منال لاشين تكتب : دونجوان السفارة المصرية فى تل أبيب يحكى مغامراته

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


■ علم باجتياح إسرائيل لـ«لبنان» من خلال علاقته الغرامية بضابطة فى الجيش الإسرائيلى 
■ كشف شبكة تجسس شركات السياحة الإسرائيلية على مصر من صديقة ثالثة 
■ أبلغته صديقة رابعة بطريقة الموساد لمراقبة كل فنادق إسرائيل
■ أجهزة الأمن الإسرائيلية كسرت شفرة السفارة المصرية بتل أبيب وأدركت خطورته وراقبته من خلال «كلب بوليسى»

ويكشف فى مذكراته:

1 - كيف نجا عرفات من الاغتيال خلال انفجار مقر القيادة الفلسطينية فى بيروت؟
2 - لماذا زار شارون الحسين وخان الخليلى خلال جنازة السادات؟
3 - سر رفض الجيش الإسرائيلى لوضع الإسرائيليين من أصل مصرى فى مواجهة الجيش المصرى خلال حرب أكتوبر


يندر أن تجد مذكرات لدبلوماسى مصرى تشبه أو حتى تقترب من مذكرات السفير رفعت الأنصارى التى صدرت الأسبوع الماضى. وحملت عنواناً مثيراً (حكايتى فى تل أبيب) الصادر عن دار نشر «المصرية اللبنانية». فى حفل توقيع المذكرات وصف الدكتور مصطفى الفقى الأنصارى بأنه راسبوتين الخارجية المصرية. ولكن حين تقرأ المذكرات ربما تطلق عليه وصفاً آخر أكثر ملاءمة لتجربته فى إسرائيل وهو دونجوان السفارة المصرية فى تل أبيب. فخلافا لكل المذكرات المماثلة فإن الأنصارى يكشف بوضوح وجرأة وشفافية عن علاقاته النسائية الغرامية المتعددة. وحياته الصاخبة، وفى بعض الصفحات أو الحكايات كدت أنسى أننى أقرأ مذكرات دبلوماسى مصرى، فالحكايات تشبه قصص احسان عبدالقدوس الرومانسية ومغامرات أدهم صبرى بطل سلسلة رجل المخابرات. وكانت إسرائيل تتهم الأنصارى بأنه رجل مخابرات مصرى اندس فى سفارتنا فى تل أبيب. ولكنه ينفى ذلك جملة وتفصيلا.

ذهب الأنصارى إلى إسرائيل فى العام الثانى لتبادل السفراء بين مصر وإسرائيل. وفى أجواء شديدة التوتر والخطورة معا. وخلافا لمعظم الدبلوماسيين المصريين فإن الأنصارى رحب بشدة بالسفر إلى إسرائيل. فقد كان شابا لا يملك أى حاجز نفسى للتعامل مع الإسرائيليين. وكان الأنصارى قبل التحاقه بالخارجية يستعد للهجرة إلى أمريكا للتمتع بالعيش بحرية وفى بلد ديمقراطى ليبرالى وللحاق بشقيقيه اللذين هاجرا لأمريكا بلد الأحلام. وعوضا عن السفر التحق بالخارجية. وعمل فى بداية حياته فى سفارتنا بلندن وكان مسئولا عن ملف الصهيونية ونشاط إسرائيل فى بريطانيا، وفيما بعد كان عضواً فى إدارة التطبيع مع إسرائيل فى وزارة الخارجية ومنها إلى سفارتنا فى تل أبيب.

ولا شك أن صفاته الشخصية قد أهلته لخوض المغامرة الكبرى فى إسرائيل، فهو شاب محب للحياة والسهر والنزهات والعلاقات النسائية والتعرف على الأجانب وعلى أكبر عدد من الناس. وكونه لا يشعر بأى حاجز نفسى أهله لدخول المجتمع الإسرائيلى والتعرف على معظم فئات وطبقات المجتمع. ولكن غياب الحاجز النفسى لدى الأنصارى لم يصل إلى اعتبار دولة إسرائيل صديقة. فقد احتفظ الرجل بحسه الأمنى والقومى والسياسى على أعلى مستوى. كما أنه أفاد وطنه بمعلومات خطيرة من خلال علاقاته النسائية.

إنها مذكرات مثيرة ومفيدة وتكشف أسراراً وحكايات عن المجتمع الإسرائيلى وعن العلاقات المصرية الإسرائيلية.

1 - مغامرة للوصول لتل أبيب

منذ الصفحات الأولى للمذكرات ستكتشف أن الأنصارى ذو شخصية محبة للمغامرة والتحدى. وعندما كان فى لندن وفى عز العداء بين مصر وإسرائيل قام وهو دبلوماسى مصرى بزيارة لمعرض الشركات الإسرائيلية فى لندن. ولم يفصح بالطبع لأحد فى المعرض عن شخصيته الحقيقية، وإمعانا فى التمويه اصطحب الأنصارى معه أحد أقاربه للمعرض. وكانا يتحدثان بشفرة اعتادا استخدامها فى طفولتهما. وهى تحدث العربية بالمقلوب. وذلك من خلال عكس ترتيب حروف الكلمات العربية، فتبدو وكأنهما يتحدثان لغة شرقية كالعبرية.

