معنى الاعتكاف وشروطه ومتى يخرج المعتكف من المسجد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه.
مع حلقة جديدة على موقع بص وطل نتلقى أسئلتكم؛ خاصة في هذا الشهر الكريم، وأول سؤال وصل إلينا كان:
ما حقيقة الاعتكاف وما الأسباب التي يمكن للمعتكف أن يخرج لأجلها من المسجد ثم يعود؟
بني الإسلام على قلة الطعام، وقلة المنام، وقلة الكلام، وقلة الأنام.. وهذه الأربعة ثابتة في كتاب الله وفي سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي التي تعين الإنسان في طريق الله سبحانه وتعالى، مع الذكر، والدعاء، والمناجاة، وقراءة القرآن، والعبادة، وكل ذلك يجعل الإنسان يتطور ويتقدم في طريق الله.. قلة الطعام في الصيام، قلة الكلام في الصمت وفي فضل الصمت، قلة المنام في التهجد {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ، {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}، وهناك قلة الأنام؛ يعني الانكفاف عن الناس، ويأتي دور الاعتكاف في هذا المعنى، والإسلام لأنه جعلنا نخالط الحياة، وجعلنا نعمر الأرض لم يأمرنا بالرهبانية وبالعزلة في البراري؛ وإنما أمرنا أن نخالط الناس، وأن نصبر على أذاهم، وأن نصبر على معاملتهم؛ ولكن في نفس الوقت أتاح لنا مفهوم الخلوة، والخلوة كان يمارسها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء؛ فكان يذهب إليه ويتعبد الليالي ذوات العدد، ثم يأخذ زاده معه، وبعد ذلك ينزل فيتزود لمثلها وهناك أتاه الوحي.
والاعتكاف هو نوع من أنواع الخلوة، يمكث فيه الإنسان قدراً ما في المسجد، وعند الجمهور يمكث ولو لحظة، ولو ساعة؛ ولذلك يسنّ عند الإمام الشافعي عند دخول المسجد أن أنوي الاعتكاف؛ فإذا مكثت فيه نصف ساعة أو ساعة عدّ ذلك من الاعتكاف؛ ولكن الإمام أبا حنيفة اشترط الصيام لصحة الاعتكاف، ولذلك يشترط أن يكون ذلك يوماً مع ليلة؛ يعني يوماً بحاله (24 ساعة)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف -وهو سنة مؤكدة في رمضان- خاصة في العشر الأواخر من رمضان، كان إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان شدّ المئزر.. -يعني زادت عبادته- شدّ المئزر، واعتكف واعتزل النساء .
الاعتكاف، النبي صلى الله عليه وسلم جعل له فضلاً عظيماً، ونبّه إلى ذلك الفضل العظيم، وعندما كان يقارن بين الأعمال الصالحات يقول: كمن اعتكف أربعين ؛ يعني أربعين شهراً، أو أربعين سنة، ونحو ذلك؛ لكنه أباح لنا أن نخرج للحاجة؛ فأباح لنا أن نخرج عن المسجد للوضوء، وأباح لنا أن نخرج عن المسجد من أجل تحصيل الطعام، وأباح لنا أن نخرج عن المسجد إذا أصابتنا جنابة فنغتسل ونعود مرة ثانية، ولا يعدّ هذا كله يعني قدحاً في الاعتكاف؛ بل إنه يعدّ من ضرورات الحياة، وكان ابن عباس يفضّل السعي في مصلحة المسلمين على الاعتكاف؛ فـ من سار في مصلحة أخيه كان كمن اعتكف أربعين ؛ قيل أربعين يوماً أو أربعين شهراً أو أربعين سنة، لا نعرف.. ولذلك فهذه أشياء حياتية تجوز مع الاعتكاف؛ ولكن إذا خرج لقضاء المصلحة انتهى اعتكافه؛ إنما في نفس الوقت هو يحصّل ثواباً أكثر عند الله.
إلى لقاء آخر أستودعكم الله،،،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته