أحمد فايق يكتب : مصر تستطيع تفجير سد النهضة عبر إريتريا

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


1 - شهادة عمر سليمان لعادل حمودة على شريط كاسيت عن السد:

■ زيناوى قابلنى 3 مرات فى شرم الشيخ موافقاً على شروطنا ■ القاهرة اقترحت بناء محطات كهرباء نووية لإثيوبيا بديلا عن السد ■ رجال الأعمال ومافيا اللحوم هدموا كل ما بنيناه فى أديس أبابا


كان أول حوار له بعد إعلان الترشح لرئاسة الجمهورية، اختار عمر سليمان أن يحاوره عادل حمودة فى الوقت الذى طاردته مصر كلها للحصول على تصريح واحد، المقابلة تمت فى شقة تطل على قصر البارون بمصر الجديدة، اختارها عمر سليمان مقرا لحملته الانتخابية، واستمرت المقابلة لساعتين، بدا الرجل شاحبا وفقد 10كيلو على الأقل من وزنه، فقد أصيب بمياه على الرئة وأجرى عملية بزل للمياه، عمر سليمان هو الذى اتصل بعادل حمودة قال له: "عاوز اتكلم معاك".

يتذكر عادل حمودة أنه كان واحدا من أغرب وأقوى الحوارات التى أجراها فى حياته المهنية، فقد أراد عمر سليمان أن يودع لديه كل شىء فى أقل وقت ممكن، اختصر سنوات فى تاريخ مصر فى جمل قصيرة ومقتضبة، فقد كان يشعر أن الزمن ضده وليس لديه وقتاً كبيراً لحكى كل شىء بالتفصيل، وبدأ الحوار كأنه تحول إلى وصية، فالصندوق الأسود لمصر طوال 40 عاما لديه الكثير الذى مازال لدى عادل حمودة.

هذه المرة بدا لى عادل حمودة بخيلا فى المعلومة الصحفية ليس كريما كعادته، بذلت معه مجهودا كبيرا كى يخرج مالديه عن أخطر ملف يهدد أمن مصر وهو سد الألفية الإثيوبى، نقل لى الصورة كما كان يراها عمر سليمان مضافا له تحليله للوضع، التحليل الذى يجب أن تستفيد منه مصر الآن، السد الإثيوبى ليس قضية يستطيع حلها وفد دبلوماسية شعبية، أو اجتماع مهرجين مثلما حدث فى قصر الاتحادية مع المعزول محمد مرسى، إنما هى قضية أمن قومى غير قادر على حلها سوى الأجهزة السيادية، قضية بطلها حرب باردة مع إسرائيل، وأجهزة مخابراتية تخصص المليارات لحرمان المصريين من حقهم فى المياه والحياة، إن شهادة عمر سليمان لعادل حمودة وثيقة يجب أن نحتفظ بها، ونقرأها ألف مرة قبل أن نكتب حرفا واحدا عن أخطر ملف فى حياة المصريين.

يقول عمر سليمان لعادل حمودة إن أصل الحكاية بدأت من إسرائيل، فقد خصص الموساد فى بند فى ميزانيته لحماية عائلات وادى النيل وعائلاتهم، بل والتأمين الصحى عليهم فى أفخم مستشفيات تل أبيب، لقد وضع الموساد الإسرائيلى حراسة خاصة لهم، وهو بالنسبة لبعضهم منحة كبيرة فقد شهدت هذه الدول الكثير من الانقلابات العسكرية، وقتل بعض الحكام، ويوجد لديهم ميزانية كبيرة لدفع الرشاوى فى كثير من الأحيان لبعض أنظمة وادى النيل، السؤال هنا ما الهدف من ذلك؟

الإجابة على لسان عمر سليمان فى شهادته لعادل حمودة: لقد عرض على مدير الموساد أن يتوسط لحل الأزمة مع إثيوبيا، وفى المقابل توافق مصر على مد خط للنيل إلى النقب يمر فى أنابيب أسفل قناة السويس، وتشترى إسرائيل المياه من إثيوبيا وتعوض مصر حسابات التبخر، عرض الموساد الإسرائيلى كان يشمل الضغط على إثيوبيا فى سد الألفية ووقف مشروع السد كاملا، لكننى رفضت ذلك.