وخلال فترة عمله بلندن فى ملف إسرائيل حاز إعجاب رؤسائه. وعندما بدأت عجلة التطبيع أعيد إلى القاهرة ليعمل فى إدارة التطبيع بوزارة الخارجية. وقد خشى والده المقيم فى السعودية من هذه الخطوة. وأرسل له خطاباً يحذره من أن عمله فى هذه الإدارة قد يرشحه للعمل فى سفارة مصر بإسرائيل، وقد بلغ من حذر وقلق والده أنه كتب الرسالة باللغة الإنجليزية. وحدث ما توقعه الوالد ورشح الأنصارى للعمل كسكرتير فى سفارتنا فى تل أبيب. ووافق الأنصارى على الفور، وفى خطوة متحدية قرر الذهاب إلى إسرائيل بالطريق البرى والسفر بسيارته الخاصة. وهى مغامرة محفوفة بالمخاطر الأمنية ليس فى ذلك الوقت فقط بل إلى الآن. فقد أراد الأنصارى أن يستفز الإسرائيليين بهذه الخطوة وأن يعلن عن قدوم مصرى مختلف إلى إسرائيل. بل إن الأنصارى وافق على اصطحاب ضابط إسرائيلى فى سيارته خلال الرحلة البرية. وأصيب الضابط بالفزع عندما كشف له الأنصارى عن شخصيته، لأن الجيش الإسرائيلى يحظر على الجنود والضباط أى تعامل مع الدبلوماسيين الأجانب. وبعد عدة مغامرات بسيطة وصل إلى مقر السفارة المصرية فى إسرائيل، لتبدأ صفحة مثيرة جداً فى حياة الدبلوماسى الشاب.

2 - شبكة علاقات

منذ اللحظة الأولى لحياته فى إسرائيل سعى الأنصارى لتكوين شبكة علاقات. وبدأها مع اليهود من أصل عربى. وقد ساعدته هذه الشبكة فى توسيع دائرة علاقاته بكل فئات المجتمع الإسرائيلى. وكان الأنصارى فى هذه الفترة يتصرف كأى شاب وسيم وعصرى، فيذهب للبارات وصالات الرقص والمطاعم ويقيم علاقات عابرة مع نساء أجنبيات. وبهذه الصورة انخدع الإسرائيليون فيه لبعض الوقت، وإن كانوا يرصدون خطواته لأنهم لم يشعروا بالأمان مع شبكة علاقاته المتعددة. وحاولوا أن يوقعوه تحت سيطرتهم بنفس الطريقة وقاموا بمحاولات عديدة فى ذلك الاتجاه. فقد دعاه مليونير إسرائيلى من أصل إيرانى إلى حفل فى قصره بالغ الفخامة والذى تكلف فى الثمانينيات من القرن الماضى نحو 8 ملايين دولار، وخلال الحفل لاحظ الأنصارى أنه يعامل بود وترحاب مبالغين من صاحب الدعوة والضيوف، فاستيقظ الحس الأمنى بداخله على الفور. وفجأة عرفه الميلونير الإيرانى الإسرائيلى على بعض ملكات الجمال فى مدن إسرائيل المختلفة. وقال له إنهن مستعدات لعمل أى شىء. فتصرف الأنصارى بتحفظ بالغ. ويؤكد الأنصارى فى مذكراته أنه تعامل معهن بمنتهى الأدب. وخرج من الحفل أو بالأحرى هذا الفخ سالما.

مرة أخرى تعرض الأنصارى لغواية خلال حضوره فعاليات اختيار ملكة جمال إسرائيل واختير كرئيس للجنة التحكيم، وكانت الجائزة هى رحلة مدفوعة الأجر إلى مصر ثم التشرف بلقاء مع الرئيس السادات بطل السلام. وكانت هذه فكرة الكاتب الراحل أنيس منصور، وقد أرضت غرور السادات. المهم أن ملكات الجمال عرضن على الأنصارى فى هذا الحلف استعدادهن لإقامة علاقة معه وتلبية أى رغبات له، ولكنه استطاع الانسحاب بلباقة من هذه الورطة.

ومر الكثير من هذه المواقف على الدبلوماسى الشاب. ولكنه كان يأخذ حذره، حتى فى كل مرة تعرف فيها على امرأة كان يدرس قبل الدخول فى العلاقة إمكانية أن تكون المرأة مدسوسة عليه من الموساد، أو من أجهزة الأمن الإسرائيلية الأخرى. وكان الأنصارى قد تلقى دورة تدريبية مكثفة فى المخابرات المصرية قبل عمله فى إسرائيل. وخلال الدورة تعرف على طبيعة الأجهزة الأمنية وأنواعها فى إسرائيل والطابع الأمنى والبوليسى لدولة إسرائيل. ولذلك كان يتحسب لكل خطوة من خطواته فى إسرائيل دون أن يتراجع عن اقتحام المجتمع الإسرائيلى ومجتمع الدبلوماسيين الاجانب.. وقد نجح فى تحقيق هدفه إلى أبعد الحدود رغم الحصار الأمنى فى مجتمع بوليسى من الدرجة الأولى. ويروى الأنصارى فى مذكراته عشرات القصص عن أساليب أجهزة الأمن الإسرائيلية للتنصت على الدبلوماسيين والضيوف وحتى المواطنين.

3 - دولة تعبد التنصت

على غرار رجال المخابرات وضع الأنصارى بعض العلامات فى غرفته بالفندق الإسرائيلى الذى أقام فيه، وحين عودته للغرفة اكتشف العبث بالعلامات فعرف أن غرفته وأغراضه تعرضا للتفتيش الدقيق. وعندما بدل الأنصارى الفندق واختار أحد الفنادق الفاخرة ظل يشعر أو بالأحرى ظل على يقين بأن أجهزة الأمن الإسرائيلية تتجسس عليه واستمر هذا اليقين عندما انتقل للعيش فى شقة مفروشة بالقرب من مقر سفارتنا فى تل أبيب.

وبعد عدة شهور من العمل بإسرائيل تأكد الأنصارى من صحة تجسس إسرائيل عليه. فقد أرسلت مصر بعثة خاصة فى كشف التنصت للكشف عن أجهزة التنصت على السفارة المصرية وبيوت العاملين بها. وطلب منهم الأنصارى مراجعة الوضع فى شقته. وبالفعل اكتشفت البعثة الأمنية وجود نحو خمسة أجهزة للتنصت على الأقل فى شقته. موزعة بعناية فى زوايا الشقة. واحدة فى الجدار خلف الأريكة المفضلة للأنصارى، وأخرى فى أجهزة الإضاءة بالشقة مثل الأباجورة والنجف وكانت هناك أجهزة تنصت أخرى مزروعة داخل الحوائط، ولم ينزع الفريق الأمنى أجهزة التنصت حتى لا يدرك الموساد أنهم اكتشفوا هذه الأجهزة. ولكنه حذر الأنصارى من الحديث فى شقته فى أى شأن من شئون العمل.

