أمريكا ومرسى والمجلس العسكرى
أحمد فايق
سفن حربية صينية مرت من قناة السويس لدعم بشار الأسد فى سوريا، هذا الخبر انتشر مؤخرا فى الصحف، وسبقه أخبار أخرى حول مرور سفن حربية إيرانية وأخرى روسية عبر قناة السويس لدعم الأسد، هذه الأخبار عادة نمر عليها مرور الكرام، دون أن نعرف أن مصر جزء مهم من العالم، وما يحدث حولنا يؤثر على رغيف الخبز الذى نتناوله، فرغم أن الإعلام الحكومى صور لنا أن مشاركة مصر العسكرية فى تحرير الكويت ومساندتها غير المباشرة لغزو العراق تسببت فى إسقاط نسبة كبيرة من ديون مصر الخارجية، إلا أنه تجاهل أننا مازلنا نعانى حتى الآن من أثار هذا الغزو، فهناك آلاف من المصريين فقدوا تحويشة العمر فى البنوك العراقية، ونزوح مئات الالاف من العراقيين للقاهرة تسبب فى ارتفاع أسعار العقارات بشكل مبالغ فيه، أى أن غزو العراق تسبب فى تأخر سن الزواج عند المصريين وزيادة نسبة الفقر والبطالة، لم نعرف أزمة البوتاجاز إلا بعد أزمة الكرة الشهيرة بين مصر والجزائر، فقد قطعت عنا الجزائر لعدة أشهر البوتاجاز وكنا نحصل عليه بسعر مدعوم، ولم ينصلح الأمر إلا قريبا.
الوضع فى سوريا يؤكد أننا على أعتاب حرب باردة بين القوى العظمى فى العالم، وهذا يبرر لماذا تدعم أمريكا محمد مرسى وفى نفس الوقت لا تتخلى عن المجلس العسكرى، ولماذا أصبح شباب الثورة هم ألد أعداء الجميع إخوان وعسكر وفلول وأمريكان.
روسيا تريد أن تعود للمشهد من جديد وتعلن أنها مازالت موجودة فى العالم كقوى عظمى، خسرت روسيا المعركة فى ليبيا وهذه المرة غير مستعدة للخسارة فى سوريا، فتسليح الجيش السورى النظامى روسى، وبشار لديه أحدث أسلحة فى الترسانة العسكرية الروسية والصينية، وأمريكا تريد أن تستولى على هذه الترسانة او تفكيكها بشكل لا يهدد إسرائيل، الصين تريد نقل مربع الصراع مع أمريكا من الكوريتين الشمالية والجنوبية إلى الشرق الأوسط وبعيدا عن حدوده وسوريا ملعب مثالى، لذا لا تتردد الصين لحظة فى دعم سفاح سوريا بشار الأسد، إيران أيضا مستفيدة فقد نجح الملف السورى فى صرف أنظار المجتمع الدولى عن مشروعها النووى، إذن نحن أمام تحالف روسى صينى إيرانى يدعم بشار ضد شعبه وضد الغرب الذى يريد الاستفادة من الموقف.
هل تتذكرون المسمار الأخير فى نعش الاتحاد السوفيتى لقد كان أفغانستان حينما أعلن المسلمون فى جميع أنحاء العالم الحرب المقدسة ضد الشيوعيين الكفرة وبدعم أمريكى غربى، والمؤشرات الأولى تؤكد أن أمريكا تريد تكرار سيناريو الحرب المقدسة ضد الصينيين والروس الشيوعيين الكفرة، والأصلح لقيادة هذه الحرب هم الإسلاميون فى العالم العربى، خاصة أن الإسلاميين العرب لديهم أزمة كبيرة مع المذهب الشيعى فى إيران، وأدوات أمريكا فى المنطقة معروفة السعودية تستطيع أن تسيطر على السلفيين ونشر فتاواهم بحتمية الحرب المقدسة فى قنواتهم، والإخوان فى مصر قادرون على قيادة التنظيم الدولى لخوض هذه الحرب بالوكالة.
بالتأكيد تسأل نفسك.. كانت أمريكا تستطيع دعم شفيق أو المجلس العسكرى وهم يسمعون الكلام ولا يعصون الأوامر الأمريكية، هذا حقيقى لكن الفارق هنا أنهم يضمنون دعما من نظام حكم فقط وليس تعبئة شعبية أيضا، أى أن أمريكا نفسها مستفيدة من اللعبة فالمجلس العسكرى يريد إرضاءها حتى توافق على الإطاحة بمرسى والعكس صحيح، وكل من الطرفين سيقدم الكثير فى هذه الحرب المقدسة القادمة.
بشار يريد الاحتفاظ بالحكم العلوى فى سوريا على حساب دماء الشعب نفسه، والمجلس العسكرى يريد الحفاظ على مصالحه ومصالح طبقة معينة من كبار الموظفين ورجال الأعمال وبعض رجال النظام السابق بالإضافة إلى الإبقاء على الدولة البوليسية، الإخوان المسلمون يريدون التمكين وبسط نفوذهم فى كل مؤسسات الدولة لتنفيذ حلم الخلافة الكبير، وأمريكا تلعب بكل هؤلاء من أجل أن تبقى القوى العظمى الوحيدة فى العالم.
هناك جزء مهم ينقص هذه المعادلة وهو المطالب التى قامت من أجلها الثورة خبز..حرية.. عدالة اجتماعية، هذه المطالب لم تكن شعارات جوفاء بل هى تعبر فعلا عن واقع المجتمع المصرى، ولو لم يستطع تحقيقها مرسى أو المجلس العسكرى لن يجلس أحدهم مستقرا على عرش مصر، أمريكا لن تساعدهم فى منح المصريين عدالتهم المفقودة، لأن منحها يعنى انهيار النظام الرأسمالى الإقطاعى الذى دعموه فى العالم، وكل هؤلاء لن يصمدوا أمام الملايين الذين يسكنون العشوائيات ومثلهم ممن لا يجدون رعاية صحية كريمة أو وظيفة تؤمن لهم مستقبلهم.