احمد فايق يكتب : أسرار عملية «النسر الأسود» لرد كرامة المصريين فى ليبيا.. وسيناريو الحرب القادمة فى اليمن
■ الطائرات أطلقت صواريخها من ارتفاعات عالية لتجنب منظومة الدفاع الجوى لداعش
■ حلف عسكرى مصرى خليجى لحماية مضيق باب المندب يبدأ بالضربات الجوية
■ نقل تجربة الانتشار السريع من مصر إلى الخليج
يستطيع أى محترف سينمائى أن يكتشف أن فيديو ذبح 21 من أبناء مصر هو عمل سينمائى عالى الجودة، لا يستطيع أن ينفذه تنظيم مثل داعش، بل مخابرات دول، لو دققت فى الصورة ستكتشف أن التصوير تم بتقنية السينما وليس الفيديو العادى، وتم استخدام أكثر من 5 كاميرات، بينها كاميرا «دراجون» وهى كاميرا قليلة جدا فى السوق السينمائى ولا يتم استخدامها إلا نادرا لارتفاع تكلفتها، هناك إخراج محترف للمشهد، ومكساج للصوت كأنك تسمع صوت ومؤثرات فيلم هوليوودى، «ميزانسين» المشهد كأن مخرجًا سينمائيًا كبيرًا هو الذى رسمه، المسافات بين كل ضحية والأخرى، الملابس، الألوان، حتى أحجام الدواعش التى بدت ضخمة جدا، وكأنهم قوات خاصة تابعة لمخابرات أعتى الدول فى العالم، كان المشهد مهددا حقيقيا للأمن القومى المصرى، فنحن لا نقف أمام تنظيم إرهابى فقط إنما مجموعة من المحترفين التابعين لجيوش دولية، تستطيع أن تؤكد أنهم إما تابعين لتركيا أو أمريكا أو إسرائيل.
هذا ما دفع الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى استدعاء مجلس الدفاع الوطنى للانعقاد فى الثانية عشرة مساء يوم الاحد بقصر الاتحادية، الاجتماع حضره رئيس الوزراء ووزير المالية ووزير الدفاع وقادة الأفرع الرئيسية فى الجيش ورؤساء المخابرات الحربية والعامة ووزير الداخلية، الاجتماع كان ساخنا بقدر رغبة المصريين فى استرداد كرامتهم التى سالت فى ليبيا، استمر الاجتماع لثلاث ساعات تقريبا، معلومة واحدة كانت كفيلة باتخاذ القرار، تقرير تحليل مضمون الفيديو استطاع أن يكتشف المكان الذى تم قتل المصريين فيه، وهو بالقرب من مدينة «درنة» معقل الدواعش فى ليبيا، قال الرئيس السيسى «نعمل ضربة جوية فورا»، فقد كانت متوافرة معلومات قوية وموثقة من أجهزة المعلومات عن أماكن فى درنة يجتمع فيها الدواعش ومخازن أسلحتهم بالإضافة إلى ساحة لتدريب الإرهابيين.
صدرت التعليمات بضربة جوية شارك فيها 6 من أكفأ الطيارين المقاتلين فى مصر، واجههتم مشكلة وهى أن قوات داعش تمتلك منظومة دفاع جوى تستطيع أن تضرب الطائرات على ارتفاع منخفض، ورصد الاستطلاع المصرى اماكن تواجد قواعد الدفاع الجوى فى درنة، وكانت فوق أسطح بعض العمارات، وطلبت القيادة المصرية من القيادة الليبية الشرعية فى طبرق ضرب هذه القواعد، وتم ذلك بالفعل، لكن طائرات الـ«إف 16» المصرية قصفت الموقع من على ارتفاع عالٍ تأمينا لحياة المقاتلين.