ولم يكن الأنصارى فى حاجة لهذا التحذير فقد لاحظ من طريقة حصوله على الشقة أن جهة أمنية وراءها. فقد كانت العراقيل توضع أمامه كلما حاول الحصول على شقة، وفجأة حضرت للسفارة المصرية سمسارة عقارات وقالت له إنها عرفت أنه يريد العيش فى شقة مفروشة وان طلبه متوافر لديها. وبالفعل حصل على شقة قريبة من السفارة وفاخرة وبإيجار منخفض.

وعلى الرغم من الترحيب الإسرائيلى الرسمى والشعبى بإقامة علاقات دبلوماسية مع مصر، فإن الموساد كان يراقب ويتنصت على السفارة المصرية والعاملين بها وكل اجتماع للمصريين يجرى فى إسرائيل.

ويروى الأنصارى قصة مثيرة للتنصت على اجتماع جرى فى فندق بإسرائيل لوزير الخارجية فى ذلك الوقت كمال حسن على مع طاقم السفارة.

فقد طلب كمال حسن على من الأنصارى أن يقوم برفع صوت التليفزيون والراديو فى الغرفة لإفشال محاولات التنصت على الاجتماع. وبعد مرور فترة من الوقت كان صوت التليفزيون ينخفض وحده. فاكتشف كمال حسن على أن أجهزة الأمن تتحكم فى التليفزيون والراديو من على بعد. فقال للوفد بصوت عال واضح انهم عايزين يسمعوا احنا بنقول ايه؟! ييجوا يقعدوا معانا احسن، ثم قام كمال حسن على بفض الاجتماع وطلب من الحاضرين كتابة آرائهم ليحرم الإسرائيليين من معرفة ما يدور فى الاجتماع.

ولم يسلم من المتابعة الأمنية أو بالاحرى التجسس أول سفير لمصر فى تل أبيب السفير سعد مرتضى. حتى إنه قال للأنصارى إنه لا يعلم إذا كانت الحراسة المكثفة لحمايته أم للتجسس عليه وتسجيل تحركاته. وقد بلغ من التضييق الأمنى عليه أنه لم يكن يستطيع فتح شباك غرفة نومه لأن ثلاث مجموعات من الأمن تتمركز فى مواقع عالية تطل على غرفة نوم السفير.

وكشفت صديقة كولومبية يهودية للأنصارى عن الطريقة التى تسيطر بها الموساد وأجهزة الأمن على كل فنادق إسرائيل ومطاعمها بل وكل مبانيها. فعندما يبدأ أى بناء وقبل الانتهاء من المبنى تتسلم جهة مجهولة تزعم أنها حكومية تدعى انها جهة هندسية المبنى، وذلك لمدة ثلاثة اسابيع كاملة. وخلال هذه الفترة تقوم الجهة المجهولة ببناء غرفة صغيرة تحتوى أجهزة لا يعرف احد محتوى هذه الأجهزة. وتغلق هذه الغرفة ولا يسمح لاحد بعد ذلك دخولها الا لبعض الشخصيات الأمنية المحددة، وتخضع الغرفة المغلقة لحراسة مشددة على مدار الـ24 ساعة فى اليوم وبدون أى انقطاع. وهكذا يستطيع الموساد وبقية أجهزة الأمن الإسرائيلية السيطرة على كل ما يدور فى هذه الفنادق والمطاعم والمبانى الأخرى فى إسرائيل.

4 - دونجوان السفارة

بمنتهى الجرأة قرر الدبلوماسى الشاب الأنصارى الاستمتاع بحياته الخاصة منذ الربع ساعة أو الدقائق الأولى لحياته فى إسرائيل. وأقام أول علاقة مع امرأة إسرائيلية فى الأسبوع الأول لوصوله لتل أبيب. وكان اسم السيدة (هنريت) وكان الأنصارى يحمل لها رسالة وهدايا من صديق مشترك بينهما فى مصر، وسرعان ما انجذب كل منهما إلى الآخر. ويقول الأنصارى نصا (كنت مستمتعا بحديثها وفى نهاية العشاء ذكرت لى انها غير مرتبطة بأحد وسألتنى إن كنت متزوجا أو مرتبطا فاخبرتها باننى متزوج ولى طفلان. ولكننى انفصلت عن زوجتى مؤخرا وبدأت الكيميا فى التفاعل ما بيننا، وبصراحة كنت أرغب فى خوض هذه التجربة).

ولم تكن هنريت سوى أول (حبة) فى عقد علاقات الأنصارى النسائية فى إسرائيل. وهى علاقات متنوعة ما بين الحب والعلاقات القصيرة والعلاقات العابرة جدا. فقد عرض عليه احد العاملين بالفندق أن يعرفه بسائحات وحيدات يذهبن إلى إسرائيل للسياحة. ويبحثن عن رفيق مؤقت. وقد وطد الأنصارى علاقته بالرجل القواد لانه سيساعده فى التوغل للمجتمع الإسرائيلى، وبجرأة يحسد عليها اعترف الأنصارى بأنه دخل فى علاقات مع بعض السائحات التى تعرف عليهن من خلال القواد الإسرائيلى، ولكن ما إن شعر بانجذاب حقيقى نحو إحداهن حتى قاوم هذا الإحساس بعنف. لأنه خشى أن يضعفه الحب.

ومن السائحات إلى الصديقات فتحت عنوان بارز فى المذكرات يروى الأنصارى قضاءه أسبوعاً معه صديقة أمريكية له حضرت لزيارته خصيصا فى تل أبيب.

