رؤساء مصر وإثيوبيا.. من صداقة "ناصر" إلى فضيحة "مرسي"
يزور الرئيس عبدالفتاح السيسي، اليوم، إثيوبيا، وبحسب ما صرح محمد أدريس السفير المصري بإثيوبيا، بأنها تعتبر زيارة فريدة من نوعها حيث أنها أول زيارة لرئيس مصرى منذ 30 عاماً تكون لغير المشاركة فى القمة الإفريقية التي تعقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ولهذه الزيارة مكانة وأهمية خاصة لأنها تأتي بعد تعثر للمفاوضات بين البلدين حول سد النهضة وتوترات كثيرة.
ورصدت "الفجر" تاريخ علاقات الرؤساء المصريين مع إثيوبيا، فضلاً عن زياراتهم، فعلى الرغم من زيارات الرئيس السيسي المختلفة لها إلا أنها لم تكن الزيارة الأولى لرئيس مصري، حيث وزارها كلاً من الرئيس عبدالناصر ومبارك ومرسي، فيما قاطعها السادات.
"ناصر".. رحلة الصداقة والارتباط الديني
كانت البداية مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي كانت تربطه والإمبراطور الإثيوبي هيلاسلاسي علاقة قوية، حيث كانت مصر تركز على الجانب الديني، فإثيوبيا في ذلك الوقت كانت تابعة للكنيسة الأرثوذكسية المصرية بل وكانت الكنيسة الأم في مصر ترسل القساوسة من مصر للعمل في الكنائس الإثيوبية، وكان للبابا السابق كيرلس علاقات شخصية بالإمبراطور هيلاسلاسي وكثيراً ما كان الرئيس جمال عبد الناصر يوظفها في خدمة المصالح المشتركة وكانت تتم دعوة الإمبراطور في إفتتاح الكنائس في مصر وكان البابا أيضاً يفتتح الكنائس في إثيوبيا.
ودعا "عبدالناصر" الإمبراطور الإثيوبي، هيلا سلاسي، لوضع حجر أساس الكاتدرائية المرقسية في 24 يوليو 1965، وحضر حفل افتتاحها صباح الأربعاء 26 يونيو 1968، مع الرئيس جمال عبدالناصر، والبابا كيرلس السادس، واحتفلوا بإقامة الصلاة على مذبح الكاتدرائية.
ووافق عبدالناصر على قرار الأمم المتحدة الصادر في عام 1950 والذي ينص على ضم إريتريا إلى إثيوبيا بعد تجربة تحرر من حركة إريتريا، وهو ما وافق عليه عبدالناصر وبدأت بعدها علاقة صداقة قوية بين البلدين أثمرت عن إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية بجانب الدور الذي قامته مصر في دول التنمية ورجال الدين الذين لا ينقطعون عن إثيوبيا لتعليمهم الوعظ وهو ما أسفر عن توقيع اتفاقية 59 التي نصت على حصة مصر التاريخية من مياه النهر.
"السادات".. بداية توتر وقطع العلاقات
بدأ التوتر بين البلدين وتراجع قوة علاقتهما بعد الإطاحة بهيلاسلاسي، ونتيجة ذلك استقلت الكنيسة الإثيوبية عن الكنيسة الأم في مصر وأصبح لها باباً إثيوبي خاص بها وانفصلت قيادتها عن مصر، أثناء حكم الرئيس السادات الذي لم يزور اثيوبيا طوال فترة حكمه، وأسس تحالف سفاري المضاد للمد الشيوعي عام 1975، والمكون من الولايات المتحدة والمغرب والسعودية وكينيا وإيران الشاه، والتي اعتبرتها أثيوبيا مؤامرة مصرية موجهة ضدها، وفي خطبة له عام 1979 حطم زجاجات مملوءة دماً على اسمي مصر والسعودية.
وفى تلك الحقبة، بدأ ملف المياه يدخل دائرة التوترات بين مصر وإثيوبيا بعد إعلان مشروع السادات فى 1979، لتحويل جزء من مياه النيل لرى 35 ألف فدان فى سيناء، مع إمكانية إمداد إسرائيل، أو بتصريح آخر إلى مدينة القدس لتكون فى متناول المترددين على المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وحائط المبكى من خلال ترعة السلام بمياه النيل، ومن ثم فقد أعلنت إثيوبيا أن هذا المشروع ضد مصالحها، وتقدمت بشكوى إلى منظمة الوحدة الأفريقية فى ذلك الوقت تتهم فيها مصر بإساءة استخدام مياه النيل، كما سعت أديس أبابا لدى الاتحاد السوفيتى للتدخل، فقام السادات بطرد خبراء موسكو واتجه لواشنطن كى تبنى سداً على فرع النيل القادم من بحيرة "تانا".
