عادل حمودة يكتب : الإمبراطور والقرصان!
ذبح المصريين فى ليبيا رسالة إلى أوروبا.. شعوبكم فى خطر وحضارتكم ستدمر
■ إيطاليا: لو سكتنا على ما يجرى فى ليبيا فإن داعش سوف تحتل روما وتدمر كاتدرائية القديس بطرس
■ 13 ضربة جوية مصرية نفذت طبقا لقاعدة حق الدفاع الشرعى التى يقرها القانون الدولى
■ الولايات المتحدة حقنت المنطقة بفيروسات إسرائيلية وإيرانية وتركية لتقضى على الهوية العربية!
■ سكوتنا على ما جرى فى الصومال والسودان أدى إلى تقسيم اليمن وليبيا والعراق وتهديد سوريا والبقية تأتى
يوصف اللص الصغير الذى يمتلك سفنية واحدة يستخدمها فى السطو.. بالقرصان.. ويوصف اللص الكبير الذى يمتلك أسطولا حربيا من السفن يستخدمها فى احتلال الدول.. بالإمبراطور.
الكيل بمكيالين أبرز سمات القانون الدولى.. الأقوى يضع قواعده ويفرضها.. وهو أيضا من يشطبها وينسفها.. فرياح السياسة توجه الشراع فى اتجاه مصالح الكبار.
لقد أعطت الولايات المتحدة لنفسها الحق فى ضرب «داعش» العراق.. لكنها.. سحبته من مصر عند ضرب «داعش» ليبيا.
رأت أن «داعش» العراق يجب سحقه بالطائرات.. لكن.. «داعش» ليبيا يجب التفاهم معه على موائد المفاوضات.
فهل داعش العراق شيطان رجيم وداعش ليبيا ملاك رحيم؟
هل الذبح فى العراق حرام والذبح فى ليبيا حلال؟
لقد سبق أن أعلنت واشنطن بعد ضرب السودان وليبيا بالطائرات أنها التزمت بقواعد القانون الدولى التى تفرض التدخل فى شئون الدول التى تساند الإرهاب وتخل بحقوق الإنسان.. لكنها.. لم تمنح القاهرة هذا الحق واعتبرت الضربات الجوية المصرية على مراكز الإرهاب فى ليبيا تدخلا فى شئون الغير يجب أن تعاقب عليه أمام المحكمة الجنائية الدولية.
والحقيقة أن القاهرة تدخلت فى ليبيا طبقا لقاعدة أصيلة من قواعد القانون الدولى والجنائى.. قاعدة حق الدفاع الشرعى.. لكن التدخل فى حالة الدفاع الشرعى يستوجب وجود خطر مباشر على حياة مواطنين مصريين فلم كان التدخل وقد انتهى الخطر على حياة المصريين الذين ذبحوا بقطع رءوسهم؟ التدخل هنا ليس دفاعا شرعيا عمن قتلوا وإنما لحماية من لا يزالون على قيد الحياة ويتعرضون لخطر مباشر.. ويدعم ذلك تصريح داعش بأن تحت أيديهم مختطفين مصريين.
يضاف إلى ذلك أن ليبيا دولة غابت عنها السلطة.. ليست دولة بالمعنى المستقر المتعارف عليه.. والجزء الشرعى فيها جرى استئذانه والتنسيق معه.. فرئيس الحكومة بارك الضربات الجوية المصرية.. وقائد القوات الجوية هناك طالب بمزيد من الضربات على مراكز الإرهاب معترفا بالتنسيق معه.. لكن.. المشكلة أن فى ليبيا حكومتين.. حكومة قبلت «وتوصف بحكومة الأمر الواقع» وحكومة رفضت وتوصف بالحكومة الشرعية المعترف بها.
لقد نام المصريون على فيديو الذبح الذى بثته «داعش» فتسابق الحزن والألم والأرق على احتلال قلوبهم.. لكنهم.. استيقظوا على مفاجأة الثلاث عشرة غارة التى شنها الطيران المصرى.. فعادت الدماء المجمدة تسرى فى عروقهم.
كان واضحا أن هناك معلومات مسبقة عن مراكز الإرهاب فى درنة فخرجت الخطة الجاهزة للتنفيذ.. ليذهب الرئيس للعزاء فى الكاتدرائية وقد شفى غليل شعبه.. مما منح الضربات الجوية بعدا انتقاميا لمن قتلوا قبل حماية من لا يزالون على قيد الحياة.
وقد دعت مصر وفرنسا وإيطاليا مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة لمناقشة المشكلة الليبية.. وكان متوقعا الخروج بقرار يسمح بالتدخل العسكرى ولو بضربات جوية.. ولكن.. الولايات المتحدة وقفت ضد القرار وسحبت معها الكتلة الأوروبية التى تمشى وراءها، المنومة مغناطيسيا.