ومن الصديقات للدبلوماسيات الأجانب. حيث تقرب الأنصارى من دبلوماسية نرويجية اسمها (انا لارسن) وكانت تشغل منصب السكرتير الثانى فى سفارة النرويج بتل أبيب. وبعد تناول عشاء مع انا يقول الأنصارى (بعد العشاء ذهبنا إلى ملهى ليلى وتطورت مجريات الامور بيننا وفى الصباح فوجئت بها تقول لى هذه هى أول مرة تكون لها علاقة خارج إطار زواجها، وأنها تتذكر ابنتها البالغة خمس سنوات وبدت ملامح الدهشة على وجهى، لأننى لم أكن أعتقد أنها متزوجه وأم لطفلة فى الخامسة من العمر.. فقررت بينى وبين نفسى إنهاء تلك العلاقة)، فمع الرغم من تحرر الأنصارى إلا أنه كرجل شرقى كان يرفض إقامة علاقات مع امرأة متزوجة، كما أنه لم يسمح لصديقته البريطانية الدائمة بإقامة علاقة مع رجل آخر، وذلك على الرغم من اصراره على إقامة علاقات بأخريات غيرها لصالح العمل. ولهذه القواعد اتخذ الأنصارى قراراً بقطع علاقته مع الدبلوماسية النرويجية.

ولكن الأنصارى اضطر للاستمرار فى العلاقة حتى يصل إلى دبلوماسية فنلندية بناء على تعليمات رسمية بحسب ما جاء فى المذكرات، وبالنسبة للفنلندية فقد اكتفى بتعريفها بأحد الشخصيات المصرية.

ومن بين صديقاته صديقة تعمل بالسياحة، وقد كشفت له هذه الصديقة عن استغلال إسرائيل لشركات السياحة الإسرائيلية للتجسس على مصر. بل وذكرت له هذه الصديقة اسم صاحبة شركة سياحية إسرائيل تتعامل مع الموساد وتعمل فى القاهرة. ولعل هذه القصة تكشف سر حماس وهرولة إسرائيل للتطبيع السياحى منذ توقيع اتفاقية السلام.

وبعيداً عن تعدد علاقات الأنصارى الا أن هناك ثلاث علاقات تعتبر محطات رئيسية بل حاسمة خلال فترة إقامته فى إسرائيل. اثنتان من هذه العلاقات مع ضابطتين فى الجيش الإسرائيلى، اما الثالثة فكانت علاقته الممتدة مع الدبلوماسية البريطانية والتى ادت إلى المواجهة العلنية بينه وبين الإسرائيليين وانتهت إلى محاولات اغتياله ثم قرار مصر سحب سفيرنا من إسرائيل. وعلى الرغم من تحمس الأنصارى للحكى فى كل مذكراته الا أنه اكتفى بجملة أو اثنتين حول كيفية خروجه سرا من إسرائيل. ولم يكشف عن عملية عودته سرا لمصر. لكنه ذكر أنه سافر على طائرة لشركة اير سيناء. وفوجئ بهدية من شركة مصر للطيران وكارت كتب عليه عبارة (من مصر وشركة مصر للطيران إلى ابن مصر البار). ولكننى لا اريد أن أسبق الاحداث ولذلك أعود إلى علاقاته النسائية بالثلاث نساء التى شكلت العنصر الحاسم فى المواجهة مع إسرائيل أو بالاحرى الموساد.

5 - عملية الصنوبر الصغرى

كان الأنصارى فى احد الملاهى الليلية عندما قرر التعرف على امرأة جميلة لفتت نظره وكانت تسهر مع صديقتها، وفى مذكراته يصف الأنصارى هذا اللقاء بالصيد الثمين، ومعه كل الحق لأن السيدة التى اعجبته كانت ضابطاً فى الجيش الاسرئيلى وكانت أول مرة يتعرف فيها الأنصارى إلى امرأة من الجيش، ولكنها لم تكن المرة الاخيرة. ففى مصادفة أخرى من مصادفاته أو بالاحرى مغامرة أخرى للانصارى تعرف على امرأة مطلقة حديثا، وعلم بعد اللقاء الأول انها تحمل رتبة رائد فى الجيش الإسرائيلى. وفى المقابلة الأولى أخفى فى البداية عن صديقته (إيرين) وظيفته بل وجنسيته واخبرها أنه رجل اعمال أمريكى له اعمال فى إسرائيل، ولكن فى المرة الثانية اخبر الرائد (إيرين) بحقيقة عمله وجنسيته. وفى الحالتين خيرهما فى الاستمرار فى العلاقة أو التوقف نظرا لحساسية الامر. وكان يؤكد فى كل مرة قاعدة هامة وهى عدم التحدث فى العمل لا عمله ولا عمل صديقتيه من الجيش الإسرائيلى. وعلى الرغم من أن الأنصارى كان مصراً على الاستفادة من هذه العلاقات بالحصول على معلومات الا أنه يعترف بأنه حين رأى صديقته الضابطة (إيرين) بزيها العسكرى لأول مرة استهواه الموقف جدا، يضيف الأنصارى فى مذكراته (ولا أدرى لماذا استهوانى هذا الموقف تماما فقد انتابنى احساس بأننى اسيطر على جيش الدفاع الإسرائيلى فى تلك اللحظات).

وجاءت أولى المعلومات الخطيرة من صديقته الضابطة المطلقة (إيرين). فقد عرف منها بزيارة شارون السرية للبنان للقاء بعض قادة الكتائب المسيحية اللبنانية. كما عرف منها معلومات مهمة عن التعاون السرى العسكرى بين إسرائيل وهذه الكتائب أو الفصائل. وخلال لقاءاته بإيرين عرف أن إسرائيل استغلت خوف هذه الفصائل المسيحية من أن تستقوى الفصائل الإسلامية بالمقاومة الفلسطينية. وعرف من إيرين ايضا أن إسرائيل تخطط لعملية فى لبنان بهدف تدمير البنية العسكرية والجهاز السياسى الفلسطينى وذلك بالتعاون مع آل الجميل فى لبنان. ولذلك أطلق على خطة التعاون (مخطط مايا) نسبة إلى مايا ابنة بشير الجميل.

