أخطر 11 إشارة قدمتها عاصفة الحزم للعالم
هبت “عاصفة الحزم” السعودية مع الساعات الأولى من صباح اليوم الخميس في اتجاه اليمن لضرب معاقل الحوثيين في صنعاء، غير أن هذه العاصفة، لم تؤثر على اليمن فقط، بل ظهر لها 11 دلالة إستراتيجية كالآتي:
أولا: لأول مرة زمام المبادرة العسكرية خليجي
رغم أنها ليست المرة الأولى التي تشارك فيها دول الخليج في عمليات عسكرية، لكنها المرة الأولى التي تأخذ زمام المبادرة في عملية عسكرية من هذا النوع، حيث اكتفت في حرب تحرير الكويت ضد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين (17 يناير/كانون ثان إلى 28 فبراير/ شباط 1991) بالانضمام إلى التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية.
ثانيا: استحضار قوة نووية إسلامية
بدا لافتا مشاركة دولة إسلامية هي باكستان، التي تتمتع بالقوة النووية، وكأنها رسالة لإيران، الداعمة للحوثيين، والتي تتهمها القوى الغربية بالسعي للحصول على القنبلة النووية.
وسبق هذه المشاركة دعوة وجهها العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف لزيارة المملكة، وهي الدعوة التي لباها رئيس الوزراء الباكستاني في 4 مارس / آذار الجاري.
وفي 22 مارس / آذار الجاري بعد 18 يوما من زيارة رئيس الوزراء الباكستاني، وصلت وحدات من القوات الخاصة بالجيش الباكستاني، إلى مطار الطائف الإقليمي (غربي السعودية)، للمشاركة في تدريبات مشتركة مع القوات البرية الملكية، بحسب تقرير نشرته وكالة الأنباء السعودية في 24 مارس / آذار الجاري.
ثالثا: التغطية العربية
باستثناء العراق والجزائر، لم تعلن أي دولة عربية رفضها لتحالف “عاصفة الحزم”.
ويضم التحالف 9 دول عربية كغطاء عربي للعملية، التي تقودها الدول الخليجية.
وتشارك في العملية دول: السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر والأردن والمغرب والسودان.
وأعلنت القاهرة في البداية على لسان وزير خارجيتها سامح شكري استعدادها للمشاركة، قبل أن تعلن الرئاسة المصرية في وقت لاحق اليوم عن المشاركة الرسمية في العملية العسكرية.
رابعا: اللوجستية والمعلوماتية الأمريكية
حصل التحالف الذي تقوده السعودية على دعم لوجستي أمريكي.
وقال بيان صادر عن المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي برناديت ميهان، اليوم الخميس، “كانت الولايات المتحدة على اتصال متقارب مع الرئيس هادي وشركائنا الإقليميين، وعلمنا أن المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي وغيرهم ستقوم بتنفيذ عملية عسكرية للدفاع عن الحدود السعودية ولحماية الحكومة اليمنية المشروعة في ردٍ على تدهور الأوضاع الأمنية هناك”.
وأوضحت ميهان في بيانها، أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد أمر “بتقديم دعم لوجستي واستخباري للعملية العسكرية التي تقودها دول مجلس التعاون الخليجي”، مشيرة إلى أن بلادها “تنسق تحركاتها بتقارب مع المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي بخصوص قضايا أمنهم ومصالحنا المشتركة”.
وكان اللافت، أن الإعلان عن العملية العسكرية في اليمن جاء على لسان سفير السعودية لدى الولايات المتحدة الأمريكية عادل بن أحمد الجبير، وذلك عبر مؤتمر صحفي عقده في الساعات الأولى من اليوم الخميس في مقر السفارة بواشنطن.
وتضمن السعودية بهذا التنسيق الحصول على دعم سياسي أمريكي في مجلس الأمن، وذلك باستخدام حق النقض” الفيتو” ضد أي قرار قد يستهدف إدانة الضربة العسكرية.
خامسا: الزعامة السعودية
استبق عاصفة الحزم جهود سعودية بذلت من أجل تلطيف الأجواء في العلاقات الملتهبة بين الدول، فاستقبلت في توقيت متزامن بنهاية شهر فبراير/ شباط الماضي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو ما عده مراقبون إشارة من المملكة إلى رغبتها في تنقية الأجواء بين البلدين أو تهدئتها على الأقل، وإن لم يجلس الرئيسان مع بعضهما.
وكنتيجة لهذا التحرك استطاعت السعودية جمع الفرقاء “الإمارات – قطر”، “مصر – تركيا” على موقف موحد وهو تأييد عملية عاصفة الحزم السعودية.
وأعلنت الخارجية التركية اليوم دعم أنقرة للعملية العسكرية التي تنفذها عدد من دول المنطقة، وفي مقدمتهم دول مجلس التعاون الخليجي ضد الحوثيين، وقالت في بيان: “نعتقد أن العملية، التي أبلغتنا بها السعودية مسبقا ستسهم في إحياء السلطة الشرعية للدولة، وتجنب اليمن خطر الفوضى والحرب الأهلية”.