لقد خرجت وزيرة الدفاع الإيطالية روبيرتا بنيوتى لتقول: «إن بلادها لا تسبتعد إرسال قوات برية إلى ليبيا لكن بشرط أن تطلب حكومتها ذلك».. «سبق أن أرسلنا خمسة آلاف جندى إلى أفغانستان البعيدة فكيف لا نرسل ضعف العدد على الأقل إلى ليبيا القريبة؟».. «إننا مستعدون لقيادة تحالف أوروبى - عربى لإنقاذ المنطقة من الإرهاب ولنبدأ بليبيا التى يوجد فيها 25 ألف إرهابى ينضم إليهم نحو 1500 متطوع جديد كل شهر».
ووصل وزير الخارجية الإيطالى بالولو جينتيلونى فى تشاؤمه إلى حد الخوف من أن يصل مقاتلو داعش إلى بلاده ليحتلوا عاصمتها روما ويخربوا «كاتدرائية القديس بطرس».. فالفوضى المتعمدة فى ليبيا دفعت بأعداد هائلة من اللاجئين إلى السواحل الإيطالية دون فحص دقيق يفرق بين لاجئ مسكين ولاجئ إرهابى.
وبعد ساعات من الغارة المصرية كشفت الرئاسة الفرنسية عن اتصال هاتفى بين السيسى وهولاند شددا فيه على ضرورة اتخاذ إجراءات جديدة لمعالجة الأوضاع فى ليبيا.. وطالبا باجتماع عاجل لمجلس الأمن للخروج بقرار دولى يواجه الخطر المتطاير فى ليبيا.
ولكن.. ما إن كشرت الولايات المتحدة عن أنيابها حتى تراجعت أوروبا كلها.. ولحس قادتها حماسهم.. وانكمشوا فى مكانهم مرتجفين.. مكتفين بحل سلمى يصعب تحقيقه بالتفاوض.. فلاتزال أوروبا تمسك بالذيل السياسى للولايات المتحدة.. وتنفذ ما تشاء بنظرة عين خاطفة.
ولاشك أن التوتر فى العلاقات المصرية- الأمريكية صب مباشرة فى مصلحة داعش.. وقد تضاعف هذا التوتر بتجاهل القاهرة إبلاغ واشنطن مسبقا بالضربات الجوية التى شنت على مركز تجمع الإرهابيين فى درنة.. وفرض النفور بين البلدين نفسه على رد الفعل الأمريكى من تلك الضربات.. فالمتحدث الرسمى للبيت الأبيض «جوش أرنست» والمتحدث الرسمى للخارجية «جينيفر بساكى» تجاهلا سؤالاً عن الحملة المصرية على داعش.. وأجمع المسئولون فى إدارة أوباما على تعليق واحد « نحن لا ندين ولا نتغاضى».
والمؤكد أن هناك إحباطا متبادلا بين الطرفين وصل بهما إلى موقف شديد التعقيد بعد سنوات طوال من الحب الاستراتيجى المتبادل.. مصر اتجهت إلى روسيا والصين وفرنسا لتنويع مصادر سلاحها بما يخرجها من تحت ضرس البنتاجون.. والولايات المتحدة حائرة.. عاجزة عن اتخاذ موقف صارخ.. وكل ما تفعل أنها «تراجع باستمرار علاقتها بمصر».. حسب تصريح الأدميرال جون كيربى المتحدث السابق باسم البنتاجون.
واللافت للنظر أن أوباما فوت فرصة ذهبية منحتها له جريمة داعش الأخيرة بتأسيس تحالف دولى لتصفية الإرهاب.. طالب الكونجرس بتفويض لمواجهته.. وتكررت الفرصة بعرض المأساة الليبية أمام مجلس الأمن لمعالجتها بقرار عاجل منه.. لكن.. ذلك لم يحدث وسط حالة من الدهشة أكدت أن المؤامرة على مصر أمر تصعب الاستهانة به.
لقد شطبت الولايات المتحدة من خرائطها السياسية مصطلح «العالم العربى».. وفرضت نيابة عنه تعبير «الشرق الأوسط».. لتصبح إسرائيل وتركيا وإيران أطرافا مباشرة فى المنطقة العربية.. تؤثر فيها.. وتحدد مصائرها.. وتخل بخصائصها المشتركة.
وساهمت بعض الدول العربية بحسن نية أو بسوء نية فى تنفيذ المؤامرة الأمريكية.. أو بدقة أكثر.. ساهمت فى إعادة إحيائها.. فالمؤامرة قديمة ولو كانت أساليب تنفيذها جديدة.
إن الهدف الواضح الذى نراه أمام أعيننا يتحقق ساعة بساعة.. تفتيت الدول العربية.. لتتعدد الدويلات والعرقيات واللغات والثقافات.. ليكون مصيرنا فى النهاية مثل مصير الهنود الحمر.. أمة منقرضة.. لا تملك سوى تذكارات قديمة يشاهدها العالم فى متحف التاريخ.
المشهد واضح فى السودان والعراق واليمن وليبيا والصومال ولو سكتنا أكثر ستنضم دول عربية أخرى إلى قائمة الضحايا.. لقد ذبح الثور الأسود يوم سكت عن ذبح الثور الأبيض.. فالمصير واحد.. مهما تعددت المواقف.. ومن يضحك اليوم سيبكى غدا.