رشا سمير تكتب : الوطن العربى بين أحضان مصر

مقالات الرأي



كان من حظى أن أكون خارج القاهرة حين وقع هذا الاعتداء الوحشى على أقباطنا المصريين فى ليبيا.. بل وكان من حسن حظى أن أكون فى أرض المغرب وسط كوكبة من المفكرين والصحفيين والناشرين لحضور معرض كتاب الدار البيضاء..

كان من حسن حظى أن أقف خارج الدائرة وبعيدا عن الحدث حتى أرى الصورة أكثر وضوحا، وحتى أستمع دون تشويش إلى آراء الآخرين عن وطن لا تشغلنى سوى أقداره..

على هامش المعرض كانت الندوات.. وعلى هامش الندوات كانت جلسات الأدباء على مقهى يحتل ناصية المعرض وفى أروقة الفنادق.. جلسات تعانق فيها المشرق بالمغرب.. وتلاقت فيها الأوطان العربية تحت مظلة ثقافية تحمل الكثير من معانى العروبة..

التقيت الوفد الفلسطينى.. وتحاورت مع أدباء المغرب.. واستمعت إلى آراء الأخوة فى تونس ولبنان والعراق..

رأيت الوضع فى مصر فى عيون بشر يحكون لغة الضاد ويجلسون خارج الحلبة.. فجاء رأيهم أكثر هدوءا وأحيانا أكثر قسوة، فلا يكتوى بنار الإرهاب إلا من ذاقها..

هاجم أحد كبار الكتاب المغربيين دفاعى المستميت عن الجيش المصرى وقال بهدوء:

«كنا نتمنى ألا تقع مصر فى قبضة الحكم العسكرى من جديد»

وقلت على الفور: « لم تقع مصر فى قبضة الحكم العسكرى، بل اختارت رئيساً عسكرياً قوياً قادراً على أن يحميها، بل ويحمى الوطن العربى كله».

قابلت الوفد الفلسطينى الذى حل كضيف شرف للمعرض، وبحق كانت حواراتى معهم لا تحمل إلا حباً واحتراماً لمصر، وعتاباً بسيطاً على إعلام يتحدث عن الشعب الفلسطينى وكأنهم إرهابيون.. وقلت لهم: «المثقفون فى بلدى يدركون أن الشعب الفلسطينى ليس حماس، كما أن الشعب المصرى ليسوا الإخوان»..

قال لى المستشار السياسى بسفارة فلسطين بالمغرب بلكنة تفيض بالحُب والعرفان: «نحن من دون مصر لا نسوى شيئا.. والوطن العربى كله لا يحتمى سوى بكم، ونتمنى لرئيسكم الهُمام الذى أعاد فى أذهاننا صورة عبد الناصر أن يحفظه الله، لأن الوطن العربى دون مصر سوف يصبح قشة فى مهب الريح.. احتمينا بها طويلا وهانحن نأتنس بظلها من جديد».

وفى حوار اعتدت أن أجريه مع أهل كل بلد أزورها، قال لى شاب يعمل بالمعرض: «ولكنكم تقمعون الشباب وسجونكم تعج بالناشطين الذين وقفوا فى وجه مبارك.. ألم يكن من الأحرى بكم أن تحتضنوهم حتى لا تخلقوا جبهة جديدة من المعارضة»..

وكالعادة استشعرت فى نبرة صوته حماس الشباب واعتراضه على كل الأوضاع والقوالب التى تحبس فورته..

وكان ردى عليه: «وماذا عن الحرب الخارجية؟ وماذا عن إرهاب يجتاح الأوطان العربية؟ لم يكن هناك بديل لرئيس عسكرى قوى فى تلك المرحلة.. وكنا نتمنى لو استشعر الناشطون من الشباب خطورة الموقف فكفوا عن التذمر والنواح فى وقت نحتاج فيه للمثقفين والسياسيين والشباب كى يقفوا فى جبهة واحدة لتقوى بهم الصفوف».

لم أشعر أن كلماتى أقنعته ولكن..

فى صبيحة اليوم التالى تم بث الفيديو المُرعب لذبح أقباطنا فى ليبيا، وفى إطار سريع وقوى جدا، يخرج الرئيس السيسى قويا صامدا كعادته ويقسم على أن يأخذ بالثأر..

وفى اليوم التالى يدك السلاح الجوى المصرى بالتنسيق مع ليبيا مواقع الإرهابيين فى داعش..

سرت بفخر وسط الأروقة أستمع إلى الناس يشهدون للجيش المصرى وقوة رئيسنا..

لقد استطاعت مصر أن تأخذ الأوطان العربية من جديد بين ذراعيها.. استطاعت مصر أن تقف فى وقت انحنت فيه دول كثيرة وانكسرت.. واستطاع الجيش المصرى أن يكون حاسما فى وقت تراخى فيه الكثيرون..

واستوقفنى بيان الجيش الذى بدأ بجملة بالغة المعانى: «استطاعت قواتكم المسلحة»..

نعم.. إنها قواتنا المسلحة ولنا الفخر..

إن رد اعتبار المصريين يؤكد على إعلاء كرامتهم فى الخارج والداخل.. وتقديم العزاء من قبل رئيس مسلم لأقباط مصر المسيحيين فى الكاتدرائية رد قاطع على من يروجون لشرخ طائفى لا وجود له فى مصر.

إننا فى عصر أعادت مصر للعالم العربى كيانه وأخذت الدول العربية تحت جناحيها من جديد على أنغام أغنية «بالأحضان»..

وفى المساء قابلت الشاب المغربى الغاضب فى أروقة المعرض فأومأت له برأسى فى إشارة تحمل تساؤلاً.. فابتسم ابتسامة تحمل ألف معنى وقال لى: Vive l’egypte

نعم.. .. تحيا مصر.. تحيا مصر..