هذا الكلام يوضح أن الهدف الاسرائيلى لكل مايحدث حولنا من أزمات مرتبطة بنهر النيل هى ازمات من صنع الموساد الاسرائيلى هدفها الأول والأخير الضغط على مصر لمد خطوط مياه إلى النقب، حيث قال مدير الموساد لعمر سليمان: طالما ترسلون لنا الغاز ماالمانع من إرسال المياه بنفس الطريقة؟

يعود عمر سليمان فى شهادته لعادل حمودة بالذاكرة إلى الوراء فى عام 2008 حينما ذهب مبارك إلى القمة الإفريقية الصينية، ونجحت مصر فى إقناع الدول الإفريقية والصينية بتعطيل مشروع سد النهضة، وهذا ما اضطر "زيناوى" رئيس وزراء إثيوبيا السابق إلى زيارة شرم الشيخ 3 مرات، ودخل فى مفاوضات عميقة مع عمر سليمان، وكان رئيس المخابرات المصرية قويا حاسما، مؤكدا له أن مصر لن تسمح بسد النهضة مهما كلفها الأمر، وهذا ماجعل زيناوى يوافق على اقتراح من عمر سليمان بأن تبنى إثيوبيا محطات طاقة نووية لتوليد الكهرباء، وتشترى مصر الفائض من الكهرباء، ويتم بناؤها فى فترة زمنية أقل من فترة بناء السد.

الحل المصرى قبلته إثيوبيا رغما عنها لأنها تعلم أن القوة فى القاهرة وكان لدى مصر قدرة على ممارسة الضغوط دوليا عليها، عمر سليمان قال لعادل حمودة بشكل واضح إن مبارك حينما استدعاه وسأله ماذا نفعل إذا بنت إثيوبيا سد النهضة؟

فرد عليه عمر سليمان "إحنا ممكن نفجره يافندم"

وتحدث عمر سليمان لعادل حمودة عن إمكانية الاستعانة بقاعدة عسكرية فى اريتريا لتنفيذ هذه العملية، لكنه كان حلاً أخيراً وليس أولاً، فمصر مازال لديها طرق أخرى للضغط من أجل حماية أمنها المائى.

ويعود عمر سليمان ليؤكد لعادل حمودة فكرة مهمة وهى أن الحل العسكرى هو أداة ردع، وطالما تعرف إثيوبيا جيدا أن مصر لديها القدرة على ذلك، فستفكر ألف مرة تجاه تهديد مصالحنا، لقد كان عمر سليمان وسيطا فى توقيع اتفاقيات مع إثيوبيا بعد مفاوضات شرم الشيخ، منها توريد اللحوم الإثيوبية إلى مصر، والاستثمار الزراعى المصرى فى أراضى إثيوبيا، لكن مافيا رجال الأعمال ساهمت فى إلقاء التراب على هذه الصفقات، وتحولت لتحقيق مصالح شخصية لهم على حساب الوطن.

هل تعلم أن هناك بنداً سرياً فى الموازنة تحت اسم مخصصات إفريقيا؟

سؤال من عمر سليمان لعادل حمودة، وأكمل : هذا البند قيمته تتراوح مابين 30 إلى 40 مليون دولار، ويدار بواسطة رئيس الجمهورية شخصيا، وهو الأداة المالية الوحيدة التى كانت فى يد مصر فى الحرب الباردة مع إسرائيل، لكن الفارق أن إسرائيل كانت تلعب إعلاميا وشعبيا بشكل أذكى فقد وضعت ميزانياتها لبناء ملاعب كرة القدم فى دول حوض النيل، ومصر كانت تضع أموالها فى حفر الابار والبنية التحتية، وهى مساعدات غير شعبية ولا تلقى تغطيات إعلامية كبيرة.