من يرى مشهد صعود «إف 16» المصرية من على مدرج الطائرات يكتشف مدى الحماس الذى كان فى قلوب المقاتلين المصريين، والرغبة فى الانتقام للدم المصرى، عملية صعود الطائرة من على المدرج كانت بسرعة خارقة تنم عن مهارة كبيرة وقدرة على التحكم، هنا أتذكر حينما سافرنا إلى المنيا الأسبوع الماضى مع وفد شباب الإعلاميين للاحتفال بتخريج دفعة غارمات من السجن، فى طائرة عسكرية من نوع «كاسا» الإسبانية، صوت المروحيات تقريبا دخل فى أذنى، الكابتن كان برتبة مقدم وبذل مجهودًا كبيرًا حتى نشعر أننا فى طائرة بوينج ونجح فى هذا فعلا.. لكن الصوت لا يحتمل، وقفت مع مساعد الطيار وتحدثت معه عن أحد أقاربى وكان طياراً مقاتلاً فى حرب أكتوبر.. فرد على قائلا «الجيل ده يافندم عمل كل حاجة حلوة هم اللى حاربوا واحنا معملناش حاجة»، قلت له: لكنكم لم تحاربوا والقدر لم يعطكم هذا الشرف.
قال: لا احنا بنحارب فى سيناء ونفسى أنول الشرف ده كلنا عاوزين نجيب حق الشهداء فى سيناء، هذا الكلام يوضح مدى رغبة مقاتلينا فى الثأر للشهداء لذا فهو يبرر الصعود القوى والعنيف «إف 16».
إن من يتابع المشهد الآن يستطيع أن يؤكد أن ما يحدث فى العالم العربى من فوضى وإخفاقات كتبه أحد كتاب السيناريو من هوليوود ونفذته المخابرات الأمريكية بدقة توازى الخيال الذى نعيشه.
الواقع يقول إن مصر لن تستطيع أن تتحمل فاتورة تدخل عسكرى كامل فى ليبيا، وستكتفى خلال الفترة القادمة بتوجيه ضربات جوية لقصف مواقع داعش، مع وجود وحدات كوماندوز قادرة على حماية المصريين فى حالات الطوارئ القصوى، وتسعى مصر لجمع تحالف دولى واسع لتطهير ليبيا من الدواعش، هناك دول من المتوقع أن توجه ضربات جوية لداعش فى ليبيا ومن بينها إيطاليا، وآن الأوان للاتحاد الاوروبى أن يصلح خطأه فى ليبيا، لكن يبقى السؤال الأهم: لماذا تحارب أمريكا الدواعش فى سوريا والعراق.. ولا تقترب منهم فى ليبيا؟ بل وترفض أن تحاربهم فى ليبيا بعنف؟
مصر لم تمر فى حياتها بهذا الخطر الذى يحيط بنا من اربعة جوانب، إسرائيل ليست بعيدة عن داعش ليبيا أو الحركات الإرهابية التى تقتل المصريين، لأن سلاح الإرهاب لم يقترب منها، نواجه خطرا على حقنا فى المياه من إثيوبيا المدعومة بإسرائيل أيضا، وخطر فى حدودنا الغربية مع ليبيا وعلى شريط حدودى قدره 1300 كيلومتر، وخطر فى الجنوب.
وظهر لنا فجأة الخطر الأعظم وهو ما يحدث فى اليمن، إن مصر لا تستطيع أن تعيش بدون قناة السويس، والانقسام الذى حدث فى اليمن يهدد المدخل الوحيد للبحر الأحمر وهو مضيق باب المندب، ولو أغلق هذا المضيق فى وجه مصر لضاعت قناة السويس وضاعت حدودها البحرية الشرقية، ما يحدث فى اليمن خطر كبير على وحدة السعودية، ويهدد حدودها، أن ملف اليمن أعاد للزعيم الراحل جمال عبدالناصر كرامته وأثبت صحة رؤيته، ومن قبله محمد على، إن حدود الأمن القومى المصرى تبدأ من اليمن وتصل إلى المغرب غربا وتركيا شمالا وإثيوبيا جنوبا وسلطنة عمان شرقا، ليس أمام مصر سوى الدخول فى تحالف لتطهير اليمن من الدواعش أيضا وحماية مضيق باب المندب، هذا التحالف من المتوقع أن تنضم له السعودية والإمارات والكويت والبحرين وسلطنة عمان، وستنضم قطر أيضا إلى هذا التحالف رغما عنها، لكن سنكتفى بالغارات الجوية أيضا ولن نتدخل بريا، ولن نقع فى هذا المستنقع مرة أخرى، إن دور مصر فى هذه الدول هو مساعدة شعوبها على التخلص من الدواعش، وليس الدخول فى حروب.
