بل ستمتد إلى التسلل من الشمال، حيث العراق الذي يعاني استقطابا طائفيا وسياسيا حادا، يمكن توجيه دفته لضرب المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، فضلا عن محاولاتها في البحرين منذ أربعة أعوام حتى منيت بفشل حاد ما دعاها إلى تحويل هجمتها جغرافيا بنقلها إلى اليمن، ونوعيا باعتمادها على العمل العسكري وليس السياسي كما حدث في البحرين.
وإذا كان الملف الحوثي هو المهيمن على أعمال القمة السادسة والعشرين، فإن ملفات اخرى مثل "داعش" في العراق وسوريا وليبيا وتونس ومصر، والأزمة السورية، والقضية الفلسطينية، والأوضاع في ليبيا، تصعب من تحديات المرحلة بشكل أعمق بسبب تعدد الجبهات التي على الدول العربية مواجهتها، في ظل تحولات سياسية في المنطقة من تراجع الدور الأمريكي لصالح عودة الروس، ما يعني وجود حالة اشتباك معقدة تتداخل فيها العلاقات الدولية والإقليمية والعربية، بحث لا يمكن فصل أحدها عن الأخرى في رحلة البحث عن مخرج.
كل هذه التحديات، التي باتت تمثل تهديدا مباشرا للمواطن العربي، في وعيه الحاضر والغائب، ومخاوف حقيقية لدى الدول والكيانات والأفراد، أصبحت تفرض أسلوبا جديدا نحو مواجهة هذه التحديات؛ يقوم على العمل بشكل جماعي وأكثر تنسيقا بين جميع الدول العربية، فضلا عن تكوين الجيش العربي الموحد، الي أشار البعض لضرورة وجوده، وهو الدرس الذي يجب على جميع الدول العربية أن تستنبطه من تجربة العراق وتركه وحده في مواجهة الاستقطاب السياسي بين أمريكا وإيران والاستقطاب الطائفي بين الشيعة والسنة، وهو ما أدى إلى سقوطه دون أمل قريب في عودته للحضن العربي.
قمة شرم الشيخ، ليست الأخيرة على مستوى الاجتماعات والتحضيرات والمؤتمرات والقمم العربية، لكنها تستحوذ هذه المرة على اهتمام العالم، والمواطن العربي، بسبب شعور الأخير لأول مرة بأنها ليست قمة إدانة وشجب واستنكار الأحداث فقط، بل يتميز موقف السادة ملوك ورؤساء العرب بالفعل قبل الكلام، حيث كان العديد من المراقبين يتوقع أن تأتي عملية "عاصفة الحزم"، بعد انعقاد القمة، كأحد نتائجها، لكن حسم وحزم القادة العرب لمستقبل المنطقة كان أسرع حتى من توافد وفود الدول المشاركة إلى شرم الشيخ، قبل يومين من انعقادها، ليكون الحديث حول تطوير العملية وربطها بنواحي الأمن القومي العربي الأخرى لتهيمن ثقافة "الفعل قبل القول" لأول مرة على الجامعة العربية.