قال إن النيل بالنسبة لهم قضية تنمية وبالنسبة لمصر قضية حياة

سر رسالة السيسى التى أغضبت رئيس وزراء إثيوبيا

أصيبت سفارة إثيوبيا بالارتباك بمجرد توافد طلبات الاعتماد عليها من الصحافة والاعلام المصرى، فهذه المرة مختلفة، وهم ينتظرون رئيس جمهورية قوى وليس من عينة محمد مرسى الذى سافر هناك وشرب البن الإثيوبى وعاد إلى القاهرة بلا فائدة، هذه المرة الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى سيسافر لحضور القمة الإفريقية، وسيلتقى المسئولين الإثيوبيين على هامش القمة، وسيلتقى زعماء افارقة آخرين ممن تحبهم إثيوبيا وتكرههم أيضا !

لقد تلقت السفارة الإثيوبية بمصر 250 طلبا للحصول على التأشيرة فى أكبر وفد صحفى وإعلامى ربما يدخل دولة إثيوبيا فى تاريخها، كاميرات من كل القنوات التليفزيونية تبحث عن مادة صحفية مشوقة ترضى فضول المصريين، وصحفيون من كل المؤسسات بينهم المحققين والكتاب وحتى المحررين، هى منافسة مهنية متوقعة، وبالتأكيد الجميع يريد تصوير سد النهضة الإثيوبى، وهو بالنسبة لهم قلعة أسرار ومنشأة عسكرية ممنوع الاقتراب منها، يعلم السفير الإثيوبى فى القاهرة أن الإعلام المصرى فى قضايا الأمن القومى ليس لديه حسابات سوى مصلحة مصر، وزيارة رئيس الجمهورية لن تمنع أحدا من نقل الحقيقة حتى ولو كانت مرة، لذا عطل كثيرا استخراج التأشيرات، وادعى أنه مريض ثم أكد أن هناك عطلة فى السفارة لثلاثة ايام، كل ماكان يريده هو تأخير سفر الوفد الإعلامى المصرى قدر الإمكان، وقد نجح فى هذا بالفعل، وانسحبت بعض وسائل الاعلام من السفر، ووصل عدد المسافرين إلى 140 فقط، وسافر أول وفد فى طائرة مصر للطيران مباشرة مساء الاثنين، الرحلة من القاهرة لـ أديس أبابا تستغرق 3 ساعات و40 دقيقة لكن سعر تذكرة الطيران 7 آلاف جنيه..!

حتى الفنادق فى إثيوبيا ارتفعت أسعارها بشكل مبالغ فيه ووصل سعر الاقامة فى فندق ثلاثة نجوم لـ350 دولارا فى اليوم، والغريب أن الفنادق تصمم على أن الحجوزات لا تلغى بأى شكل من الاشكال، هذا فى نفس توقيت تعطيل السفارة لاستخراج التأشيرات، وهذا تسبب فى خسائر لبعض وسائل الإعلام.

الاكثر أهمية أن السفير الإثيوبى قال لبعض المقربين منه أن هناك خوفا فى أديس أبابا من كلمة قالها الرئيس السيسى لبطرك الكنيسة الإثيوبية، ولم يذكر تلك الكلمة، وهى فى حقيقة الامر جملة وليست كلمة واحدة، فقد قال الرئيس إن النيل إذا كان بالنسبة للإثيوبيين قضية تنمية فهو بالنسبة للمصريين قضية حياة أو موت..!

أثيوبيا طوال تاريخها تخشى التعامل مع رجال المخابرات وتعمل لهم ألف حساب، والسيسى رجل مخابرات فى الأساس، فهو فى النهاية يذكرهم بعمر سليمان، رجل المخابرات الذى أجهض أحلامهم طوال 30 عاما، حينما زار مرسى أديس أبابا كانت ترحب سفارة إثيوبيا بالوفد الإعلامى المصرى، فهى تعلم من هو مرسى؟

لكن عند السيسى الأمر مختلف فهم يحللون كل حرف يقوله عنهم، يلعبون مع مصر لعبة كسب الوقت والمماطلة، كانوا يريدون تخزين 14 مليار متر مكعب فى السد، وبعدما حكم الإخوان مصر رفعوا العطاء إلى 74 مليار متر مكعب مياه وهو رقم بالتأكيد يؤثر على حصة مصر.