واستعادت المملكة العربية السعودية نشاطها في ملف المصالحة الفلسطينية، وتحدثت تقارير إعلامية عن تلقي خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس دعوة رسمية من الملك سلمان بن عبد العزيز، لزيارة المملكة.
وأكد محمود الزهار، القيادي البارز في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، صحة هذه التقارير خلال ندوة نظمها مركز الدارسات السياسية والتنموية في غزة (غير حكومي) يوم 15 مارس / آذار الجاري.
كما تحدث مراقبون عن الدور الذي لعبته السعودية في التهدئة بين النظام المصري وحماس، وعقب أيام من زيارة الرئيس المصري للسعودية أواخر شهر فبراير/ شباط الماضي، استأنفت الحكومة المصرية على حكم اعتبار حماس منظمة إرهابية الصادر عن محكمة القاهرة للأمور المستعجلة المصرية، والذي حددت له جلسة بعد غد السبت 28 مارس/ آذار الجاري.
وأكدت السعودية زعامتها التي تحاول رسم ملامحها مع الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز بقيادة التحالف العسكري ضد الحوثيين.
سادسا: القدرة على الإعداد الشامل لمسرح العمليات
سبق هبوب “عاصفة الحزم” السعودية إعداد شامل لها، تضمن التسليح وتهيئة الأجواء سياسيا، والتنسيق العسكري مع قوى دولية وإقليمية.
تسليحيا، قال مكتب خبراء “آي أتش أس جينس” ومقره لندن، إن السعودية استوردت تجهيزات عسكرية بقيمة 6.4 مليارات دولار العام الماضي، لتصبح أكبر مستورد عالمي بعدما كانت في المرتبة الثانية في عام 2013 بعد الهند.
وبحسب التقرير الذي نشر في 8 مارس / آذار الجاري، فقد ازداد الاستيراد السعودي من الأسلحة بمعدل 54%، وتوقع التقرير أن يصل في عام 2015 إلى 9.8 مليارات دولار.
سياسيا، هيأت السعودية الأجواء – أيضا – من خلال بيانات إدانة واسعة لتوسع الحوثيين في اليمن، أقربها تحذير وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان، أمس، من مغبة وخطورة قصف الحوثيين لعدن.
وقال في تصريحات صحفية، قبل ساعات من الضربة السعودية: “حذرت أحمد على صالح (نجل الرئيس اليمني السابق) من التقدم إلى عدن، لكنه لم يستجب”.
ودعم هذه التحركات تكرار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لطلبه بالتدخل العسكري في بلاده لوقف الحوثيين، وهذا ما ساهم في تهيئة الأجواء لقبول العملية.
أما عن التنسيق العسكري، فقد كشفت قناة “العربية” السعودية اليوم الخميس 26 مارس / آذار نقلا عن مصادر دبلوماسية، أن ولي ولي العهد السعودي والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، الأمير محمد بن نايف، قام بدور فاعل في إقناع واشنطن بدعم عملية “عاصفة الحزم”.
وأضافت: “الأمير محمد بن نايف بذل جهوداً من أجل إقناع واشنطن بدعم التحالف الخليجي في اليمن”.
وشمل التنسيق توجيه الدعوة لرئيس وزراء باكستان نواز شريف لزيارة السعودية، ولبى شريف هذه الدعوة في 4 مارس / آذار الجاري، ليتضح لاحقا العلاقة بين هذه الزيارة وعاصفة الحزم، من خلال مشاركة قوات باكستانية فيها.
وشمل التنسيق اتصالات مع الدول الكبرى دوليا وإقليميا، وكان من نتيجة ذلك التأييد الأمريكي و الفرنسي والبريطاني والتركي .
سابعا: التأسيس لتدخلات عربية أخرى
رغم أن القادة العرب سيجتمعون يومي 28 و 29 مارس / آذار الجاري في قمتهم العربية، إلا أن المملكة العربية السعودية لم تنتظر قرارا من القادة العرب، بما يؤسس لتدخلات عربية مستقبلا في الأزمات دون انتظار لقرار من الجامعة العربية.
وفور إعلان السعودية عن عملية “عاصفة الحزم”، أصبح السؤال الذي يتردد على مواقع السوشال ميديا: “متى تهب العاصفة على ليبيا وسوريا ؟”، في إشارة إلى تأسيس تلك العملية لاحتمالية التدخل العسكري على خط معالجة هذه الأزمات، لاسيما أن البيان الخليجي الصادر قبل دقائق من هبوب العاصفة وضعها في سياق قانوني.
وقال البيان إن تحرك التحالف يأتي استناداً إلى مبدأ الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة ( 51 ) من ميثاق الأمم المتحدة، واستناداً إلى ميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك.