ولكنه عرف من الضابطة إيرين تفاصيل عملية الاجتياح النهائية لجنوب لبنان والتى اتخذت اسم عملية (الصنوبر الصغرى). وبدأ فى جمع معلومات إضافية عن العملية وموعدها فتوصل لسر خطير فى ذلك الوقت. وهو أن العملية الإسرائيلية فى لبنان لتدمير البنية الفلسطينية ستتم يوم 14 فبراير 77. وابلغ الأنصارى السفير بهذه المعلومات الخطيرة. وتم إرسالها للقاهرة فى رسالة مشفرة. واجرت القاهرة ضغوطا على إسرائيل وأبلغت أمريكا بالعملية. فاضطرت إسرائيل لالغاء عملية الصنوبر الصغرى. وقد اصر السفير المصرى على ذكر اسم الأنصارى فى الرسالة المشفرة بوصفه صاحب المعلومات. وكان السفير يهدف بهذا الإجراء إلى نسبة الفضل لصاحبه من ناحية، ولحرصه على أن يتلقى الأنصارى مكافأة من الدولة المصرية على جهوده الاستثنائية من ناحية أخرى.

ولكن السفير دون أن يدرك تسبب فى بداية (حرق) الأنصارى فى إسرائيل. لأن إسرائيل تمكنت من كسر الشفرة وعرفت من بعض الرسائل المشفرة نشاط الأنصارى وبدأت المواجهة العلنية أو بالأحرى المغامرة الكبرى للانصارى والتى انتهت برحيله سرا من إسرائيل وباندلاع فضيحة فى الصحافة الإسرائيلية بسبب علاقته بالدبلوماسية البريطانية (رونا ريتش)

6 - رونا صيد مزدوج

مع تعدد علاقاته فان الأنصارى احتفظ بعلاقة واحدة ثابتة مع الدبلوماسية البريطانية الشابة رونا ريشتى، افترقا حينا لكنهما عادا مرة أخرى، وكان الفراق بسبب غيرة رونا الشديدة على الأنصارى. وكانت العودة من ناحيتها. عندما خرجت له من علبة كبيرة فى حفل عيد ميلاده.

وكانت رونا قد تعلمت اللغة العبرية، وقد ساعدت الأنصارى فى بداية حياته فى إسرائيل بالمعلومات عن المجتمع الإسرائيلى وشرحت له خلفيات بعض الشخصيات الأمنية والعسكرية والسياسية الخطيرة. كما كان الأنصارى ورونا يتبادلان بعض المعلومات بحكم عمل كل منهما كسكرتير ثانٍ فى سفارة بلديهما. ووقعت رونا فى حب الأنصارى حتى أنها غيرت من شخصيتها ومعتقداتها الاجتماعية من اجل سواد عينيه. ولكن المفاجأة أن رونا اعترفت له بعد مدة من العلاقة انها تقربت فى البداية منه لسبب وظيفى بحت، وبناء على نصيحة زميل لها فى السفارة البريطانية بتل أبيب. فقد كانت الدول الكبرى مهتمة بمعرفة كل أسرار المفاوضات الدائرة بين مصر وإسرائيل فى ذلك الوقت. ولكن رونا اكدت للانصارى انها بعد ذلك أحبته. وصدقها الدبلوماسى المصرى، واستمرت علاقتهما (سمن على عسل).

وذات يوم تلقت رونا ترقية استثنائية وعادت إلى بريطانيا فى مهمة عمل استدعيت لها على عجل. وودع الحبيبان بعضهما على أمل لقاء قريب. وكان الأنصارى مع احدى صديقاته عندما علم من احد الدبلوماسيين الاجانب بخبر وقع كالصاعقة على رأسه. فقد ألقى القبض على رونا بتهمة التجسس لصالح مصر لعلاقتها بعشيقها المصرى الأنصارى. واذاعت الـ«بى بى سى» والتليفزيون الإسرائيلى الخبر. وهنا انفجرت الاحداث فى وجه الأنصارى. فقد بدأت الصحافة الاسرائيلية حملة شرسة ضده ووصفته بأن دونجوان وأدعت أنه عرف رونا عندما كان دبلوماسياً فى لندن. وبدأت الصحافة تكتب عن علاقاته الغرامية بالدبلوماسيات الاجنبيات فى تل أبيب، وزعمت الصحافة الإسرائيلية أنه رجل مخابرات مصرى اندس بين الدبلوماسيين بالسفارة المصرية. كما تناولت علاقته العاطفية برونا. وأكدت انها حملت منه، وقامت بعملية إجهاض. ويروى الأنصارى أن الصحافة الإسرائيلية كذبت وبالغت فى تغطيتها للحدث، كما يؤكد فى مذكراته أن الصحافة فى تل أبيب كانت تزعم أنه قام باجراء حوارات هو والسفير المصرى حول الحادثة، وهو الامر الذى لم يحدث قط.

وفيما بعد عرف الأنصارى أنه الموساد قام بتسجيل حوار جرى بينه وبين رونا على شاطئ البحر وهما بالمايوهات. وقد ظل الأنصارى يجهل كيف تم تسجيل الحوار على الرغم من انهما يسيران على الشاطئ، ولكن فيما بعد وعندما عاد للقاهرة وخلال جلساته مع الأجهزة الأمنية عرف الطريقة. فقد تم التسجيل من خلال (كلب) بوليسى مدرب على التتبع، وكان الكلب يسير خلفهما أو بجوارهما. وكان جهاز التسجيل فى الطوق الذى فى رقبة الكلب. وحوكمت رونا فى بريطانيا بتهمة إعطاء معلومات لدولة أخرى من خلال علاقتها بالأنصارى وحكم عليها حكماً مخففاً بالسجن 9 اشهر مع ايقاف التنفيذ لمدة عام وطوال فترة محاكمتها لم تهدأ الحملة الإعلامية على الأنصارى فى إسرائيل.

وعلى الرغم من شدة الحملة فقد استمر الأنصارى يمارس مهامه بشكل طبيعى خاصة فى ظل دعم السفير وطاقم السفارة له. وهذا ما زاد من غضب الموساد لانها توقعت أن تقوم القاهرة بسحب الأنصارى. ولكن الدعم الأكبر للانصارى فى هذه الفترة جاء من القاهرة وتحديدا من الدكتور أسامة الباز.