لقد نجح النظام الإثيوبى فى حشد الرأى العام الداخلى وتصوير مصر باعتبار أنها عدو للشعب الإثيوبى، وأننا نقف فى وجه تنميتهم، لقد استفادوا من تجربة جمال عبدالناصر الذى حشد الشعب المصرى لبناء السد العالى فى مواجهة أمريكا، الآن تبدلت الامور والإثيوبيون ينظرون إلى مصر باعتبارها أمريكا التى تقف فى وجه تنميتهم، نجح الإثيوبيون فى حشد دعم سياسى خفى من إسرائيل، ومعلن من دول أخرى، هم يتابعون المشهد المصرى اليومى ويبحثون عن كل دولة لها خلاف مع مصر والحصول على دعمها، فعلوا ذلك مع تركيا وقطر، حتى فى فترة حكم مرسى كانوا يريدون فعل ذلك مع السعودية والإمارات..!

لكن هذه المرة الوضع مختلف، فمصر بها رئيس قوى ورجل مخابرات فى الأساس ويعرف جيدا كيف يدير الملف، لذا هذه المرة يعملون له ألف حساب، لم تكن زيارة الرئيس للصين بعيدة عن إثيوبيا، فالصين دولة تبحث عن مصالحها الاقتصادية بالاساس ومن بعدها تحدد توجهاتها السياسية، مؤخرا مصر فقدت جزءا كبيرا من علاقتها الاقتصادية مع الصين فى مقابل ارتفاع هذه المصالح الاقتصادية بين الصين وإثيوبيا، وهذا جعل الصين داعمة لإثيوبيا فى ملف سد النهضة، أو على الاقل طرفا محايدا، لكن بحسبة دولة كبيرة مثل مصر، فالصين إذا وجدت مصالح اقتصادية أكبر مع مصر ستتحول إلى ورقة ضغط على أديس أبابا، وهذا ماقدمته مصر لبكين فى الزيارة الاخيرة، فمصر هى بوابة الصين نحو إفريقيا، وبها أكبر سوق لمنتجات بكين، وتستطيع استيعاب الاستثمارات الصينية الضخمة وتعود بالمليارات على بكين، كانت العلاقة تحتاج إلى تحديث وعمق مطلوب.

هنا يشعر الجانب الإثيوبى بالقلق ويقبل بالتفاوض مع مصر على أرضية مشتركة، هناك سيناريوهات كثيرة مطروحة من الجانب المصرى، وجميعها تلقى مقاومة عنيفة من إثيوبيا، فهم يريدون كسب الوقت وفقط، ربما يحسم الأمر الرئيس السيسى فى زيارته إلى أديس ابابا، ويجتمع مع رئيس الوزراء الإثيوبى على تفهمات حول السد الإثيوبى، تفهمات لا تخل بأمن مصر المائى، بعض السيناريوهات المصرية أن تقبل إثيوبيا بإشراف مشترك على السد بين القاهرة وأديس أبابا بما لا يخل بالسيادة الإثيوبية، أو أن يتم مد فترة تعبئة خزان السد لعدد سنوات أكبر بما لا يخل بحصة مصر فى النيل.

إن رغبة مصر الحقيقية هى أن يتحول هذا السد إلى خير يعم علينا وعلى إثيوبيا، وأن تتعاون البلدان فى تنفيذه بل وتشارك مصر بتقديم استشارات فنية وخبرات هندسية فى عملية البناء، فمصر هى الدولة الإفريقية الأولى فى هذا المجال، لكن بشروط تتوافق مع الشعب المصرى وليست تلك الشروط التى ترضى غرور الموساد الإسرائيلى.