ما السر وراء استضافة قطر لأزمة اليمن؟

عربي ودولي

بوابة الفجر


تستضيف العاصمة القطرية الدوحة خلال الأيام المقبلة، جلسة مفاوضات بين الأطراف المتنازعة في الأزمة اليمينة، لا سيما الحوثيين الذين يمثلون السلطة الانقلابية من جهة، والرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي يمثل السلطة الشرعية المعترف بها دوليّاً من جهة أخرى، وفقاً لما أعلنه المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر، الاثنين.
 
وأبلغ بنعمر مجلس الأمن الدولي في الجلسة التي عقدت، الأحد، حول اليمن، أن المفاوضات اليمنية ستعقد بالعاصمة القطرية الدوحة، وأن أي اتفاق سيتم توقيعه في الرياض.
 
** قطر ملاذاً
ويأتي عقد جلسات المفاوضات بين الأطراف اليمنية في قطر، لما لها من باع في إنجاح المفاوضات، وسمعة طيبة في عقد توافقات بوساطتها في أكثر قضايا المنطقة تعقيداً، والتي قلّ أن تخيب، إذ اعتبرت الدوحة في الآونة الأخيرة ملاذاً للأطراف المتصارعة، والتي لا تجد سبيلاً لحل أزماتها.
 
وليست القضية اليمنية، على ما فيها من تداخلات وتشبيك بين قوى داخلية ودول ذات مصالح، بأكثر تعقيداً من ملفات خاضت القيادة القطرية مهمة الوساطة فيها بكل اقتدار، لعل أبرزها "اتفاق الدوحة" بوساطة قطرية بين المتخاصمين في لبنان عام 2008، و"وثيقة الدوحة للسلام في دارفور" بين الحكومة السودانية والمتمردين في الإقليم عام 2011.
 
ونجحت قطر في لبنان بإنهاء واحد من أكثر الملفات تعقيداً بين طرفين يحسب كل منهما على "محور"، محور ما كان يسمي نفسه بالـ"مقاومة"، والذي يتزعمه حزب الله، ومن خلفه إيران ونظامُ بشار الأسد في سوريا، ومحور "الاعتدال" الذي يتزعمه تيار المستقبل ومن خلفه السعودية.
 
وفي 21 مايو 2008، توصلت الأطراف اللبنانية بوساطة قطرية، إلى "اتفاق الدوحة" الذي أنهى 18 شهراً من الأزمة السياسية العاصفة في لبنان، شهدت بعض فتراتها أحداثاً دامية، وأثمر الاتفاق توافقاً على انتخاب الرئيس ميشيل سليمان، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وقوبل الاتفاق بترحيب شعبي ودولي واسع.
 
وفي السودان، نجحت وساطة قطرية بإتمام ما عرف بـ"وثيقة الدوحة للسلام في دارفور"، والتي وقع عليها طرفا النزاع: حكومة الرئيس السوداني عمر البشير، وأطراف التمرد في إقليم دارفور في مايو 2011 (وقعت أطراف أخرى كحركة التحرير والعدالة في يوليو 2012)، بعد أكثر من 30 شهراً من المفاوضات التي رعتها قطر، لينتهي بذلك عهد مروع من الصراع الدارفوري المرير.
 
وبعد اندلاع الربيع العربي، تمكنت قطر، التي أعلنت انحيازها إلى "مطالب الشعوب وحقوقها"، من الدخول بوساطتها في عدد من الملفات التي لا تقل تعقيداً وصعوبة.
 
ففي سوريا، نجحت وساطة قطرية في إطلاق سراح 13 راهبة من مدينة معلولا السورية وثلاث سيدات، مقابل إفراج نظام الأسد - الذي ناب عنه بالمفاوضات مدير الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم - عن 150 سيدة، وذلك بتاريخ 10 مارس 2014.
 
وقبل نحو ستة أشهر من ذلك، أعلن وزير الخارجية القطري خالد العطية، أن وساطة بلاده أفضت إلى إطلاق سراح اللبنانيين الــ9 الذين كانت المعارضة السورية قد اعتقلتهم في مدينة إعزاز السورية قرب الحدود التركية قبل 16 شهراً ( 22 مايو 2012)، بدعوى أنهم مقاتلون تابعون لحزب الله، مقابل إفراج النظام السوري عن معتقلات سوريات في سجونه، كما أفرج عن تركيين كان ذوو اللبنانيين الـ9 قد اختطفوهم.
 
وأفضت وساطة قطرية كذلك، إلى الإفراج عن الصحافي الأمريكي "بيتر ثيو كورتيس"، والذي فقد في سوريا منذ 2012، بعد جهود قطرية لإطلاق سراحه، وسلم إلى الأمم المتحدة في 24 أغسطس 2014.
 