7 - نصيحة الباز لفرعون مصر

كانت المواجهة العلنية بين الموساد والأنصارى قد بدأت، وكانت الصحافة الإسرائيلية تضغط بشدة، وكادت إسرائيل تعتبر الأنصارى شخصا غير مرغوب فيه وتطلب من مصر سحبه، الا أن تل أبيب قد خشيت أن تقابل مصر هذا الإجراء بالمثل وتطرد احد الدبلوماسيين الإسرائيليين من سفارة تل أبيب بالقاهرة.

ففى خضم الأزمة قام الدكتور اسامة الباز المستشار السياسى للرئيس المخلوع مبارك بزيارة خاطفة لإسرائيل، وقد ذهب الباز لتل أبيب فى طائرة هيلكوبتر ومعه حارس واحد. وانضم الأنصارى إلى مجموعة المستقبلين من المصريين للدكتور أسامة الباز فى المطار. وكان وجود الأنصارى بتعليمات من الباز نفسه. وامام الجميع قام الباز بمعانقة الأنصارى فى اشارة لدعمه. واستمر دعم الباز للدبلوماسى الشاب امام الإسرائيليين. فقد وجه له الجانب الإسرائيلى دعوة عشاء خاص فى فندق هليتون تل أبيب. واصر الباز على حضور الأنصارى هذا العشاء. ولم يكتف الباز بمجرد ضم الأنصارى للعشاء بل أجلسه بجواره على مائدة العشاء ذلك لإيصال رسالة للجانب الإسرائيلى بان القاهرة لن تسكت عن طرد الأنصارى.

وثم انفرد الباز بالعاملين فى السفارة فى بيت السفير. وفى هذا الاجتماع قال الباز للانصارى ضاحكا: (انت تذكرنى بفرعون مصر الذى كانت حاشيته ومعظم مصادر معلوماته من سيدات يعملن لدى أعدائه). وفى هذا اللقاء حكى الأنصارى بصراحة وباسماء مصادر كل المعلومات التى حصل عليها وشرح للباز أسلوبه فى جمع المعلومات من المصادر المختلفة. وقد ظهر السرور على وجه الباز، وسأل الأنصارى عن السفارة التى يرغب فى العمل بها بعد مغادرة تل أبيب. وقد رجاه الأنصارى بعدم نقله بسرعة. وكان رأى الأنصارى أن التسرع فى نقله سيؤكد تورطه فى عملية رونا البريطانية. وقدر الأنصارى المدة التى يجب أن يستمر فيها فى إسرائيل بستة اشهر. وقد وعده الباز بنقل وجهة نظره لنائب رئيس الوزراء فى ذلك الوقت كمال حسن على. كما وعده الباز بالعمل على إقناع النائب بوجهة نظر الأنصارى.

وكان الباز قد ذهب لإسرائيل فى جولة مفاوضات مع الإسرائيليين حول ترسيم الحدود بين مصر وإسرائيل. وفى هذا اللقاء ألحت إسرائيل على إجراء محادثات الحكم الذاتى فى القدس وأبلغهم الباز رفض مصر هذا الطلب. وكانت مصر ترفض هذا الطلب لانه سيكون اعترافاً ضمنياً من مصر بأن القدس عاصمة لإسرائيل وهو الامر الذى ترفضه مصر باعتبار أن القدس عاصمة فلسطين المحتلة.

وخلال الأزمة أو القضية عرف الأنصارى من أحد العاملين بالسفارة بسر خطير وذكره فى مذكراته. فقد اكتشفت مصر قضية جاسوسية بطلها السكرتير الثانى فى السفارة الإسرائيلية بالقاهرة. وأن القاهرة كانت تنوى الكشف عن القضية، ويبدو أن خبر القضية تسرب إلى إسرائيل بطريقه ما، فأسرعت بالتصعيد ضد الأنصارى حتى تضيع على مصر فرصة الكشف عن الجاسوس الإسرائيلى.

وعلى الرغم من الحملة الصحفية والإعلامية الشرسة على الأنصارى، الا أنه يروى فى مذكراته أن الحملة أفادته. فقد فتحت أبواب جديدة فى المجتمع الإسرائيلى. فالفضول دفع الإسرائيليين للتعرف بالأنصارى. كما أن النساء الإسرائيليات اندفعن للتعرف على الدونجوان المصرى بحسب وصف الصحافة الإسرائيلية له. ولكن الأنصارى التزم بنصيحة الباز له. وكان الدكتور اسامة الباز قد نصحه الا يبالغ فى الظهور أو فى الاختفاء.

وعندما استمرت علاقات الأنصارى بالمجتمع الإسرائيلى واستمر الدعم المصرى له قرر الموساد التعامل بطريقة مختلفة مع الأنصارى.

8 - مواجهة دموية ورحيل سرى

فقد قرر الموساد تصفية الأنصارى واغتياله، وجرت ثلاث محاولات لاغتياله. أول محاولة بدأت كانت فى 25 مارس، وجرت المحاولة باستخدام سيارة حاولت قتل الأنصارى أمام منزله. ولكنه افلت من هذه المحاولة. وكانت المحاولة الثانية فى منزله من خلال كسر ماسورة المياه الساخنة واغراق المنزل بالماء، وذلك مع (تعرية) السلك الكهربائى لأباجورة غرفة النوم، وكان المقصود أن يتعرض الأنصارى لصاعقة كهربائية فى الحال. وقد قامت قوات الصاعقة المصرية التى كانت تحمى السفارة بالتعامل مع هذه المحاولة.