وتصاعدت الأمور بتهديد الرئيس الإثيوبى "منجستو" بإمكان تحويل مجرى نهر النيل، ومن جانبه وجه الرئيس السادات خطابا حاد اللهجة إلى إثيوبيا، وأعلن أن مياه النيل خط أحمر مرتبط بالأمن القومى المصرى، وأن المساس به يدفع مصر إلى التفكير فى استخدام القوة المسلحة لضمان حقوقها فى مياه النيل .
"مبارك".. محاولة لبدء مرحلة جديدة والاغتيال الفاشل يقضي عليها
وشهد عهد الرئيس مبارك، بداية مرحلة جديدة، خاصة بعد أن أتت إلى الحكم بأثيوبيا حكومة يتزعمها ملس زيناوي قائد جبهة تحرير تجراي، شهدت العلاقات مع إثيوبيا تحسنا ملحوظاً، حتى عام 1995 وهو العام الذي تعرض فيه الرئيس الأسبق لمحاولة اغتيال فاشلة، ليتخذ بعدها مبارك قرارات بتجاهل أفريقيا وبدأت المعاداة أكثر في ظل الحديث عن سد الألفية وقتها وتولى منصب رئيس الوزراء "ملاس زيناوى" الذي انتهج سياسية معادية لمصر.
وتدهورت العلاقات بين مصر وإثيوبيا مؤخراً، وهو ما تجلى فى الخلاف بين دول المنبع ودول المصب لحوض نهر النيل، إذ قادت إثيوبيا وشجعت توجه دول المنبع إلى التوقيع منفردة على اتفاق لإعادة تقسيم مياه النيل، رغم اعتراض مصر والسودان، فى اتفاق سمى باتفاق "عنتيبى" فى 4 مايو 2010، حتى اتهم رئيس الوزراء الإثيوبى الراحل ملس زيناوى فى عام 2010 مصر باحتمال لجوئها إلى العمل العسكرى ضد بلاده بسبب الخلاف على مياه النيل، وإن مصر لا يمكنها أن تكسب حربا مع إثيوبيا على مياه نهر النيل، وإنها تدعم جماعات متمردة فى محاولة لزعزعة استقرار البلاد، وهو الأمر الذى أثار دهشة القاهرة التى اعتبرت تلك الاتهامات عارية عن الصحة.
"مرسي".. استقبال متواضع يسيء للعلاقات بين البلدين على الهواء
على الرغم من أن الرئيس المعزول محمد مرسي كانت فترة ولايته الأقل على مستوى الرؤساء السابقين، وحكم مصر لمدة عام فقط، إلا أنه زار أثيوبيا مرتين خلال هذه الفترة القصيرة، وكانوا على هامش القمة الإفريقية.
جاءت المرة الأولى في 15 يوليو 2012 بمناسبة افتتاح أعمال القمة الإفريقية الـ 19 بأديس أبابا، وفيها أكد مرسي أن مصر ملتزمة بالتواصل مع أشقائها الأفارقة تجارة واستثمارا وتعاونا فى جميع المجالات.
والزيارة الثانية كانت في 24 مايو 2013 على خلفية القمة الإفريقية الاستثنائية، وبعد استقبال متواضع في أديس أبابا، قطع هيلي مريام، رئيس القمة الإفريقية كلمة الرئيس محمد مرسى، التي لم تتجاوز 3 دقائق، وتركزت كلمته، على تحقيق التنمية الشاملة في ربوع القارة الإفريقية والسعي لبناء نموذج التكامل الحقيقي بين شركاء القارة.
وبدأت إثيوبيا في تنفيذ مشروع سد النهضة، ما حوّل توجهات الخطاب الحكومي من الحديث عن تعاون مصري إفريقي في مختلف المجالات، إلى الحديث عن السيطرة على الأزمة، وأن مصر لن تفرط في حصصها من مياه النيل، وبدأت الشكوك حول ضياع حصة مصر من مياه النيل، وتوقف الأمر عند هذا الحديث.
وكان البطريرك الإثيوبي طلب زيارة الكنيسة المصرية، لكن الأخيرة أجلت الزيارة بسبب مشكلة سد النهضة فى عهد مرسي، وتسبب مرسي قبل عزله في إساءة العلاقات أكثر بعد المؤتمر الذي تم إذاعته على الهواء، وتحدث فيه بعض الداعمين للإخوان بإمكانية ضرب إثيوبيا عسكرياً، وهو المؤتمر الشهير الذي تسبب في تعنت إثيوبيا مع الجانب المصرى في مفاوضات سد النهضة.
"السيسي".. بداية جديدة
منذ أن تولى الرئيس السيسي الحكم أعلنها صراحة أنه لا ينتوي إجراء أي تفاوض مع إثيوبيا حول أزمة سد النهضة إلا بعد تحديد الضرر الواقع على مصر جراء بناء هذا السد من خلال دراسات لمكاتب فنية.
ويزور الرئيس السيسي إثيوبيا، اليوم، ليكون ملف سد النهضة على رأس المباحثات مع الرئيس الإثيوبي، وتعد هذه الزيارة هي أول زيارة رسمية منذ تولى السيسي الحكم.