الخطر هنا أن مصر ستحارب تركيا فى ليبيا وإيران فى اليمن هذا غير الحرب الباردة الإسرائيلية التى تمارس ضدها المدعومة أمريكيا، هذا غير الخيانة من البعض فى الداخل، وكان السيسى يعلم مبكرا أبعاد هذه الحرب، لذلك اعاد هيكلة المؤسسة العسكرية حينما كان وزيرا للدفاع، وقام بتحديث منظومة الأسلحة، لقد عقد السيسى أربع صفقات سلاح فى عام واحد فقط مع روسيا والصين وفرنسا وألمانيا، فى حين اكتفى مبارك محدود الخيال بالمعونة العسكرية طوال 30 عاما.
لقد استضاف السيسى الرئيس الروسى بوتين للحصول على الدعم الروسى فى مواجهة البقاء، إن مصر فى حالة حرب، والحروب ليست رفاهية وليست فيها أهلى وزمالك نشجع فيها اللعبة الحلوة، الحروب مصير دول ومستقبل أبنائنا، لذا يجب أن نقف وراء الجيش فى كل تحركاته الآن، فالحرب بدون توحد الجبهة الداخلية تسير بنا إلى الهزيمة.
كان للسيسى تجربة مهمة جدا وهو وزير للدفاع وهى قوات التدخل السريع، هذه التجربة تمت للمرة الأولى فى الشرق الأوسط وهناك دول أوروبية مثل فرنسا أعجبتها الفكرة، ودول عربية تريد تطبيقها فى مقدمتها دول الخليج، قوات التدخل السريع ببساطة تستطيع أن تقول إنه جيش مصغر محمول جوا، ينتقل إلى الحدث فى دقائق ويتعامل معه، مجموعة من المدرعات والدبابات والقاذفات وقوات كوماندوز ومظلات لديهم تسليح أعلى من جندى الجيش العادى تنتقل فى 3 طائرات عسكرية إلى أى مكان داخل الوطن أو حتى خارجه لحماية المصريين، تجعل الإرهابيين يقفون أمام جيش مصغر فجأة، وليس جيشًا عاديًا بل قوات كوماندوز تستطيع التعامل مع أى إرهاب بمنتهى القوة والحزم.
قوات التدخل السريع لها بطولات وأعمال سيخلدها التاريخ فى مصر العام الماضي، هذه التجربة أثارت انتباه الكثير من دول العالم، وسيتم نقلها وتعميمها فى دول الخليج الصديقة لمصر، سيتم استخدامها فى تنفيذ عمليات خاصة ونوعية لحماية المواطنين العرب فى أى مكان فى العالم من الإرهابيين، هذه القوات تقف الآن فى المطارات العسكرية المصرية تنتظر تعليمات بالتحرك إلى أى مكان للدفاع عن المصريين فى اى مكان.
لم يكن سهلا على الأمريكان أن يجدوا فى القاهرة نظاما قويا يقف أمامهم، نظاما يجرؤ على التواصل مع روسيا والصين ولا يسبح بحمد ماما أمريكا، فالنظام الأمريكى يفضل التعاون مع نظام خاضع وتابع مثل نظام مبارك، أو نظام عميل مثل الإخوان المسلمين، لقد قدم مبارك كل شىء لأمريكا طمعا فى توريث ابنه الحكم، وخلع الإخوان ملابسهم أمام أمريكا رغبة فى وهم الخلافة، والسيسى استضاف بوتين فى أعلى طابق ببرج القاهرة رافعا رأسه فى وجه الأمريكان.