وبعد أربعة ايام فقط كانت المحاولة الثالثة لاغتيال الأنصارى، وكانت هذه المحاولة فى منزله ايضا. ولكن فى هذه المرة جرى كسر ماسورة الغاز، وانتشر الغاز فى الشقة حتى تشتعل النيران بمجرد أن يحاول الأنصارى اشعال سيجارة. وفى هذه المرة انتقل الخبر إلى الخارجية المصرية بالقاهرة. ويروى الأنصارى رد فعل النائب ووزير الخارجية كمال حسن على عندما علم بمحاولات الاغتيال. فقد قال كمال حسن على (إن ثمن حياة هذا الشاب ستكون خطاب اعتذار من جانب الحكومة الإسرائيلية للحادث المؤسف الذى وقع له قضاء وقدرا) ثم اضاف كمال حسن على أنه لن يجازف بحياة الشاب أكثر من ذلك واتخذ كمال حسن على قرارا باعادة الأنصارى إلى مصر سرا.

وكان القرار باعادة الأنصارى لمصر خلال اربع وعشرين ساعة وبالفعل تمكنت المخابرات من إعادته لمصر سالما. ولم تعلم إسرائيل بمغادرته تل أبيب الا بعد ايام عديدة.

وفى القاهرة تم استقبال الأنصارى من الخارجية والمخابرات. وقد عومل خلال الرحلة مثل رجال المخابرات كرأفت الهجان. فقد تم الغاء حجز كل مقاعد الدرجة الأولى وسافر الأنصارى على الدرجة الأولى بمفرده. وعندما هبطت الطائرة إلى ارض مطار القاهرة وجد سيارة مرسيدس سوداء فى انتظاره بجوار الطائرة التى نزل منها قبل الركاب. وما إن ركب الأنصارى السيارة حتى اجرى السائق مكالمة تليفونية مع النائب كمال حسن على وأخبره أن البضاعة وصلت.

وكان الأنصارى قد طلب أن ينقل إلى سفارة هامة أو منظمة دولية حتى لا يفهم أنه معاقب بعد رحيله من إسرائيل، او بالأحرى بعدما جرى من مواجهة فى إسرائيل. وبالفعل تمت الاستجابة لطلبه حيث عمل فى فيينا وهى عاصمة بعض المنظمات الدولية المهمة. وتعد دولة المقر الثالث للأمم المتحدة وكان الأنصارى يعمل فى السفارة المصرية بفيينا بالاضافة إلى عمله فى المنظمات الدولية هناك. ولم يتبق من تجربة إسرائيل داخل الأنصارى سوى الاحساس الدائم بأنه مراقب وأن ثمة شخصاً ما معه فى كل مكان، وهو الاحساس الذى ترسخ داخله بسبب المراقبة والتنصت التى عاش وسطهما فى تل أبيب. وكان الأنصارى يرغب فى العمل بنيويورك ولكن الجهات الأمنية اعترضت لقوة اللوبى اليهودى هناك واحتمال أن يعوق ذلك عمل الأنصارى الدبلوماسى هناك.

9 - بعيدا عن النساء

على الرغم من اسلوب الأنصارى فى الاعتماد على النساء لجمع المعلومات، الا أن الأنصارى كان يعتمد على مصادر أخرى من الرجال. فمنذ أن عمل الأنصارى فى تل أبيب سعى إلى التفاعل مع كل مجتمع الدبلوماسيين الاجانب. واقترح الأنصارى انشاء جمعية الدبلوماسيين الاجانب، حرص الأنصارى على ألا يقوم بإبلاغ الجانب الإسرائيليى بهذه الخطوة ولذلك اقترح على ممثلى كل من سفارة أمريكا وهولندا القيام بمفاتحة الجانب الإسرائيلى، وبدأت جمعية الدبلوماسيين الاجانب فى العمل ومضت أكثر من 35 سفارة. وكان الأنصارى دينامو هذه الجمعية وقد استفاد الأنصارى من تواجده بالجمعية فى اكتساب صداقة الدبلوماسيين الاجانب ومن ثم جمع معلومات التى ترد للسفارات المختلفة.

ومن القصص المهمة التى يرويها الأنصارى فى مذكراته قصص محاولات إسرائيل التأثير النفسى على الجميع بما فى ذلك الدبلوماسيين. فقد حضر زيارة للدبلوماسيين الاجانب نظمتها وزارة الدفاع للدبلوماسيين الاجانب، وكانت الزيارة للجبهة الشمالية لإسرائيل التى تجاور الحدود الجنوبية للبنان. وفى الزيارة كشفت إسرائيل عملياتها ضد الفلسطيين ولكنها خصصت جزءاً من الزيارة للحديث عن الاثار النفسية والرعب الذى عاشه اطفال إسرائيل بسبب الغازات الفلسطينية. وخلال هذه الزيارة عرف الأنصارى أن إسرائيل خططت لاغتيال عرفات من خلال نسف مقر القيادة الفلسطينية الا أن عرفات نجا لانه ترك المقر لاستقبال مكالمة هاتفية من احد الرؤساء العرب بمنزله.

وكان الأنصارى قد تنبه للـتأثير النفسى الذى يحدثه الاعلام التليفزيونى. فقد كاد أن يقع تحت هذا التأثير وهو يتابع برنامجاً عن اليهود الناجين من المحرقة فى الحرب العالمية الثانية.

10 - أسرار جنازة السادات

كان الأنصارى فى اجازة بالقاهرة عندما اغتيل الرئيس السادات، ولذلك كان من البديهى أن تسند له الخارجية مهمة مرافقة الوفد الإسرائيلى الذى حضر لتقديم العزاء وحضور جنازة السادات. وفى مذكراته يروى الأنصارى كواليس هذه الزيارة. فقد حضر الوفد فى طائرة جامبو جيت خاصة. وكانت الطائرة تحمل اسلحة ومعدات اتصال وسيارة كاديلاك مصفحة ضد الرصاص وسيارة اسعاف مجهزة للعمل كمستشفى. وحمل الإسرائيليون معهم وجباتهم الغذائية على الطريقة اليهودية (الكوشير). ونظرا لان جنازة السادات اقيمت يوم السبت وهو اليوم الدينى لليهود. فقد اصر رئيس الوزراء على التوجه للجنازة سيرا على الاقدام نظرا لان ركوب السيارات حرام فى ذلك اليوم. ولذلك رفض رئيس الحكومة الاقامة فى فندق سونستا مع بقية الوفد، واصر على الاقامة فى مكان قريب من موقع الجنازة، فلم يجد المسئولون مكانا مناسبا سوى استراحة المقاولين العرب. ولكن يبدو أن كل هذه الإجراءات كان وراءها رعب الجانب الإسرائيلى من الاوضاع الأمنية فى مصر فى ذلك الوقت والتى انتهت إلى اغتيال السادات.