وأكد نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية على هذا المعنى في اجتماع وزراء الخارجية العرب اليوم بمدينة شرم الشيخ المصرية، والذي يعقد للتحضير للقمة العربية يومي السبت والأحد.
وقال العربي: ” إن الجامعة تؤيد العملية العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، معتبرا أنها “عملية هامة ومحدودة وتتفق مع ميثاق وقرارات الجامعة ومعاهدة الدفاع المشترك”.
ثامنا: الرسالة إيرانية
في سبتمبر/ أيلول عام 2014 ، قال علي رضا زاكاني مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي، إن العاصمة اليمنية صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التابعة لإيران بعد كل من بيروت ودمشق وبغداد، مبيناً أن ثورة الحوثيين في اليمن هي امتداد للثورة الخمينية في إيران عام 1979.
وجاءت العملية العسكرية بمثابة رسالة إلى إيران الداعم الأول للحوثيين، كما أنها جاءت – أيضا – متزامنة مع توقعات باتفاق وشيك بين طهران والقوى الغربية، لتبعث برسالة أن دول الخليج ستسعى لتحقيق أمنها دون النظر لهذا الاتفاق الذي تخشى دول الخليج أن يفتح الباب أمام امتلاك إيران السلاح النووي.
تاسعا: تعاظم شبح الطائفية وتراجع الصراع الداخلي
انتقلت الحالة الطائفية ( السنية – الشيعية ) في المنطقة من التوتر المحدود إلى الصدام المحدود، وأصبحت هناك مخاوف الآن من تفجر كبير لهذا الصدام.
وخلال الفترات السابقة شهدت عدة أقطار عربية توترا محدودا بين السنة والشيعة، ومع هبوب عاصفة الحزم اليوم تحول هذا التوتر المحدود إلى صراع محدود تقتصر حدوده على اليمن، ويخشى أن يتفجر الصراع لاسيما مع وجود أقليات شيعية في البحرين ولبنان والعراق وسوريا والمنطقة الشرقية في السعودية، ليهدد شبح الطائفية استقرار المنطقة.
وفي محاولة لمواجهة هذا الشبح، تبذل السعودية جهودا لتشكيل تحالف سني يشمل مصر وتركيا والأردن ودول الخليج، للوقوف أمام المد الشيعي في المنطقة.
وسيلقي الخوف من هذا الشبح الإقليمي ظلاله على الصراع الداخلي في دول التحالف، حيث ستتوارى هذه الصراعات خلف الاهتمام بهذه القضية الإقليمية.
وهذا ما يفسر قيام القاهرة بالاستئناف على حكم اعتبار حماس منظمة إرهابية الصادر عن محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، حيث لم يعد مقبولا انشغال مصر بهذه القضية، بينما يواجه العالم العربي شبح الصراع الطائفي.
عاشرا: تراجع الحالة الثورية أمام “الدولتية”
كشفت عاصفة الحزم السعودية عن تراجع كبير لتأثير الحالة الثورية أمام قوة الدولة ومؤسساتها في المنطقة.
فلم تستطع القوى الثورية في اليمن علاج الأزمة، وطالبت في البداية الدول الإقليمية بالتدخل السياسي، فكانت المبادرة الخليجية التي نقلت بنودها السلطة للرئيس اليمني، ثم طالبت لاحقا بالتدخل العسكري، لوقف التمدد الحوثي.
وحدث نفس الأمر في دول ليبيا ومصر وسوريا، فلم تستطع الحالة الثورية العبور بالبلاد إلى بر الأمان، فطالبت ليبيا بتدخل الدول الإقليمية الكبرى والقوى الدولية لحل أزمتها بعد أن صار لديها حكومتين وجيشين، وفعلت المعارضة في سوريا نفس الشيء، وفي مصر تؤكد السلطة دائما أنها تحركت لعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي للحفاظ على كيان الدولة المصرية، وهو الخطاب الذي لقي تأييدا لدى قطاع ليس بسيطا من الشعب المصري.
ومن المفارقات أن حركة ” أنصار الله ” الحوثية، تحركت – أيضا – تحت مسمى الثورة، وعادة ما تصف تحركاتها بأنها “ثورة 21 سبتمبر”.
حادي عشر: تراجع القضايا الداخلية أمام الأمن الإقليمي
في ظل وضع مضطرب يهدد الأمن الإقليمي، تراجعت القضايا الداخلية، وانعكس ذلك على اهتمامات وسائل الإعلام، وبالتالي اهتمامات المواطن.
ففي مصر على سبيل المثال، تراجع منذ فترة الحديث عن الأزمة السياسية الداخلية والاتهامات بحدوث انتهاكات حقوقية، مع إرهاصات تصاعد الأزمات الإقليمية.
ومع تفجر الأزمة في اليمن، لا صوت يعلو في الشارع المصري الآن على الحديث عن الأزمة اليمنية.