فضيلة المرشد.. والشياطين

مقالات الرأي



وصف دراما رمضان بأنها تحرم الأمة من مشروع التقوى

أحمد فايق


اعتبر محمد بديع مرشد الإخوان أن مسلسلات رمضان خطة متعمدة تهدف لسرقة وقت الإنسان، وقال فى رسالة له إنها تحرم الأمة من مشروع التقوى، داعيا المصريين إلى مقاومة شياطين الإنس، بعدما قيد الله شياطين الجن فى شهر رمضان المبارك.

هذه الأفكار لا تخرج إلا من شيخ زاوية فى منطقة نائية لم يكمل تعليمه الثانوى، ولا تخرج من المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، فكلماته لا تعبر سوى عن شخص قادم من العصور الوسطى حاملا سيف التطرف فى يديه، يريد أن يفرض آراء عفى عليها الزمن وتجاوزها من هم أكبر قيمة وقامة منه، وماقاله لا يدل سوى على أنه حتى لا يقرأ برنامج حزبه المسمى بالنهضة، والذى فرد فيه مساحة كبيرة لدعم الفن وصناعة السينما أو شياطين الإنس كما وصفهم جلالته أو فضيلته.

انزعج مرشد الإخوان لأن عدد المسلسلات وصل هذا العام إلى 70 عملا، بدلا من أن يشعر بالفخر، فقد وصلت استثمارات الدراما المصرية إلى مليار جنيه فى شهر واحد فقط، وعمل بالمسلسلات مالايقل عن عشرة آلاف عامل مابين نجار وحداد ومهندس ديكور ومصورين وكهربائى، الفن صناعة لا يستطيع أن يفهمها مرشد الإخوان ومن هم مثله، صناعة يستفيد منها كل فئات المجتمع من سائق التاكسى وحتى صاحب أكبر منتجع سياحى فى مصر.

ألا يعرف مرشد الإخوان أن هناك مئات من الشياطين رفعوا اسم مصر وساهموا فى بسط القوى الناعمة المصرية بين كل الدول العربية، فالشيطان محمود عبد العزيز هو الذى جسد فى يوم من الأيام بطولات المخابرات المصرية فى مواجهة العدو الصهيونى، والشيطان عادل إمام يستطيع أن يفعل مالا يستطيع أن يفعله أى من قياداتك بين الشعوب لأن الناس تحبه، والشيطانة يسرا هى من قدمت برنامجا مثل بالعربى لتحاول فيه أن تجمع الشمل بين العرب وهى نفسها من سافرت إلى الأقصر خصيصا لكى تحضر مهرجانا عن السينما الأفريقية لا يضيف لها شيئا كممثلة، لكنها كعادة الأبالسة كانت ترى أن وجودها مهماً لتوطيد العلاقة مع الأفارقة ثقافيا، حتى تصلح ماأفسده ملائكة السياسة.

وطوال عشرات السنوات ابتلى الله مصر بآلاف الشياطين الذين صنعوا وجدان العالم العربى كله، وساهموا فى رسم الصورة الذهنية عن مصر، وخلقوا حلما داخل كل عربى أن يزور أم الدنيا، فملايين من السائحين العرب زاروا مصر ومازالوا حتى يروا الشوارع التى عرضتها المسلسلات، ويشاهدوا جدعنة المصريين وخفة دمهم والتى رسمها الكثير من شياطين دراما رمضان ومنهم يحيى الفخرانى وهانى رمزى ونور الشريف وفتحى عبد الوهاب وجمال سليمان وإلهام شاهين وغيرهم.

بالتأكيد لا يعرف مرشد الإخوان أن تركيا تعرض مسلسلاتها فى البداية وبعد النجاح، تعرض منتجاتها من مفروشات وملابس والموضة التى يرتديها أبطال المسلسلات، ولا يعرف أن منزل نور ومهند فى المسلسل الشهير تحول لمزار سياحى يزوره الملايين من العرب، فالحكومة التركية الإسلامية تحترم نجومها وتقدرهم، ويرسلون سفراء لهم فى كل البيوت العربية من فنانين ونجوم يفخرون بهم ويعرفون قدرهم، أتذكر أننى كنت فى لجنة تحكيم مهرجان مسقط السينمائى الدولى بسلطنة عمان، وكان بجوارى رئيس المهرجان الدكتور خالد الزدجالى، وجاءه تليفون فجأة من السفير التركى بسلطنة عمان يسأله عن نشر إعلان مدفوع الأجر بالصحف العمانية عن قدوم الممثل التركى «كيفانج تاتليتوج» الشهير بمهند والممثلة «صونجول أودان» الشهيرة بنور إلى المهرجان، فهل يتخيل شيخ الزاوية محمد بديع هذا الموقف وكيف تقدر هذه الحكومات الإسلامية قيمة نجومها.

يافضيلة المرشد من يجعلك تسير فخورا الآن بين الشوارع العربية هو أشياء لم تشارك جماعتك فيها بل وحرمتها، فأنت لا تدرك قيمة إسماعيل ياسين ولا صوت أم كلثوم ولا قيمة يوسف شاهين ولا أهمية مسلسلات رمضان، بالتأكيد لا تدرك أن مسلسل «فرقة ناجى عطاالله» الذى شارك فيه الكثير من الشياطين أثار جدلا كبيرا فى إسرائيل، وجعلهم يشعرون بالرعب لأنه يكشف عيوبهم ويعريهم بنفس نعومتهم فى بث أفكارهم السامة، ولا تعلم أن مسلسل «الصفعة» للشيطان شريف منير يساهم الآن فى بناء جيل كامل من الشباب الذين يفخرون بوطنهم وبطولاته فى مواجهة الصهاينة مثلما فعل محمود عبد العزيز ويسرا فى مسلسل «رأفت الهجان» مع جيلى، كيف ترى المسلسلات التى عرت المجتمع وكشفت عيوبه وقدمت فنا راقيا هى شياطين ومفسدة لمشروع التقوى .

هل يعلم محمد بديع أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بينما كان يسير فى موكبه بالمغرب وسط الملايين قال أحدهم له «ياعبد الناصر سلم لنا على إسماعيل يس»، لقد حدثت هذه الواقعة وبثت فى التليفزيون المغربى وقتها.

الإسلامى الوسطى هو من يشكر صناع الدراما على مجهودهم هذا العام ويشدد على تقواهم فى خدمة الوطن بفنهم، وإيمانهم بالله فى أن عملهم بالفن ما يفيد مصر وليس شيئاً آخر، ورجل السياسة والدولة يجب أن يستغل هذا النجاح فى الدراما لتحويله إلى استثمارات اقتصادية وصناعية كبرى، فنحن لم نعرف «كنتاكى» و«تكا» و«البيتزا» ومطاعم الفاست فوود إلا من خلال السينما الأمريكية التى روجت للاقتصاد الأمريكى، وبدلا من أن نحول نجاح نجومنا على مدار أكثر من مائة عام إلى استثمار اقتصادى وسياسى وادبى، نصفهم الآن بأنهم شياطين، وجزء من مخطط منظم لهدم مشروع التقوى.

لن أفعل مثلما فعل محمد بديع وأصفه بأنه شيطان أو أن تصريحاته تهدم مشروع التقوى لأننى صائم، وليس من أخلاق الصائم أن يعتبر الآخرين شياطين يافضيلة المرشد، لكننى أشدد على فنانينا وأقول لهم لا تنزعجوا فهناك من يقدر ماتفعلونه من أجل مصر، وكل الشكر لكم.