وفى ظل كل هذه الإجراءات اصر شارون على طلب سيارة لاستخدامها فى مشوار خاص لمدة ساعتين أو ثلاث. واستجابت السلطات المصرية للطلب. وحينما عاد شارون إلى استراحة المقاولين العرب اكتشف الأنصارى سر الزيارة الغامضة لشارون. فقد ذهب إلى الحسين وخان الخليلى وارتدى كاب وسار بين السائحين القلائل فى هذه الفترة، ودخل مطعماً والتهم ثلاثة كيلو من الكباب والكفتة بمفرده، ثم (حبس) بأكواب الشاى بالنعناع. وبرر شارون هذه الواقعة بأن الاكل اهم عنصر من عناصر الحياة بالنسبة له، واضاف شارون أن وجبة الكوشير التى يقدمها رئيس الوزراء لن تشعره بالشبع واستطرد شارون قائلا (بالرغم من التزامى بتعاليم الدين الا اننى لا التزم بتناول وجبات الكوشير فمن المهم أن تمتلئ معدتى حتى أستطيع التفكير بشكل سليم). ولاحظ الأنصارى أن شاورن يتمتع بتأثير كبير على رئيس الحكومة مناحم بيجين وأنه يحظى بمكانة خاصة بين أعضاء الوفد الإسرائيلى.

وكعادة الإسرائيليين لم يفوت فرصة العزاء دون أن يحقق مصلحة. ولذلك اصر على اخذ وعد علنى من النائب فى ذلك الوقت حسنى مبارك بأن مصر ستستمر فى عملية السلام، وأن يكون هذا الوعد امام الوفد الإسرائيلى من الوزراء وكبار المسئولين.

ويروى الأنصارى قصة أخرى خلال كواليس العزاء. فقد تجاهل المسئولون الإسرائيليون السلام باليد على الرئيس السودانى السابق النميرى حتى لا يحرجونه. ولكن احد اعضاء الوفد صافح النميرى بحرارة وكان واضحا انهما يعرفان بعضهما. وادعى عضو الوفد أن السلام جاء بطريقة الخطأ، وقال العضو للانصارى (سأقوم بوضع كف يدى فى اطار صورة لانها صافحت بالخطأ رئيسا عربيا هو الرئيس جعفر النميرى. ولكن الأنصارى لم يصدق وفيما بعد كشفت الاحداث أن هذا العضو قابل نميرى مع شارون فى لقاء سرى عقد بكينيا. وكان رجل الاعمال السعودى عدنان خاشقحى هو من دبر اللقاء، وذلك حتى تسمح السودان ليهود إثيوبيا (الفلاشا) بالانتقال إلى إسرائيل عبر ارضيها.

فى نهاية مذكراته يكرر الأنصارى نفيه العمل فى المخابرات أو حتى تكليف المخابرات له بأى اعمال أو بالاحرى إقامة علاقات نسائية لجمع المعلومات. وانه فعل ذلك من تلقاء نفسه ولرغبته فى تجويد عمله، ولكن الاهم من حكاية نفيه العمل لصالح المخابرات هو تركيزه فى خاتمة المذكرات على اهمية المعلومات لدولة إسرائيل ولذلك تحول الموساد والأجهزة الأمنية إلى دولة داخل دولة. ويلفت السفير الأنصارى النظر إلى أن تعدد جنسيات الإسرائيليين وتواجد اليهود فى الدول المختلفة ساعد الموساد فى التوغل داخل جميع المجتمعات فى الدول المختلفة. ومن ضمن المعلومات التى حصل عليها الأنصارى من خلال احدى صديقاته معلومات عن قوة انتشار المافيا الإسرائيلية، والعلاقة بين الموساد والمافيا الإسرائيلية. وكيفية سيطرة المافيا الإسرائيلية على اعمال الشاطئ الجنوبى فى أمريكا وانها تقوم بتهريب المعلومات العسكرية للموساد. ويتم تهريب الوثائق السرية الأمريكية مع الكوكايين والاسلحة التى تقوم المافيا الإسرائيلية بالاتجار فيها. كما شرحت له العلاقة بين المافيا الالمانية بشكل خاص والاوروبية بشكل عام مع المافيا الإسرائيلية.

ومن المعلومات المهمة التى حصل عليها الأنصارى بنفسه مع اليهود من الأصل عربى معلومة تعرى المزاعم الإسرائيلية باضطهاد اليهود فى مصر قبل هجرتهم إلى إسرائيل. فقد أكد اليهود العرب للانصارى أن الجيش الإسرائيلى خلال حرب اكتوبر كان يرفض وضع الجنود الإسرائيليين من اصول مصرية فى مواجهة الجبهة المصرية، إما لرفع الحرج عنهم أو لتشكك القيادة الإسرائيلية فى جدية ادائهم القتالى امام إخوانهم المصريين. لأن معظمهم قد تركوا مصر دون أن تكون لديهم مشاعر سلبية أو ذكريات أليمة. فقد تركوا مصر بعزة نفس وبمحض ارادتهم ولم يتعرضوا لأذى سواء من الحكومة أو الشعب وتمت معاملتهم بكل احترام حتى لحظة مغادرتهم. بل سمح لهم ببعض التحويلات المالية وحصلوا على معظم اموالهم. ولذلك كانت إسرائيل ترفض وضعهم فى مواجهة الجيش المصرى، كما رفض اليهود الليبيون واللبنانيون أيضا الحرب على الجبهة المصرية فى 73 حتى لا يواجهوا المصريين ويحاربوهم.