وأعلنت قطر، نجاح وساطتها في إفراج جبهة النصرة عن 45 جندياً فيجياً تابعين لقوات حفظ السلام التابع للأمم المتحدة في القنيطرة بالجولان السوري المحتل، وذلك بعد أسبوعين من احتجازهم الذي تم في 30 أغسطس 2014.
 
وبينت أن "المساعي القطرية في الإفراج عن 45 جندياً من فيجي جاء انطلاقاً من إيمان دولة قطر بمبادئ الإنسانية، وذلك عقب طلب حكومة جمهورية فيجي الوساطة القطرية".
 
كما تمكنت وساطة قطرية في سبتمبر 2014 من إطلاق سراح جندي جيبوتي (العريف سيد أحمد عبد الله كميل)، كانت السلطات الإريترية قد اعتقلته في المنطقة منزوعة السلاح بين البلدين، وذلك بعد 6 أسابيع من اعتقاله الذي شكل أزمة بين البلدين.
 
** الباب المفتوح
ويعزو وزير الخارجية القطري نجاحات بلاده في الوساطات التي تدخلها إلى "انتهاج قطر سياسة الباب المفتوح".
 
وقال في هذا الشأن، في مقال نشره موقع "سي إن إن" في سبتمبر الماضي: "إن دولة قطر.. ومنذ بداية منتصف التسعينات، تبنت حكومتها سياسة الباب المفتوح التي تركز على بناء العلاقات، والتوسط في حل النزاعات، وهو ما استفادت منه قطر وكذلك المجتمع الدولي"، مضيفاً أن سياسة الباب المفتوح هذه سمحت لبلاده "بأن تعمل كوسيط في المحادثات، وفي التعاون والنهوض بالسلام".
 
وبين رئيس الدبلوماسية القطرية: "أن دولة قطر وبسبب موضوعيتها وعدم تحيزها؛ فإنه غالباً ما تلجأ إليها الأطراف المختلفة للتوسط بينها وإيجاد منبر للحوار".
 
وأكد أن بلاده ستساهم في كل عملية تفاوضية ووساطة تشعر فيها قطر "أنها على الجانب الصحيح من التاريخ؛ لإيمانها بالعدالة وحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية".
 
** تعقيدات الملف اليمني
وفي تعقيدات الصراع اليمني، يبدو هناك طرفان معنيان بالمفاوضات، أحدهما الحكومة والسلطة الشرعية التي أجبرها الانقلاب الحوثي إلى "الهروب" إلى عدن لتكون مقراً للرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي أفلت من إقامة جبرية فرضها قادة الانقلاب عليه وعلى رئيس حكومته المستقيلة خالد بحاح، ومعهم بضعة أحزاب أهمها حزب الإصلاح.
 
الحوثيون سيطروا على العاصمة صنعاء منذ 21 سبتمبر الماضي ثم تطور الأمر، فسيطروا على الدولة في 22 يناير الماضي، وأبرموا اتفاقيات مع إيران التي تعتبرها أطراف عدة، الداعم الاقتصادي والعسكري للانقلاب وقادته.
 
ويتحالف مع الحوثيين الرئيس اليمني المعزول علي عبد الله صالح، الذي تتهمه أطراف عدة بأنه يريد الانتقام من الشعب الذي ثار عليه بخلق المزيد من المشكلات.
 
وفي حين يبدو أنه في يد إيران، حليف الحوثيين، ملفات كثيرة للضغط بها لنيل تنازلات في الملف اليمني، لا يبدو في يد الطرف الشرعي إلا "شرعيته" المعترف بها من العالم، الذي سرعان ما قد يتنازل عنها لحساب الأقوى على الأرض، وهنا تأتي مهمة قطر في خلق توازن في تنازلات جميع الأطراف.
 
وكان مجلس الأمن الدولي ندد في جلسته بالإجراءات "الأحادية" من قبل جماعة الحوثي، ومهدداً بـ"اتخاذ مزيد من التدابير" في حال عدم تنفيذ قراراته بشأن اليمن، مطالباً الأطراف اليمنية بالعودة إلى طاولة الحوار والمفاوضات.
 
وأصدر المجلس -في اجتماع طارئ دعت إليه المملكة الأردنية الهاشمية، العضوُ العربي الوحيد في المجلس- بياناً رئاسياً، الأحد، أكد فيه دعمه لجهود مستشار الأمين العام الخاص إلى اليمن جمال بنعمر ولجهود مجلس التعاون الخليجي، "من أجل التوصل إلى حل سلمي توافقي للأزمة".